ربيع محسن
كل مشكلة تُضللها مشكلة أخرى فننسى الأولى ونتلهى بالثانية. هكذا هي المشاكل، سلسلة من الحلقات، حصارٌ وتجويعٌ وتجفيفٌ للدولار، كلهم بفرخوا مشاكل. كأن هذه المشاكل بيحلها لَمّ الشمل والحياد. وإذا سقط الحياد يسقط الاستقرار. أيُّ نوعٍ من لَمّ الشمل ومن الحياد يريدون؟ من هدد لبنان في عام 1967 بالحصار، وسحب الودائع وطرد اللبنانيين؟ ألا يعلمون أن الودائع تحمل بذرة عدم الاستقرار، وتسقط اذا غضب أصحابها فيأخذوها.
لبنان محاصر من الخارج ومن الداخل بسبب خياراته الوطنية. يُطالبون بالقرار 1559 وهو يهدد وحدة لبنان وسيادته. يُطالبون بالقرار 1701 وهو ينكر حق لبنان الطبيعي بالدفاع المشروع عن النفس بكل الوسائل المتاحة. يُطالبون بالقرار 1680 وبعد إقامة العلاقات الدبلوماسية، دأبوا على مهاجمة السفير والمقاومة ويريدون إقفال الحدود مع سوريا.
يُنادون بالدولة، ويغيبون قطع الحساب والموازنة ويحرقون الدفاتر ويبنون عليها حيطان، فيبلعون المساعدات والهبات ويدّعون الاستقامة، لهم في كل عرس قرص، إنّها حكاية إبريق الزيت. يلتصقون بالسلطة ويتعيشون على الارتباط الشرطي، فيتحولون وأتباعهم الى قوارض للمال العام. يقولون أن الحكم استمرارية، هل الاستمرارية أن نبتلي بالفجار ونرفض الأبرار؟ قد بدت البغضاء من أفواههم، ويتربع العدو في صدورهم.
قبل 31/10/1992 لم يثبت سعر الصرف، ولم يستدان بالدولار، ولم تتعدى مديونية الدولة بالليرة اللبنانية 1.5 مليار د أ، ولم يكن مصرف لبنان مديناً للمصارف. فأتى الحكم المسطح الذي لم يأفل نجمه، وخيطوا قوانين ملك اليمين ومراسيم التجنيس. تحاصصوا 47 مصرفاً تجارياً في بلد قليل عددياً صغير جغرافياً، فرّخوا 1058 فرعاً حتى بداية العام 2020. وعانقوا 26 دولة بنشر 330 فرعاً فيها. حددوا سعر الصرف وتهافتوا بشكلٍ محمومٍ على الاقتراض بالدولار بفوائد متدنية 5-7%، وصرّفوا الدولار على سعر 1500، ووظفوه بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية بفوائد بونزية ناهزت الـ 40% مما رفع عجز الموازنة بالفوائد التي استنفذت 35% من إيراداتها. وشفطوا 11 مليار دولار، ومتوالية من 500 دولار.
في العام 2016 قام مصرف لبنان بهندسة أكثر من 5 مليار د أ، ذهبت الى المصارف لمساعدتها على تطبيق المعيار IFRS9. لقد ألبسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون، أكلوا أموال الناس بينهم بالباطل وأدلوا بها الى الحكام ليأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وهم يعلمون. إنهم الغاسق والنفاثات وشر ما خلق، بلعوا حتى كف العدس، خيبوا الأمل، فلا ثقة بهم.
إن ارتفاع عوائد توظيفات البنوك في مصرف لبنان تُمثل 52% من مجمل موجوداتها لغاية نهاية 2018، وارتفاع عوائد توظيفاتها على سندات الخزينة اللبنانية تمثل 12% من موجوداتها، عدا عن نيلهم فوائد 2-3% على الاحتياطي الإلزامي الذي لا يُفترض أن يكون عليه فوائد.
في آخر آذار 2020 بلغت موجودات المصارف التجارية في لبنان 208.5 مليار د أ، والودائع 149.6 مليار د أ، منها 116.69 مليار ودائع بالدولار، و 32.91 مليار بالليرة. 145.95 مليار دولار من أصولها مستثمرة في الديون السيادية وشهادات البنك المركزي، 80.27 مليار دولار منها لمصرف لبنان، وبلغت التسليفات للقطاع الخاص المقيم 40 مليار د أ، وللقطاع الخاص غير المقيم 5 مليارات د أ. ومع ذلك هبطت أسعار أسهم المصارف اللبنانية المتداولة بنسبة وصلت الى 80%، مع أن الرساميل التراكمية للمصارف 20 مليار دولار. فهل تمت مضاعفة النقود بطريقة خفية Disguised money creation؟
لماذا طلب حاكم مصرف لبنان في التعميم رقم 532 رفع رأسمال المصارف 20% تتم على مرحلتين 10% تدخل الى المصارف 2 مليار د أ مع نهاية 2019، و 10% تدخل الى المصارف 2 مليار د أ حتى نهاية النصف الأول من 2020، وعدم توزيع أرباح عام 2019.
