في حين يتخبط المواطن اللبناني في دوامة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتداعيات التراجع الاقتصادي في لبنان والمنطقة، عمدت الحكومة اللبنانية إلى إقرار موازنة تقشفية بعد 20 جلسة من التداولات والبحث والتمحيص والمناقشات والخلافات بغية خفض العجز المالي التاريخي في لبنان، الذي بلغ مستوى يفوق كل معايير الحوكمة الجيدة، ومن شأنه مراكمة الدين العام وتهديد الاستقرار النقدي في ظل استمرار غياب أي خطة اقتصادية.
لم تنفع موجة الاعتصامات والاعتراضات التي فجرتها نوايا الحكومة التقشفية في ردعها عن المس بجيوب المواطنين، لا بل إنها أمعنت في سياساتها المعتادة، فنأت بنفسها عن محاربة الفساد وضبط مزاريب الهدر، كما لم تتخذ خطوات توحي بنيتها الحقيقية لإجراء إصلاحات تؤكد وجود تغيير في النمط الذي اعتمدته في معالجة الأمور وأتى في غالب الأحيان على حساب الطبقتين الوسطى والفقيرة.
موازنة عام 2019
. ارتكز مشروع موازنة 2019 على تخفيض مخصصات وتعويضات ذوي الدخل المحدود، وتجريدهم من بعض مكتسباتهم من جهة، في مقابل فرض المزيد من الرسوم والضرائب على الأفراد وعدد من القطاعات من جهة أخرى، لتحقق في نهاية المطاف خفضاً في العجز من 11.4 في المئة إلى 7.59 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأبرز ما تضمنته الموازنة:
-تعديل بعض الرسوم التي تستوفيها المديرية العامة للأمن العام (إجازة عرض إعلان تجاري تلفزيوني، إجازة عمل فنان…).
– فرض غرامة مالية جديدة بقيمة ثلاثة ملايين ليرة على الشركات السياحية التي تستقدم وفود أجانب في حال تخلف من في عهدتها عن المغادرة.
– استحداث بعض الرسوم واستيفاؤها من قبل المديرية العامة (نقل كفيل للعمال الأجانب، منح تصريح دخول العملاء الجمركيين إلى المرافئ…).
– إلغاء مدة جواز السفر والرسوم المتوجبة بحيث يُستبدل جواز السفر مدة سنة ليصبح على الأقل ثلاث سنوات أو خمس سنوات أو عشر سنوات. والرسوم المتوجبة (200 ألف ليرة لمدة ثلاث سنوات، 300 ألف ليرة لمدة خمس سنوات، و500 ألف ليرة لمدة عشر سنوات).
– تعديل المادة 58 من قانون ضريبة الدخل بحيث حدد سقف الشطر الضريبي السادس للواردات الصافية بـ٢٢٥ مليون ليرة، وتم استحداث شطر سابع للواردات الصافية لما يزيد عن ٢٢٥ مليون ليرة لبنانية.
– تعديل المادة 32 من المرسوم الإشتراعي رقم 144 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل).
– إلغاء بعض الإعفاءات الجمركية.
– إلغاء بعض الإعفاءات على رسوم السير والتسجيل.
– فرض رسم إضافي على رسوم السير السنوية المتوجبة على السيارات السياحية الخصوصية من جميع الفئات التي تحمل ثلاثة أو أربعة أو خمسة أرقام تتراوح بين 100 ألف ليرة و ٥٠٠ ألف ليرة.
– تنفيذ البيوعات في السجل العقاري (2% للوحدات السكنية التي لا تزيد قيمتها عن 375 مليون ليرة، و3% ما فوق 375 مليون ليرة).
– تمديد مهل التراخيص العقارية وفرض غرامة تراكمية سنوية بقيمة 2% من قيمة العقار في حال انقضاء المهلة الممددة من دون المباشرة بتشييد البناء.
– رفع الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة كافة المفتوحة لدى المصارف بما فيها حسابات التوفير، فوائد وعائدات الودائع، وغيرها إلى 10%.
– فرض رسم مقابل إشغال غرفة في فندق أو شقة مفروشة عن كل ليلة: للفنادق (10 الاف ليرة لفندق من فئة 5 نجوم، 5 الاف ليرة 4 نجوم، و3 الاف ليرة لفئة 3 نجوم). وللشقق المفروشة (درجة أولى 7 الاف ليرة، ودرجة ثانية 5 الاف ليرة).
– تعديل رسوم السير لجميع المركبات الآلية ورسوم التسجيل للدراجات النارية الصغيرة ورسوم رخص السوق (خفض الرسوم على الدراجات النارية).
– فرض جميع الغرامات على الشركات المتوجبة على الشركات صاحبة الحقوق البترولية المشغلة بالليرة اللبنانية أو بالدولار أو اليورو على أساس الحد الأقصى لسعر الصرف الصادر عن مصرف لبنان.
