الهندسة المالية والتطورات السياسية الإيجابية حسّنا أداء القطاع
مصارف لبنان تكسب تقدير المؤسسات العالمية
عرف النشاط المصرفي في العام 2016 شيئاً من التحسن ولم يسجّل، كما حصل في العامين السابقين، مزيداً من التباطؤ ليعود بذلك الى مستويات النمو المحققة في فترة 2011 – 2013، متأثراً اولاً بالهندسة المالية الأخيرة التي قام بها مصرف لبنان، وثانياً بتحسّن الأوضاع السياسية الداخلية، ولا سيما لجهة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بعد فراغ دام حوالى عامين ونصف العام والسعي الى تفعيل العمل المؤسساتي من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تمنح المستهلك والمستثمر مزيداً من الثقة.
وبقيت مناعة القطاع المصرفي قوية وتجلّت من خلال مؤشرات عدة، ما جعله في وضعية مريحة لتلبية احتياجات الزبائن مع الحفاظ على هامش جيد من السيولة المصرفية. وتكمن نقاط قوة هذا القطاع في اعتماده على ثقة المستثمرين والمودعين المقيمين وغير المقيمين بجودة القطاع وصلابته، من جهة، وعلى الميزات التفاضلية التي يتمتع بها جراء سياسته المحافظة والخبرة العميقة ازاء التحديات التي تواجهه، من جهة أخرى. ففي جميع الحقبات، ولا سيما حقبة الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية، حافظ القطاع المصرفي على ثقة العملاء الراسخة مكتسباً تقدير المؤسسات المالية والمصرفية العالمية.
وفي نهاية العام 2016، وصل إجمالي موجودات المصارف التجارية العاملة في لبنان الى ما يوازي 307999 مليار ليرة (ما يعادل 204,3 مليارات دولار) مقابل 280379 مليار ليرة (ما يعادل 186,0 مليار دولار) في نهاية العام 2015. وعليه، تكون هذه الموجودات قد ازدادت بنسبة 9,9% في العام 2016 مقابل زيادة أدنى نسبتها 5,9% في العام الذي سبق. ويعزى التحسّن في العام 2016 بوجه خاص الى عمليات المقايضة الأخيرة لمصرف لبنان.
الودائع .. مورد أساسي
وتبقى الودائع الإجمالية المورد الأساسي لنشاط المصارف التجارية العاملة في لبنان، إذ شكّلت 81,5% من إجمالي المطلوبات في نهاية العام 2016 (83,3% في نهاية العام 2015) محافظة على الحصة الراجحة من جانب المطلوبات. والى الودائع، تضيف المصارف مواردها الذاتية المتمثلة بالأموال الخاصة وموارد أخرى من السوق عند الحاجة. اذاً يعتمد توسّع إجمالي موجودات المصارف التجارية العاملة في لبنان الى حد كبير على نمو ودائع القطاع الخاص المقيم وغير المقيم، والذي يغذّيه تدفّق الأموال من الخارج وحركة التسليف للإقتصاد بقطاعيه العام والخاص. وتحاول المصارف زيادة مواردها المتوسطة والطولة الأجل من خلال إصدار شهادات ايداع واسهم تفضيلية وسندات دين مرؤوسة وتأمين خطوط إئتمان من مؤسسات ومنظمات وصناديق عربية وعالمية. الا ان مجمل الموارد خارج الودائع والأموال الخاصة ما زالت متواضعة وتحتاج الى تطوير اسواق رأس المال.
ودائع القطاع الخاص
وفي نهاية العام 2016، وصلت قاعدة الودائع، والتي تشمل ودائع القطاع الخاص المقيم وغير المقيم وودائع بعض مؤسسات القطاع العام، الى 250918 مليار ليرة (ما يعادل 166,4 مليار دولار) مقابل 233589 مليار ليرة (ما يعادل 154,95 مليار دولار) في نهاية العام 2015. بذلك، تكون هذه الودائع قد ازدادت بنسبة 7,4 في العام 2016 مقابل زيادة ادنى مقدارها 5% في العام 2015. ويعزى هذا التحسّن بوجه خاص الى قيام المصارف بجهود كبيرة ونجاحها في اجتذاب ودائع جديدة من الخارج في إطار الهندسة المالية الأخيرة لمصرف لبنان. ومن المعلوم، ان القطاع المصرفي يستقطب بشكل فاعل الودائع من الخارج في اشارة الى اهمية دور الإغتراب على هذا الصعيد، بحيث تشكّل حركة تدفّق الرساميل والإستثمارات من المغتربين العاملين في الخارج دعامة اساسية للقطاع المصرفي وللإقتصاد ككل، إضافة الى البعد الإجتماعي للدعم المادي للأسر اللبنانية.
