نتفاءل بالخير .. لنجده
قبل عامين تحديداً، ومع إقفال معبر نصيب الحدودي سيطر التشاؤم على مختلف أرجاء القطاع الصناعي الغذائي إذ كان من المتوقع أن يدخل القطاع في مرحلة صعبة نتيجة عدم قدرته على تصريف إنتاجه في ظل مجموعة من التحديات كانت عقيمة على الإصلاح طيلة سنوات طوال.
عامان مرّا، وها هي "الصناعة والإقتصاد" تعد ملفاً آخر حول الصناعات الغذائية، لتصطدم بواقع مدهش مفاده أن كثراً من الصناعيين عمدوا الى توسيع مصانعهم وضخ استثمارات جديدة، اعتقاداً منهم أن السوق تشهد انخفاضات وارتفاعات، ولا بد في زمن الانخفاض من التجهيز ليكونوا على أهبة الاستعداد لإلتقاط الفرص في الوقت المناسب.
الخبر المفرح هذا، يرافقه تفاؤل شامل في مختلف أرجاء القطاع إذ لا تزال مفاعيل انتخاب رئيس الجمهورية وتغيّر التوجّه في التعاطي مع القطاع الصناعي تبث مشاعر الاطمئنان لدى القيمين على القطاع.
أمامنا مستقبل، من المؤكد أن الصناعات الغذائية ستبقى سفيرة لبنان الى الخارج كما يحلو للبعض وصفها، فإنتاج الصناعيين اللبنانيين يطوف، وبحسب مدير عام بيماتيك" خالد بكري، في كل أرجاء الدنيا.
نعم، إنهم يستحقون وساماً، كما يعتقد عميد الصناعيين الغذائيين جورج نصراوي. فهم مثابرون، شجعان، صبورون، يعشقون عملهم، متمسكون بوطنهم ومعه على السراء والضراء.
هم طموحون، وليس أي طموح بل طموح عالمي يجعلهم يفكرون بأسواق الصين التي اعتقد أنها لن تكون عصية عليهم، فهم عرفوا الطريق الى الأسواق الخارجية منذ زمن طويل، والتزموا بكل متطلباتها، وسعوا بقوة كي تسير عليها مؤسساتهم.
هم اذكياء، ففي ظل ارتفاع تكاليف إنتاجهم اختاروا التميّز من خلال الجودة، فخلقوا مختبرات في مصانعم منذ عشرات السنين وحرصوا على ضم أبرز الكادرات البشرية الى فريق عمل مؤسساتهم. كما سلكوا خيار تعزيز هذه الجودة عبر استيفاء معايير شهادة الأيزو التي من شأنها أن تحدث خرقاً في المفاهيم السائدة في عملية الإنتاج وتقديم الخدمات، من خلال تحفيز الإداريين والمهنيين في القطاعين العام والخاص على ضرورة مواكبة المستجدات والمتغيرات العالمية السريعة المتلاحقة، وتشجيعهم على رفع مستوى الأداء وتحسين نوعية الخدمات وتخفيض تكاليف التشغيل، وتطوير إجراءات وأساليب العمل، وذلك من خلال تطبيق أدوات الجودة ومعاييرها، والتي استحقوا من خلالها نيل شهادة الأيزو الدولية".
هم حقاً ناجحون، فنسبة البضائع اللبنانية المرفوضة في الخارج حققت انخفاضا كبيرا في نسبة الرفض خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يؤكد بأن صناعة لبنان الغذائية بخير.
هم ماهرون في التقاط الفرص، ففي حين تغيب الدولة عن دعم القطاع بشكل كبير، تؤكد الأرقام الآثار الإيجابية الكبيرة للدعم الذي قدمه وما زال يقدمه الاتحاد الأوروبي من خلال تمويل برنامج الجودة في وزارة الاقتصاد والتجارة، الذي نجح حتى الآن في دعم أكثر من 50 مصنعا غذائيا نجحت في تطبيق معايير سلامة الغذاء والتتبع الدولية وحصلت على شهادات الايزو الدولية.
هم وغيرهم من الصناعيين أمل المستقبل. فكل المعطيات تشير الى أن القطاع الصناعي برمته أمام فرصة حقيقة للنهوض به إذ من المنتظر أن تعمل الحكومة على تحفيز القطاع عبر الحد من التهريب ووقف الإغراق الذي تتعرض له الأسواق اللبنانية معتمدة مبدأ المعاملة بالمثل وتكافؤ الفرص وفرض إجراءات حمائية ودعم الأكلاف الإنتاجية وإقفال المؤسسات غير الشرعية إضافة الى العمل على رفع الصادرات الى الأسواق الخارجية.
ورغم التفاؤل الكبير، فإن بعض القلق يسيطر على النفوس إذ إن أداء الحكومات السابقة والطبقة السياسية التي لا تزال في الحكم لا يبشّر بالخير. لكن لا خوف، فكل النجاحات التي حققتها الصناعات اللبنانية كانت بمجهود فردي من الصناعيين ما يعني أن لا تراجع للقطاع، ليبقى المطلوب في المرحلة الجديدة هو أن "نتفاءل بالخير لنجده".