الحروب مدخل لإعادة ترتيب الخارطة الجيوسياسية للمنطقة
خطوات استراتيجية للقوى الكبرى في أفريقيا
توحي الأدلة الظاهرية بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما ربما يقترب من الاشتراك مع الفرنسيين في مواجهة الصينيين في أفريقيا.
وبحسب مصادر خاصة في الحكومة الفرنسية، فقد أوضح الرئيس أوباما في مستهل رئاسته لكل من قادة فرنسا وبريطانيا بأنه سيعهد بحماية الدول الأفريقية المضطربة إليهم، بينما يصُب هو تركيزه على العلاقات بين بلاده والصين. وقد يكون ذلك بسبب إدراك أوباما أن أفريقيا أصبحت بمثابة فناء خلفي للصين.
وكتب أوباما في رسالة وجهها إلى الكونغرس يقول: " قد أُقدم على مزيد من الخطوات مستقبلاً لضمان حماية مواطني الولايات المتحدة، والعاملين في أفريقيا، والمنشآت، بما فيها سفارتنا في جنوب السودان". وأشار في رسالته أيضا إلى نشر قوات أميركية تضم 46 رجلاً لإخلاء الرعايا الأميركيين الموجودين في المنطقة.
ويشكل الاقتتال الداخلي القبلي في أحدث دولة في العالم، والتي حازت على استقلالها في عام 2011، وهي جنوب السودان، فرصة لإعادة ترتيب الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يستحق الأمر كل ذلك؟
نحن لسنا في ثمانينات القرن العشرين. فأميركا الشمالية أصبحت تقريباً معتمدة على نفسها كلياً من حيث إنتاجها للطاقة، لذلك فإن قيامها بحماية مصادر الطاقة المحتملة حول العالم لم يعد عاملاً محفزاً لها. وتماماً كما هي حال سوريا التي عهد بها إلى الروس في نهاية المطاف للاحتفاظ بها، فإن دولاً مثل جنوب السودان أصبحت لا تتجاوز ورقة مساومة جيوسياسية بالنسبة إلى واشنطن.
وإذا سلمنا بهذا، فإن حافزا كبيرا يدفع الولايات المتحدة للتنافس مع الصين بشأن الدول الجديدة الراغبة بالاستفادة من الخبرات الدفاعية. إلا أن ما قد يدعم خروج أميركا من العالم الثالث هذه الأيام يتمثل بوجود قوى عظمى أخرى في الميدان، مثل الصين وروسيا تقدم شيئا له قيمة مقابل قيام الولايات المتحدة أخيرا بالمغادرة. وهو الأمر الذي يروق للصين، في حالة جنوب السودان.
كنز نفطي
وتوصف المنطقة بأنها غنية بالنفط، كما تعتمد كلية تقريبا على صادرات النفط لتنمية اقتصادها. وفي الحقيقة، تملك الصين معظم نفط جنوب السودان تقريبا. وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد تم تصدير نحو 80 %، من نفط السودان وجنوب السودان إلى الصين عام 2012، ولم تحصل الدول الغربية على أي شيء منه.
وإذا كان 99 %، من عوائد جنوب السودان تأتي من النفط، فإن الصين تمتلك البلاد بصورة حرفية. وتمتلك الصين من مجموع اتحاد شركات النفط السودانية، نحو 40 %، من شركة النيل الكبرى للبترول، و41 %، من شركة دار النفط. وتصف شركة النيل للبترول والتي تمثل نسبة 42%، من إنتاج اتحاد شركات النفط، نفسها بأنها "الذراع التجارية لوزارة جنوب السودان للنفط والتعدين".
إلا أن تسريبات منسوبة الى ويكيليكس عام 2006، عن معلومات بعثت بها السفارة الأميركية في الخرطوم إلى وزارة الخارجية الأميركية أظهرت حجم الاستثمارات الكبيرة للصين في شركة "نايل بيت"، التابعة لمجموعة "شنشي يان شانغ للنفط". وتمثل المجوعة شراكة بين حكومة إقليم شنشي وشركة :يان شانغ" المساهمة المحدودة، المتمركزة في هونغ كونغ.