في نهاية كانون الأول، بلغت حصة ودائع القطاع الخاص المقيم 77,2% من اجمالي الودائع وحصة القطاع الخاص غير المقيم 20,4% وتلك العائدة للقطاع العام 2,4%. وتجدر الإشارة الى ان الودائع تتضمّن شهادات الإيداع التي تصدرها المصارف، وقد بلغت قيمة هذه الشهادات 500 مليون دولار في نهاية العام 2016 شأنها في نهاية العام 2015. وتتميّز الودائع المصرفية بكون غالبيتها حسابات ادخار (أكثر من 80%) وقصيرة الأجل (أقل من 90 يوماً). ومرة اخرى، نجم نمو الودائع في العام 2016 بوجه خاص عن زيادة ودائع المقيمين والتي استأثرت بحوالي 76,6% منه شأنها في العام 2015. على صعيد آخر، توزّعت الودائع الإجمالية بين 35,7% بالليرة اللبنانية و64,3% بالعملات الأجنبية في نهاية العام 2016 (36,5% و 63,5% تباعاً في نهاية العام 2015). وارتفعت قليلاً نسبة دولرة ودائع القطاع الخاص الى 65,8% في نهاية العام 2016 مقابل 64,9% في نهاية العام 2015.
من جهة أخرى، تتركّز الودائع المصرفية في مدينة بيروت وضواحيها، إذ استقطبت هذه المنطقة حوالى 68,7% من الودائع الإجمالية في مهاية حزيران 2016 موزّعة على 48,1% من العدد الإجمالي للمودعين، في حين تعود نسبة 31,3% من الودائع الى المناطق الأخرى وتتوزّع على 51,9% من مجموع المودعين، ما يدل على اختلاف متوسط الوديعة بين بيروت وضواحيها والمناطق الأخرى.
توظيفات القطاع المصرفي
حصلت بعض التغيرات في بنية توظيفات المصارف التجارية عند مقارنة المعطيات في نهاية العام 2016 قياساً عل نهاية العام 2014. فقد تابعت حصة الودائع لدى مصرف لبنان منحى الإرتفاع لتصل الى 43,7% من إجمالي التوظيفات في نهاية العام 2016 مقابل 36,1% في نهاية العام 2014. في المقابل، تابعت حصة التسليفات للقطاع العام تراجعها لتصل الى 17,0% في نهاية العام 2016 مقابل 21,3% في نهاية العام 2014، واستمرّت حصة الموجودات الخارجية في التراجع لتصل الى 11,3% مقابل 13,8% وذلك في نهاية التاريجين المذكورين على التوالي. كذلك تراجعت قليلاً حصة التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص المقيم من 25,8% في نهاية العام 2014 الى 25,0% في نهاية العام 2016.
تسليفات القطاع الخاص
واصلت التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم ارتفاعاً في العام 2016 لتبلغ 86198 مليار ليرة في نهاية كانون الأول 2016 مقابل ما يقارب 81744 مليار ليرة في نهاية العام 2015. غير أن معدّل ارتفاعها آخذ في التباطؤ عموماً منذ 5 سنوات، عاكساً مستوى النمو الإقتصادي الضعيف في لبنان، وقد بلغ 5,4% في العام 2016 مقابل 6,5% في العام 2015، لكن معدل نمو هذه التسليفات يبقى جيداً ومقبولاً في ظل بطء الحركة الإقتصادية في البلد وحالة عدم الإستقرار في المنطقة. وقد شكّلت التسليفات للقطاع الخاص غير المقيم، والتي تتعلّق في جزء كبير منها بتمويل مشاريع لرجال اعمال لبنانيين في الخارج، ولا سيما في الدول العربية والافريقية، 10,7% من إجمالي التسليفات للقطاع الخاص في نهاية العام 2016 مقابل 11,4% في نهاية العام 2015.
وهكذا تستمر المصارف في تمويل القطاع الخاص المقيم وغير المقيم، أفراداً ومؤسسات، بكلفة مقبولة تراوح بين 7 – 8% في المتوسط بالليرة والعملات الأجنبية، ولآجال تتلاءم مع طبيعة الأنشطة المطلوب تمويلها. وقد قاربت التسليفات للقطاع الخاص المقيم ما يوازي 101% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2016. وتعتبر هذه النسبة مرتفعة مقارنة مع مثيلاتها في العديد من الدول الناشئة. وعلى سبيل المثال، بلغت هذه النسبة 69% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أما المستوى المرتفع نسبياً لهذا المعدّل في لبنان فيمكن تفسيره، من جهة، بضخامة الطلب الخاص المموّل في جزء كبير منه من قبل المصارف لصالح الأفراد والمؤسسات، وذلك من أجل الاستثمار وبخاصة الاستهلاك، من جهة أخرى، بضعف رسملة قطاع المؤسسات وطاقة هذه الأخيرة على التمويل الذاتي ولجوئها الكثيف الى التمويل المصرفي بعيداً من سوقي الأسهم وسندات دين بين الشركات التي يفتقر اليها لبنان.