إذا كانت البنوك تُطبق معايير بازل 3 ومعايير IFRS9. لماذا يطلب صندوق النقد الدولي في التقرير الأول لبعثته الأخيرة قبل تموز 2019 الى لبنان زيادة رؤوس الأموال الوقائية، وزيادة التغطية التأمينية على الودائع.
وبسبب الوضع المالي العام ووضع المصارف، طلب صندوق النقد من المصرف المركزي الانسحاب من العمليات التي يقوم بها مع الخزينة العامة، وعدم شراء أدوات الدين. وإذا كان حجم أرباح المصارف في 2018 2.43 مليار د أ، فلماذا وكالات التصنيف الائتماني تُخفض التصنيف الائتماني للدولة والمصارف.
نقول لأبواق هؤلاء من الخبراء الذين يطلون من جحورهم على الناس من خلال الشاشات، ومن خلال مقالاتهم وينعقون بأن من يقول أن المصارف اللبنانية هي في أزمة، وأن هناك مخاوف على الودائع، هي مقولة خارج السياق، ولا تعكس الحقيقة، نقول لهم أنتم كذابين تقبضون أجوركم من النهابين، وإن الوضع المتردي للمالية العامة سببه 27 سنة من الحكم المسطح التي أدت الى خسائر 70 مليار د أ، حسب تقديرات بلوم بيرغ.
بتاريخ 24/2/2015 أعلن وزير المال أن لبنان يُسجل واحداً من أكبر الإصدارات في تاريخه لليورو بوند بقيمة 2.2 مليار د أ. وهناك مؤشر إيجابي على الثقة بالسندات اللبنانية وقدرته على الالتزام بواجباته الدولية، ولفت الى أن الدين العام سجل 66.5 مليار د أ، واستنفدنا أكثر من 95% من القدرات المتاحة لنا، متمنيا على القوى السياسية أن تكون واعية، وأن تتوجه الى مجلس النواب لإقرار قانون يسمح بإصدار سندات قبل حزيران المقبل.
إنها من حقبة الـ 27، فالخياطين وأصحاب المساحات الفارغة في رؤوسهم وشحاذين بدونات البنزين هم لعنة الوطن، يجب إزالتهم مع أوساخهم.
تحت حجة أن الدين الداخلي لا يُشكل خطراً على البلد، وصل حجم الدين الى 95 مليار د أ، 60% بالليرة و40% بالدولار. حسب تقرير صندوق النقد في تقريره قبل تموز 2019، إن الروابط بين المصارف اللبنانية والمالية العامة للدولة من خلال شراء المصارف لسندات الخزينة اللبنانية بالليرة اللبنانية بما يوازي 17.9 مليار د أ، أيّ 34.1% من إجمالي دين الدولة بالليرة، و 15.9 مليار د أ، أيّ 51.3% من أصل 31 مليار دولار سندات يورو بوند.
لقد قدرت وكالة "فيتش" بتاريخ 9/9/2019 مُجمل التزامات المركزي لصالح المصارف الخاصة بالعملات الأجنبية بنحو 62 مليار د أ، من بينها نحو 19 مليار دولار احتياطي إلزامي مفروض على المصارف الخاصة، مما يعني أن التزامات مصرف لبنان بالعملات الصعبة زادت عن موجوداته بنحو 32.2 ميار د أ.
ووفق إحصائيات مصرف لبنان إن موجوداته بالعملات الاجنبية لم تكن تبلغ في حزيران 2019 سوى 29.8 مليار دولار، أيّ أنّه استهلك من مبلغ الـ 62 مليار ما قيمته 32.2 مليار.
أما وكالة "ستاندرد اند بورز" تقدّر أن الاحتياطي القابل للاستخدام فعلياً تراجع من 29.8 مليار د أ الى 19.15 مليار د أ.
لقد شكل الاحتياطي الصافي السلبي لمصرف لبنان سبباً رئيسياً لتخفيض التصنيف الائتماني.
ما يملكه مصرف لبنان من موجودات هو ديون متوجبة عليه للمصارف فوفق تقديرات بعثة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتقييم القطاع المالي في لبنان، كان الاحتياطي الصافي الخاص بمصرف لبنان سلبياً بنحو 4.7 مليار د أ في عام 2015.
