ارتباك دولي ومعركة الخلافة بدأت بالعربي محمد العريان
صدمة "صندوق النقد" وفضيحة ستراوس كان
في الوقت الذي تنشدّ فيه أنظار الرأي العام العالمي لمتابعة تفاصيل الفضيحة الأخلاقية التي تورط بها رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان التي أدخلته السجن، تتابع الأوساط السياسية والمالية العالمية النتائج التي ستترتب على هذه الفضيحة بالنسبة لحملة انتخابات الرئاسة الفرنسية العام المقبل من جهة وبالنسبة للحملة العالمية المبكرة لخلافة كان في رئاسة الصندوق.
واتضح أن أحد أبرز المرشحين لشغل هذا المنصب العالمي الكبير المصري محمد العريان (53 عاماً)، الذي يحمل الجنستين المصرية والأميركية ويشغل حالياً منصب المدير التنفيذي لمؤسسة "بيمكو"، وهي واحدة من أكبر مؤسسات الاستثمار العالمية التي تشرف على إدارة رأسمال قدره 1.2 تريليون دولار، وفقاً لأرقام نشرت في العام الماضي. وهو عضو في المجلس الاستشاري لبنك الكويت الوطني.
الانتخابات الرئاسية
ويذكر ان كان أعلن منذ فترة رغبته في التخلي عن منصب رئاسة الصندوق، تمهيداً لعودته إلى فرنسا لخوض معركة الرئاسة في مواجهة الرئيس نيكولا ساركوزي. وهو خاض خلال معركة الانتخابات الرئاسية الماضية معركة داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي ينتمي إليه من أجل الفوز ببطاقة ترشيح الحزب له أمام ساركوزي، لكنه خسر المنافسة أمام مرشحة الحزب سيغولين رويال، التي من جهتها فشلت في المعركة أمام ساركوزي. وعمل ساركوزي على إبعاد كان عن الحلبة السياسة في فرنسا بترشيحه لمنصب رئيس صندوق النقد الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. ومع أن كان تورط في فضائح أخلاقية خفيفة خلال عمله في الصندوق بإقامة علاقات غرامية مع موظفاته، لكنه خرج سالماً منها، فعاد من جديد للسعي من أجل إقناع الحزب الاشتراكي باختياره ممثلاً عنه لخوض معركة الانتخابات المقبلة التي توقع الكثيرون إسقاط ساركوزي عن الحكم فيها، بسبب المشاكل التي تواجه حكومته والفضائح الشخصية الكثيرة التي تراكمت على ساركوزي وعدد من وزرائه. لكن مع تفجُر فضيحة كان الأخلاقية الجديدة والطريقة المهينة التي تعاملت بها الشرطة الفيديرالية الأميركيةالـ (اف بي آي) معه تبخرت آمال كان في الترشح للرئاسة الفرنسية.
ويرى المراقبون السياسيون أن الميدان حالياً خلا لساركوزي، نظراً لأن الحزب الاشتراكي لم ينجح طوال السنوات السبع الماضية في إعداد مرشح لائق عنه للمنافسة على منصب الرئيس. بل يُنظر إلى إعلان بال ساركوزي، والد الرئيس الفرنسي، الليلة قبل الماضية عن فرحته بانتظار قدوم حفيده الجديد، أنه عبارة عن "ضربة معلم" من جانب الرئيس ساركوزي الذي يرغب في استدرارعطف الشارع الفرنسي معه من أجل الحصول على غالبية الأصوات في الانتخابات المقبلة. فساركوزي يُقدم نفسه على أنه ما زال شاباً (56 عاماً) قادراً على إنجاب الأطفال مع زوجته الجديدة كارلا بروني (43 عاماً) وأن علاقته بها ليست عابرة، مثلما اتهمه البعض، بل هي علاقة قوية وعائلية، وأنه سيكون أول رئيس فرنسي ينجب طفلاً شرعياً وهو في قصر الإليزيه.
أما بالنسبة لكان، فلم يكن إعلانه عن التخلي عن المنصب نهائياً وظل الحديث عن خلافته يدور بصوت منخفض ومن دون ضجيج، لكن ما ان ألقِيَ القبض عليه قبل بضعة أيام بتهمة محاولته اغتصاب موظفة في أحد فنادق نيويورك حتى قفزت مسألة خلافته إلى مقدمة القضايا التي تشغل بال الرأي العام العالمي، خصوصا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، نظراً لما لهذا المنصب من أبعاد على الاقتصاد العالمي. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون عبّر عن رغبته في شغل منصب رئيس الصندوق بعد تنحي كان. وفي انعدام وجود اتفاق أوروبي على مرشح موحد يظل براون أحد أقوى المرشحين، رغم معارضة رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون.
