أكدت التطورات الأخيرة التي رافقت حملات مكافحة الفساد ومناقشة الموازنة أن المتصدّين لعملية الإصلاح المنتظر كثر، على الرغم من دراية الكثيرين أنه لم يعد أمام لبنان إلا سلوك هذه الطريق للنهوض بالاقتصاد.
فالواقع الاقتصادي اليوم لم يعد يحتمل التمسك بحقوق أضحت موضع جدل، فعلى قطار الإصلاح أن ينطلق ويستأصل ما يسبب النزف في الخزينة العامة. ومن الضروري اليوم على الدولة ألا تتلهى بمعارك جانبية تلهيها عن معركة أساسية تنقذ البلاد. ففي حين يؤكد معظم الخبراء أن لبنان بعيد عن الانهيار، يقرون بوجود أزمة تستوعب التحرك في وقت سريع قبل تفاقمها. وفيما يتوقع أن تتابع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تدهورها، إذ لفت رئيس جمعية قرارات دال حتي أن تلامس نسبة البطالة الـ 50% في المستقبل القريب.
واعتبر أن “أزمة قروض الإسكان ألقت بتداعيات دراماتيكية على العديد من القطاعات الاقتصادية، وتسببت بفقدان العديد من فرص العمل”.
ولفت إلى أن “انكماش السيولة في الاقتصاد اللبناني ساهم إلى حد كبير في تفاقم أزمة البطالة، فتراجع تحويلات المغتربين وضعف حركة الإقراض من المصارف أديا إلى جمود اقتصادي مخيف، فاقم تداعياته الأداء السيء لوسائل الإعلام التي هوّلت بانهيار الاقتصاد، الأمر الذي سينعكس سلباً على حركة الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة”.
بإمكان الدولة فعل الكثير
واكد حتي أن “مسببات البطالة في لبنان معقّدة نوعاً ما، ففيما يتخرج سنوياً 32 ألف طالب جامعي، لا تستوعب سوق العمل سوى 10 و12 ألف طالي، ما يعني أن هناك 10 آلاف شخص ينضمون إلى قائمة العاطلين من العمل، يضاف إليهم الأشخاص الذين يدرسون في الخارج ويعودون إلى لبنان والأشخاص الذين تسربوا من التعليم”.
واعتبر أن “ما فاقم من مشكلة البطالة هي المزاحمة التي تشهدها اليد العاملة اللبنانية في الدول الخارجية ولا سيما الخليج، حيث حلّت جنسيات أخرى مكانها في وقت لا تملك الدولة أي سياسات لإنقاذ الوضع”.
واعتبر أنه “بإمكان الدولة فعل الكثير، إذ إن البطالة تتأتى بشكل أساسي عن سوء اختيار الاختصاص، حيث يتوجه الطلاب نحو اختصاصات لا فرص عمل لها في السوق اللبنانية. كما يملك اللبنانيون
نظرة دونية إلى التعليم المهني تبعد الطلاب عن الاختصاصات المهنية علماً أنها حياة الأوطان (الميكانيك، التدفئة، التلحيم..)، فكانت النتيجة أن اتت يد عاملة غير لبنانية واستغلت هذه الثغرة، فحصلت على فرصة عمل في لبنان”.
فرص عمل بالآلاف
وإذ كشف حتي أن عدد العاطلين من العمل في لبنان يقارب 660 ألف شخص تقريباً، حوالى 63% من القوى العاملة المنتجة، اعتبر أن “هذا الرقم خطير جداً بالنسبة إلى لبنان”.
وفي حين لفت إلى أن “أزمة النزوح السوري في لبنان فاقمت من مشكلة البطالة”، شدّد على أن “هناك مستقبلاً واعداً بالنسبة إلى توفير فرص العمل في لبنان وذلك من جراء مؤتمر سيدر ومرحلة إعادة إعمار سورية المرتقبة”.
وحذر حتي اللبنانيين من أن توفر فرص العمل لا يعني أنهم سيحصلون عليها، إذ إنهم لا يزالون حتى هذه اللحظة يهرعون نحو الوظائف الإدارية والهندسة والطب وغيرها فيما المطلوب اليوم هو غير ذلك”. وقال: “على سبيل المثال: لبنان موعود بأن يتحول إلى بلد نفطي. وإذا كنا نحتاج بعض المهندسين، فهناك حاجة إلى آلاف العمال. وبالتالي يجدر بنا السؤال: كم شخصاً في لبنان يستطيع تلحيم الأنابيب تحت المياه؟ اعتقد أنه لا أحد.”
ودعا إلى معالجة أزمة البطالة سريعا، ونشر الوعي بين المواطنين حول أهمية بعض القطاعات الاقتصادية ولا سيما الإنتاجية، وذلك نظراً إلى ما تحمله البطالة من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية لم تعد خافية على أحد، وقد تهدد لبنان بأكمله.