هل سيعزز الخروج اليورو والنمو في السنوات المقبلة؟
البرلمان البريطاني للإتحاد الأوروبي.. كش ملك
تبنى البرلمان البريطاني، بغالبية كبيرة، مشروع قرار يقضي بإنهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. ويجيز القرار للحكومة بدء عملية الخروج من الاتحاد ووضع خطة تحدد تفاصيل الإجراءات القانونية اللازمة للانفصال النهائي، ما يفتح الاسئلة عن التداعيات الاقتصادية التي ستواجه بريطانيا.
أشارت مجموعة من التوقعات التي نشرتها الحكومة البريطانية منذ منتصف العام 2016، وبنك إنجلترا المركزي ومؤسسات بحثية ومنظمات دولية، ومئات الأكاديميين قبل الاستفتاء إلى أن النمو الاقتصادي في بريطانيا سيشهد تباطؤا أكبر إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي مقارنة بما سيشهده إذا بقيت في الاتحاد.
وقال محافظ البنك مارك كارني إن اقتصاد البلاد قد يدخل في انكماش على مدار ربعين، وأكدت وكالات التصنيف الائتماني أن التباطؤ المتوقع في النمو عقب التصويت له أثر سلبي على التصنيف الائتماني للبلاد.
مجموعة صغيرة من خبراء الاقتصاد المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يرون أن الخروج من الاتحاد سيعزز النمو في السنوات المقبلة، وإن كان أحدهم على الأقل يتوقع حدوث تراجع طفيف في البداية.
وتجد شركات التصدير دعما في هبوط الجنيه الإسترليني الذي انخفض إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ 1985، على الرغم من أن الطلب في كثير من بلدان العالم ما زال ضعيفا.
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيضر باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ويؤثر على دول أخرى خارجه.
وذكرت المنظمة أنه إذا خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سيقل إنتاج الاتحاد باستثناء بريطانيا بنحو 1% بحلول 2020 عما كان سيتحقق إذا بقيت، وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضا إنه قد يحدث تراجع اقتصادي أكبر إذا قوض خروج بريطانيا الثقة في مستقبل الاتحاد الأوروبي وهو سيناريو لا تشمله توقعاتها.
وقالت رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) السابقة، جانيت يلين، إن الاستفتاء قد تكون له تداعيات على الاقتصاد العالمي وأسواق المال، وهو الأمر الذي قد يعني تأجيل الزيادة التالية في أسعار الفائدة الأميركية.
السياسة المالية
كان رد فعل محافظ بنك إنكلترا مارك كارني على الاستفتاء سريعا، إذ قال إن البنك المركزي مستعد لضخ أموال إضافية بقيمة 250 مليار جنيه إسترليني لدعم الأسواق، وأضاف أن البنك سيدرس اتخاذ خطوات إضافية في ما يتعلق بسياسته خلال الأسابيع المقبلة.
وقبل التصويت، قال كارني إن من السهل جدا التكهن بأن البنك سيخفض أسعار الفائدة من مستواها المتدني بالفعل والبالغة 0.5% من أجل دعم الاقتصاد بعد التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكان 17 من أصل 26 من خبراء الاقتصاد الذين استطلعت رويترز آراءهم في أبريل/نيسان الماضي قد توقعوا أن تكون الخطوة التالية لبنك إنكلترا المركزي بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي تخفيض أسعار الفائدة لا زيادتها.
عجز مزدوج
وسجلت بريطانيا أكبر عجز في ميزان المعاملات الجارية على الإطلاق العام الماضي، بما يعادل 5.2% من الناتج الاقتصادي للبلاد؛ وعكس هذا العجز زيادة تدفقات توزيعات الأرباح ومدفوعات الدين إلى المستثمرين الأجانب عن التدفقات المماثلة التي تأتي إلى البلاد، بالإضافة إلى العجز التجاري الكبير.
وقال كارني إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يختبر "كرم الأجانب" الذين يمولون العجز في ميزان المدفوعات.
وكان وزير المالية أوزبورن قد قال خلال الحملة التي سبقت الاستفتاء إنه سيضطر إلى زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق إذا صوتت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي كي يحول دون إضرار تباطؤ النمو بمساعيه الرامية إلى تخفيض عجز الموازنة، الذي ما زال كبيرا، لكن لم يتضح ما إذا كان سيتم الالتزام بتلك الخطة بعد استقالة كاميرون.
الوظائف
وأشارت معظم التوقعات إلى أن معدل البطالة البريطاني الذي يبلغ أدنى مستوياته في عشر سنوات حاليا عند 5% سيرتفع بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من نجاح بريطانيا في تجنب خسارة الوظائف بالقدر نفسه الذي حدث في دول أخرى بعد الأزمة المالية.
وكما حدث بعد الأزمة فإن الأجور قد تتحمل الوطأة الكبرى لأي تباطؤ ناجم عن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا انخفاض أجور المستهلكين الحقيقية بما يتراوح بين 2.2 و7% بحلول 2030 مقارنة بمستوياتها في حال بقاء بريطانيا في الاتحاد.
في المقابل، قال خبراء الاقتصاد المؤيدون لخروج بريطانيا إن سوق العمل في البلاد قد تصبح أكثر ديناميكية عبر إلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي المرهقة والتخلص من بعض رسوم الاستيراد الأعلى في الاتحاد مثل تلك المفروضة على الغذاء، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة، لكن تقليص رسوم الواردات قد يعرض بعض قطاعات الاقتصاد لمنافسة شرسة.
التجارة
حذّر قادة العالم في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا بريطانيا من أن خروجها من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلبا على مكانتها بوصفها قوة تجارية عالمية.
وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن بريطانيا ستأتي في "مؤخرة الصف" في ما يتعلق بإجراء مباحثات مع الولايات المتحدة.
كما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند هذا الأسبوع إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يضع دخول المملكة المتحدة إلى السوق الموحدة على المحك.
لكن خبراء الاقتصاد المؤيدين لخروج بريطانيا رفضوا تلك التحذيرات، ووصفوها بالترويج للشائعات المقلقة، ويقولون إن بريطانيا قد تبرم اتفاقيات تجارة مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى خارجه، وقد تخفض أيضا رسوم الواردات من تلقاء نفسها إذا لم يكن هناك اتفاق وشيك.