– فرض رسم مقطوع على تقديم النرجيلة في الأماكن المرخص بها بقيمة 1000 ليرة لبنانية.
– فرض رسم سنوي على رخص وضع حواجب الرؤية على المركبات الآلية ما بين 500 الف، ومليون ليرة.
– فرض رسم سنوي على رخص حمل السلاح بمبلغ وقدره 250 الف ليرة.
– فرض نسبة 2% على البضائع المستوردة.
– تعديل رسم الطابع المالي على المعاملات التي تقدم في وزارة الخارجية بحيث يصبح 5 الاف ليرة.
– فرض رسوم على المسافرين من طريق الجو أو البحر لدى مغادرتهم الأراضي اللبنانية: 75 الف للدرجة السياحية، 125 الفاً لدرجة رجال الأعمال، 200 ألف للدرجة الأولى و 400 الف على كل مسافر للطائرات الخاصة.
– رفع رسم الطابع المالي لرخصة استثمار مقلع أو كسارة الى 5 ملايين ليرة، بالإضافة الى 1500 ليرة عن كل متر مكعب مستخرج من المقلع.
– تعديل الرسوم التي تستوفيها وزارة العمل
– إخضاع مخصصات وتعويضات كل من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة والنواب السابقين للضريبة.
– فرض اقتطاع شهري على رواتب ومعاشات تقاعد العسكريين بنسبة 3% من الراتب كبدل طبابة واستشفاء
غياب الرؤية
المشكلة هي أنه ليس فقط إقرار مشروع الموازنة، بل إن معظم خطوات الحكومة أو المسؤولين في لبنان، تتم بمعزل عن أي خطة اقتصادية تشير إلى أن لهذه الحكومة نية في إصلاح أوضاع المالية العامة، وهذا أمر يثير القلق لأنه مؤشر واضح على أن الاقتصاد اللبناني يسير في الظلمة، من دون وجود أي بوصله تخرجه من النفق المظلم.
وكانت تقارير قد تحدثت عن نية لتخفيض رواتب النواب السابقين لكن في المستقبل على الرغم من أن لبنان يدفع أكثر من 20 مليون دولار سنوياً لـ397 نائباً سابقاً، إضافة إلى أرملة نائب سابق وابنة عزباء لنائب سابق ما يعتبر فضيحة في أقل تقدير.
وفي حين قرّرت الحكومة تخفيض رواتب النواب السابقين، لن يشمل هذا التخفيض إلا من يصبح نائباً سابقاً ابتداءً من عام 2026، وبالتالي فالنواب السابقون والحاليون غير مشمولين بهذا التخفيض.
واستغرب اقتصاديون هذا الإجراء، فهو لا يفيد تخفيض عجز الموازنة بشيء، إذ سيطبق على قلة من النواب بعد 7 سنوات، وأصلاً قد يعدل من الآن إلى ذلك الحين. وتكمن الفضيحة الكبرى في الرسالة التي وصلت إلى الموظفين والمواطنين، وهي أن الحكومة غير مستعدة للتخفيض من خلال المس بجيوب الرؤساء والوزراء والنواب وحتى السابقين منهم. وعلى الرغم من أنه في بلدان عدة، لا يعطى النائب السابق أي راتب بعد انتهاء ولايته، وفي بعض البلدان السخية يعطى راتباً بين 6 أشهر إلى سنتين بعد انتهاء نيابته. إلا في لبنان يدفع الشعب اللبناني للنواب السابقين وعائلاتهم منذ العام 1974 رواتب، البعض منهم جاء لدورة انتخابية واحدة ثم عاد إلى ممارسة عمله الذي لم ينقطع عنه أصلاً.
ضرائب طائشة
وعلى الرغم من أن الغرض الرئيسي من الضرائب هو تحقيق المصلحة العامة وتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، انحرفت الضرائب اللبنانية عن هذا المسار، وأتت "طائشة، فإضافة إلى التداعيات السلبية التي قد تحملها في طياتها، قرأ البعض في إقرارها مؤشراً خطيراً يوحي بتوجه السلطة إلى سياسات اقتصادية غير عادلة، فيما رأى البعض الآخر غياب أي وجهة لسياسات الدولة الاقتصادية. فلا يختلف اثنان على ضرورة خفض العجز، لكن بطريقة مدروسة تتم عبر دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لكل إجراء ضريبي على حدة، فالتمادي في زيادة الضرائب قد يعود بآثار سلبية على دافعها، فزيادة الضرائب لا ترافقها بالضرورة زيادة في الإيرادات الجبائية، إذ إن هذه الزيادات قد ترفع قد ترفع من مستوى التهرّب والتملّص الجبائي، فتحقّق بذلك نتائج سلبية عكس الأهداف المنشودة.