دول الربيع العربي ستفقد 800 بليون دولار سنة 2014
قدم مصرف هونغ كونغ وشنغهاي «إتش إس بي سي» معطيات حول دول «الربيع العربي»، تفيد بأنها ستفقد أكثر من 800 بليون دولار في نهاية سنة 2014، مشيراً إلى صعوبة عودة معدلات النمو إلى الاستقرار في المدى القريب، وهو ما سيلحق خسائر كبيرة باقتصاديات هذه الدول.
وأوضح التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع الأكثر تضرّراً خصوصاً تونس ومصر وليبيا وسوريا والأردن سيكون في نهاية سنة 2014، أقل بنسبة 35 % ما كان سيسجله لو لم تحدث تلك الانتفاضات في 2011، وارجع التقرير ذلك إلى العجز الكبير في الميزانيات على غرار تونس التي بلغ عجز ميزانيتها لسنة 2013 7.4 %، إلى جانب تراجع دور الحكومات وتوتر الوضع الأمني وتجاوز القانون، الأمر الذي اثر على الاستثمار والمستثمرين.
وأشار آخر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن اقتصادات أغلب دول الربيع العربي ستبدأ بالعودة إلى التعافي ابتداء من السنة المقبلة، وأن عودة الاستقرار السياسي جزئياً سيسمح بتعزيز صادرات كل من مصر والأردن والمغرب وليبيا وتونس واليمن، وهو ما بعث بعض الإشارات الايجابية لهذه الدول، فإن تقرير مصرف «إتش إس بي سي» توقع ان يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط في حدود 4.2 % خلال السنة الجارية، مع الإشارة إلى أن إمكانية تعويض الخسائر عملية ممكنة لكنها لن تكون سهلة.
لقد عاشت كل من ليبيا ومصر وتونس أوضاعاً صعبة اتسمت بالاضطرابات السياسية، كما طغت عليها الانفلاتات الأمنية وتنامي موجة الاغتيالات، ما كان له بالغ الأثر على ضبابية الرؤية في هذه الدول خاصة تونس التي تأثرت اغلب قطاعاتها الحيوية وتراجع أداء اقتصادها، ما جعلها تمر بأزمة اقتصادية حادة كان لها دور كبير في تعميق الهوة الاجتماعية بين الحكومات المتتالية والمواطن، وهو ما شرّع لتفاقم ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي الذي أصبح يمثل نحو 50%. من رقم معاملات السوق التونسية، حيث تدخل يومياً عبر الحدود مع ليبيا والجزائر بطرق غير شرعية آلاف الأطنان من السلع المختلفة يجري بيعها على نواصي الطرقات، وأمام المحال التجارية المنظمة والقانونية، وفي الأسواق الأسبوعية، ما تسبب في كساد القطاع المنظم وفي تراجع المداخيل الجبائية للدولة التي لا تستفيد من شيء من هذه البضائع التي لا تمر على الأجهزة الجمركية، وهي نشاطات تقتسمها تونس مع غالبية دول الربيع العربي وأساساً ليبيا ومصر، بسبب الانفلاتات الأمنية.
كذلك تأثرت غالبية دول الربيع العربي بتراجع إقبال السياح، بسبب الأوضاع السياسية المهزوزة والتهديدات الإرهابية، ما جعل المداخيل المتأتية من هذا القطاع الحيوي تتراجع بدورها، فضلاً عن الانعكاسات الاجتماعية الأخرى.
ولعل تونس تأثرت من الجهتين حيث أدت انعكاسات الثورة إلى تراجع اغلب قطاعاتها الحيوية، وفي المقابل تأثرت بالأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلدان الأوروبية في السنوات الأخيرة والتي اتسمت بتراجع الاستهلاك في القارة الأوروبية، ما أثر في صادرات تونس نحو هذه البلدان خاصة في قطاعات كوابل السيارات والنسيج والأحذية، علماً بأن مبادلات تونس مع بلدان الاتحاد الأوروبي تمثل نحو 80 في المائة من رقم معاملاتها مع الخارج.
من جهة أخرى ذكر تقرير المصرف الأسيوي القابض أن تأثير التداعيات الاقتصادية للتحولات السياسية العربية سواءً تعلق الأمر بتونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو سوريا، انعكست سلباً على شعوب هذه الدول، فتوقفت العديد من النشاطات الاقتصادية وفُقدت مداخيل مهمة خاصة في القطاع السياحي والاستثمارات الأجنبية.
ولتجاوز هذه الصعوبات دعا تقرير «إتش إس بي سي» إلى ضرورة التعجيل بحسم الأمور السياسية، التي ستكون سبباً في العودة التدريجية الى الاستقرار الاقتصادي، وتمهد في الوقت ذاته الطريق لانجاز تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي وبرامجه، والاستثمارات لمختلف النشاطات الاقتصادية مع التركيز في صورة خاصة على خلق مواطن الشغل وتعزيز الضمانات الاجتماعية.
وتشكل ليبيا، الاستثناء في عملية التعافي المتباطئ، بفضل ثروتها النفطية حيث عادت الصادرات النفطية في ليبيا إلى سابق عهدها قبل الحرب الأهلية، أسرع مما كان متوقعاً، فإنها أيضاً لم تسلم من التنبيهات المتواصلة إلى ضرورة الاستقرار الأمني، الذي سينعكس بالإيجاب على بقية دول الربيع العربي وخاصة تونس ومصر.