باريس ترشح لاغارد
فرئاسة صندوق النقد الدولي ظلت طوال الوقت بيد الأوروبيين وفق تسوية غير معلنة منح بموجبها المنصب لهم، فيما احتفظت الولايات المتحدة بمنصب البنك الدولي (ذي ورلد بنك). ويصارع الأوروبيون للاحتفاظ بالمنصب، رغم وجود أصوات عديدة حتى داخل الولايات المتحدة تنادي بمنح المنصب للمرة الاولى إلى الصين أو الهند وذلك لتشجيع هاتين القوتين الاقتصاديتين الصاعدتين على زيادة حجم مشاركتهما في إنقاذ الغرب من أزمته الاقتصادية.
ويرمي الرئيس ساركوزي بثقله من أجل فوز وزيرة ماليته كريستين لاغارد بالمنصب، غير أنه من الصعب إبقاء المنصب في يد رئيسين متتالين من الجنسية نفسها. ويعتمد ساركوزي كثيراً في ترشيح لاغارد على دعم زملائه الأوروبيين، خصوصا كاميرون الذي يرفض تنسيب براون للمنصب.
وكان كاميرون صرّح في أبريل الماضي أنه يفضل أن يشغل المنصب شخصية مالية أميركية، الأمر الذي يفتح المجال أمام محمد العريان لترشيح نفسه والفوز بالمنصب، خصوصا لخلفيته العربية وتحدره من إحدى دول العالم الثالث. فمؤهلات العريان العلمية الرفيعة وتجربته الغنية الأكاديمية والعملية في المجال المالي والاستثمار تضعه في مرتبة متقدمة بين المرشحين الآخرين. فعلاوة على دوره البارز في مؤسسة "بيمكو" المالية وشركة هارفارد الاستثمارية، فهو استاذ جامعي في كلية إدارة الأعمال التابعة لجامعة هارفارد، التي تصنف على أنها أرقى المؤسسات الجامعية في الولايات المتحدة والعالم وله مؤلفات عديدة ومساهمات في كبريات الصحف ووسائل الإعلام العالمية مثل وكالة الأنباء الاقتصادية المتخصصة "بلومبيرغ" وصحيفة "الفايننشيال تايمز" ومجلة "الإيكونوميست". والأهم من ذلك سبق للعريان أن عمل لمدة 15 عاماً متواصلة في صندوق النقد الدولي في واشنطن، ما أكسبه خبرة واسعة في شؤون إدارة الصندوق وطريقة عمله.
الاسماء المرشحة
ومن بين الأسماء الأخرى المطروحة للمنافسة على المنصب الشخصيات التالية:
التركي كمال درويش، وهو وزير مالية تركيا سابقاً ويعمل حالياً مديراً لبرنامج "الاقتصاد العالمي" في معهد بروكينغز الأميركي بواشنطن، ويحظى باحترام واسع داخل الولايات المتحدة وعلى الساحة الدولية.
المكسيكي أوغوسطين كارستينز، الحاكم الحالي للبنك المركزي في المكسيك الذي يمثل قوة اقتصادية صاعدة تتمثل ليس فقط بالمكسيك، بل بدول وسط وجنوب أميركا.
الإيطالي ماريو دراغي، الرئيس الحالي للبنك المركزي في إيطاليا، الذي يسعى الإيطاليون لفرضه كمرشح أوروبي بدلاً من الفرنسية لاغارد.
الهندي مونتك سينغ أهلوواليا، نائب رئيس لجنة التخطيط الهندية، وشغل في السابق منصب رئيس دائرة التخمين في صندوق النقد الدولي، وطرح اسمه في وسائل الإعلام، رغم أنه نفى عزمه على ترشيح نفسه للمنصب.
الهندي شري إس سريدار المدير الحالي لبنك الهند المركزي، وهو ليس البنك المركزي للهند، بل أحد بنوك القطاع العام. امتاز في الفترة الأخيرة في توسيع نشاط مؤسسته المالية في شكل ملحوظ داخل القارة الآسيوية.
السنغافوري ثارمان شانموغاراتنام، وزير المالية الحالي لسنغافورة، الذي تشجع على طرح نفسه مرشحاً لخلافة كان، بعد تزايد الحديث عن ضرورة تعيين رئيس آسيوي للصندوق.
الجنوب أفريقي تريفور مانويل، وزير مالية جنوب أفريقيا الحالي، وهو الاسم الوحيد من القارة السوداء المطروح لرئاسة صندوق النقد الدولي. غير أن علامات سؤال كبيرة موضوعة إلى جانب اسمه، نظراً لتورطه في خلافات على أساس عرقي في جنوب أفريقيا.
وأخيراً مرشح الكيان الصهيوني فيشر، رئيس البنك المركزي "الإسرائيلي" الذي تسلم منصبه الحالي في العام الماضي ولمدة خمس سنوات، لكنه مستعد للتخلي عنه من أجل رئاسة صندوق النقد الدولي.