ووقعت شركة "نايل بت"، اتفاقية مع مجموعة شنشي في نوفمبر عام 2005. وتُعد الصين دراسة جدوى لتصميم وبناء وتشغيل مصفاة للبترول في الجنوب، تتخصص بإنتاج الغاز الطبيعي المسال.
استراتيجية الصين
أعلنت وكالة أخبار جنوب السودان عام 2011 أن الصين كانت تتبرع بمبلغ 25.6 مليون دولار أميركي "لدعم مشاريع زراعية وتعليمية وصحية ومشاريع لتزود المياه". وهو ذات العام الذي أعلنت فيه صحافة جنوب السودان أن الحزب الشيوعي في الصين زود حزب حركة التحرير الشعبي الحاكم بـ120 جهاز كمبيوتر، و20 طابعة، والذي رد على ذلك بالإشارة إلى تقديم الصين برامج تدريبية للحزب في الصين".
وفي عام 2011 أعلنت الصين إقراضها جنوب السودان 158 مليون دولار أميركي، مقابل تطوير شركة "تشاينا هاربر" الهندسية مطار جوبا.
وفي نظرة كلية على المشهد، فإن النفوذ الصيني قد يجعل من جنوب السودان هدفا بعيد المنال بالنسبة للدول الغربية. إلا أن الغرب استطاع أن يجد لنفسه موطئ قدم هناك مستترا بعباءة الأمن والمساعدات الإنسانية. وما يصب في مصلحة الغرب أيضا هو وقوع اشتباكات بين المتشددين في جمهورية أفريقيا الوسطى الذين تقود فرنسا حملة ضدهم بدعوى حماية المسيحيين بالقرب من جنوب السودان.
مواجهة الحقائق
هناك دوافع اقتصادية كامنة وراء الجهود الرامية إلى تهدئة الاضطرابات الدينية والقبلية في الدول الأفريقية. ولا بد من وجود دوافع للأمر، فلا سبب آخر يدفع دولة مثل فرنسا الى الاستثمار بشكل كبير في مكان بعيد عنها. أوروبا تحتاج النفط، وكذلك الصين. وهنا يكمن السبب وراء انغماس الجانبين في الصراعات الأفريقية، بالرغم من اختلاف استراتيجيتهما.
وفي حين تنتظر أوروبا فرصة هناك كي تتدخل بدعوى المساعدات الإنسانية والأمن، تشق الصين طريقها عبر الاستثمار.
ولن تكترث أميركا المكتفية من حيث الطاقة لكل هذه المخاوف الواقعية، إلا في حال أرادت تأمين منصة مستقبلية لشركات الصناعات العسكرية الخاصة بها، أو أرادت امتلاك ورقة تفاوضية تلعبها ضد الصين في مسرح الأحداث العالمية.
استراتيجية صينية تشجع نمو التجارة عبر الإبتكار
أعلنت الصين عن استراتيجية جديدة، تقوم على تشجيع الابتكار في العمليات التجارية لحفز التجارة والنمو.
ودعا نائب رئيس مجلس الدولة الصيني وانغ يانغ إلى المزيد من الجهود الحثيثة في مجالات مثل التخليص الجمركي، لرفع كفاءة العمل. وقال يانغ إنه يجب على الصين دعم إعادة هيكلة الصادرات والواردات، للمساعدة على تحول وتحديث الصناعة في إطار جهودها، للحصول على مميزات جديدة في التجارة الخارجية.
وكانت الصين قد جعلت من ييوو تجربة في 2011، للبدء في إصلاح تجاري دولي شامل في محاولة لتحويل المدينة من مركز للإمداد بالبضائع إلى محور لتوفير خدمات شاملة للأعمال. وقال يانغ إن التجارة الخارجية للصين حققت تنمية سريعة ومطردة في 2013، الأمر الذي لم يكن من السهل تحقيقه نظراً الى الأوضاع الدولية المتقلبة.
لكن لا تزال المشكلات العالقة موجودة، في ظل وجود الهيكل التجاري غير المناسب والمستوى المنخفض للعلم والتكنولوجيا في الإنتاج وضعف الكفاءة. وهناك بعض الشركات الكبيرة لكنها تفتقر إلى التنافسية وآفاق النمو المستقر.