لقد خرج 20 مليار د أ في الليل بشكل متخفي على سعر 1510 إنه تخريب للاقتصاد عمداً متعمداً لم يخرجوا بشروط السوق وبشروط (الدولة)، كان يجب تخفيض سعر الليرة أو رفع سعر الدولار الى نقطتهم الحقيقية بـ 80%، إنه عمل سيءٌ يجب المحاسبة عليه.
اليوم نضبت السيولة بالعملات الأجنبية من المصارف والدولة. ومصرف لبنان مدين للمصارف بالدولار فقط 85-90 مليار د أ، لم يبقى منهم إلا 30 مليار د أ لدى المصرف المركزي، وبلغت حصته من الدين العام بالليرة 55% من مجموع هذا الدين و12% من الدين باليوروبوند.
مصرف لبنان أغمض عينيه وتخلى عن سعر صرف الليرة في السوق لأنه أفلس بالدولار، والخزينة أفلست بالدولار عندما تخلفت عن دفع اليورو بوند. المصارف أفلست بالدولار عندما تمنعت عن التحويل ودفع الودائع بالدولار. مصرف لبنان والمصارف يطفئون خسائرهم عن طريق الطبع وتسديد الودائع بالدولار على سعر 3850 ل ل للدولار. لقد أفلسنا بالدولار، فإلى متى يمكن للمركزي الاستفادة من الودائع بالعملة الأجنبية.
لماذا يريدون صندوق النقد الدولي إذا كان لبنان مشارك بحصة 0.87 مليار د أ، فيكون الحد الأقصى للاقتراض 3 أضعاف هذه المشاركة، أي 2.61 مليار د أ، يأخذونها على عدة سنوات، وتخضع هذه التسهيلات لسعر الفائدة السائد في السوق؟ لأن المفلس لا يمكن أن يكون وكيل تفليسته ولأنهم يريدون شهادة مفلس محترم.
النقود لها قيمة إسمية قانونية، وقيمة حقيقية هي قيمة مبادلة وحدة النقد بالسلع والخدمات، وقيمة خارجية هي معادلة وحدة النقد بوحدات النقد الأجنبي (سعر الصرف). فالعوامل المؤثرة في قيمة النقد هي كمية النقد وحجم الطلب الكلي وحجم الإنفاق الكلي. فالصورة النقدية للاقتصاد هي في المعادلات التالية M.V=P.Q و M=K.P.Y وتعبران عن علاقة ميكانيكية بين التغير في كمية النقود والتغير في مستوى الأسعار، إنها علاقة تناسبية، فإذا زادت كمية النقود 50% تزيد الأسعار 50%. يبقى الاحتكار وأثره على قيمة النقود لأن الطلب غير مرن بسبب عدم وجود بدائل. والاكتناز في صورة أرصدة نقدية عاطلة عن الدخول في العمل الإنتاجي، فيزداد الركود الاقتصادي وتلجأ الحكومة الى طبع كميات جديدة من النقود وطرحها للتداول، مما يؤدي الى زيادة الطلب الفعلي عن الإنتاج فيحدث التضخم. اليوم أصبح الدولار مخزن للقيمة، والليرة تراجعت الى نقتطها الحقيقية، وقضوا على الطبقة المتوسطة التي علاقتها بالاقتصاد علاقة طردية.
لذلك، نُطالب بالنقاط الأساسية للتغلب على الوضع الحالي:
-
وفاق سياسي.
-
استقرار أمني.
-
برنامج اقتصادي يحمي الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويُراعي نواحيهم الاجتماعية، ويحقق نسبة إدخار أكثر من 30% من الناتج القومي الإجمالي.
-
سياسة نقدية تحقق التنافسية.
-
الزيادة في التنمية (طريقة التوزيع) قبل النمو (تكبير حجم الكعكة).
-
التدقيق العدلي والتدقيق الإداري الدائم للمصرف المركزي وزارة المالية والخزينة.
-
مراعاة حجم الديون وأعبائها من الناتج المحلي.
منذ 31/10/1992 ولغاية 2005 لا كان ميشال عون رئيس ولا كان حزب الله والتيار العوني مع قوارض المال العام. كان بوقتها لَمّ الشمل على الفساد وسرقة المال العام وكان الحياد عن المحاسبة والنزاهة والشفافية. وللعلم فقط بـ 21/01/2020 بدأت لعبة الليخة، عملت الحكومة السابقة WINDOW DRESSING للموازنة، ودقت مسمار بدماغ الحكومة الحالية. إن ما صنعوا كيد ساحر ولا يُفلح الساحر حيث أتى، إن المقاومة ستلقف ما يأفكون.