من ناحية أخرى، انخفضت نسبة التسليفات بالعملات الأجنبية قياساً على الودائع بهذه العملات لتصل الى 38,8% في نهاية كانون الأول 2016 مقابل 41,3% في نهاية كانون الأول 2015، فيما استمرّت نسبة التسليفات بالليرة في الإرتفاع لتصل الى حوالى 28,2% في نهاية العام 2016 مقابل 25,6% في نهاية العام 2015. وتبقى نسبة التسليفات الى الودائع منخفضة في لبنان، في اشارة الى معدلات السيولة المرتفعة التي يتمتع بها القطاع المصرفي اللبناني والى حجم الادخار الوطني (مقيم وغير مقيم) المرتفع بالنسبة الى القدرة الإستيعابية للإقتصاد الوطني.
ومع ارتفاع التسليفات بالليرة بنسبة 14,7% في العام 2016 وبنسبة 9,7% في العام 2015، اي بوتيرة أسرع من نسبة ارتفاع التسليفات بالعملات الأجنبية التي بلغت 2,3% و 5,5% في العامين المذكورين على التوالي، سجل تراجع اضافي لمعدل دولرة التسليفات ليصل الى 72,6% في نهاية العام 2016 مقابل 74,8% في نهاية العام 2015.
توزّع التسليفات
وعلى صعيد توزع التسليفات على القطاعات الإقتصادية، فإنه يتوافق بصورة عامة مع مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي، اذا ما استثنينا القطاع الزراعي الذي يحتاج الى آليات تمويل متخصصة كما هي الحال في معظم دول العالم، المتطورة منها والناشئة.
ويستمر تركز التسليفات في قطاع التجارة والخدمات على الرغم من التراجع المستمر لحصة هذا القطاع، والتي انخفضت الى 32,4% من إجمالي التسليفات في نهاية العام 2016 من 34,0 في نهاية العام 2014، كما تراجعت حصة الصناعة الى 9,8% من 10,8% في نهاية التاريخين المذكورين على التوالي. في المقابل، ارتفعت حصة البناء والمقاولات الى 18,0% في نهاية العام 2016 من 16,7% في نهاية العام 2014، كما واصلت حصة الأفراد أو القروض الشخصية ارتفاعها الى 30,6% في نهاية العام 2016، مع ارتفاع حصة القروض السكنية التي تدخل ضمنها الى 18,6%، فيما شهدت حصة القطاعات الأخرى تقلبات طفيفة صعوداً او نزولاً.
ويظهر توزع هذه التسليفات على المناطق والمستفيدين تركّزها الواضح في منطقة بيروت وضواحيها ولمصلحة ساكنيها، مع تسجيل تراجع بطيء وتدريجي في الوقت في حصة هذه المنطقة لتصل الى 7,6% من اجمالي التسليفات و 54,1% من مجموع المستفيدين في نهاية ايلول 2016. ويعتبر هذا التركز منسجماً مع تركز النشاط الإقتصادي وتركّز السكان ومستوى المداخيل في العاصمة والضواحي.
الأداء المصرفي
في العام 2016، بلغت الأرباح الصافية المجمعة للمصارف العاملة في لبنان 2864 مليار ليرة (1900 مليون دولار) مقابل 2811 مليار ليرة (1865 مليون دولار) في العام 2015، اي بزيادة طفيفة نسبتها 1,9%، مقابل زيادة نسبتها 8,6% في العام 2015. وعيه، تراجع قليلاً كل من العائد على متوسط الموجودات الى 0,95% في العام 2016 مقابل 1,01 في العام الذي سبق، والعائد على متوسط حقوق المساهمين الى 10,83% من 11,51% على التوالي.
وارتفعت نسبة الكلفة الى المردود 53,3% في العام 2016 من 49,5% في العام 2015. فقد ارتفعت الكلفة المتضمّنة مجموع اعباء المستخدمين والأعباء الإدارية والعمومية والتشغيلية الأخرى بنسبة 29,2% في حين ارتفع الناتج المالي الصافي بوتيرة ادنى (19,9%)، والمتضمن صافي الفوائد المقبوضة وصافي العمولات والإيرادات الأخرى. وقد تراجع صافي المؤونات على الديون المشكوك بتحصيلها في العام 2016 قياساً على ما بلغه في العام 2015 لعدم اضطرار المصارف الى تكوين مؤونات إضافية تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والمحلية والمخاطر التي تطاول زبائنها في الدول المجاورة.