الاقتصادية العربية في العام 2016:
حروب.. وانهيارات في أسعار النفط والعملات
طوت المنطقة العربية عاماً صعباً، امتدت فيه رقعة الحروب على الخارطة وصاحبتها انقسامات اجتماعية وصراعات سياسية ووضع اقتصادي متردٍّ في أغلب الدول، حتى تلك التي كانت تحقق نجاحات في السابق. أدى انهيار أسعار النفط والعملات المحلية إلى انحسار الموارد، ودفع دولاً عديدة إلى خفض الرواتب ورفع الضرائب وتسريح العمال وتجميد المشاريع التنموية. في مقابل ذلك، حاولت الدول العربية البحث عن حلول للخروج من أزمتها الاقتصادية، ومضت في تطبيق قرارات اقتصادية أصابت في بعضها وأدى بعضها الأخر إلى عواقب وخيمة، تضررت منها في غالبية الأحيان، الشرائح الفقيرة والمحدودة الدخل.
لنلقِ نظرة على أسوأ القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومات العربية خلال العام 2016.
مصر: تعويم الجنيه
في نوفمبر الماضي، أعلن البنك المركزي المصري تعويم الجنيه المصري وتحرير سعر صرف العملة، استجابةً لأحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي مقابل قرض قيمته 12 مليار دولار أميركي. وقررت الحكومة فكّ ارتباط العملة المحلية بالبنك المركزي في تحديد سعرها وجعلها مرتبطةً بالعرض والطلب. ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن هذا القرار سيكون مصدر "ألم للاقتصاد المصري على المدى القريب" وستكون له تأثيرات سلبية على المواطن. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن تعويم الجنيه "قد يؤدي إلى تأثر أسعار المواد الغذائية التي تدعمها الحكومة كالخبز والسكر والأرز والزيت بطريقة سلبية، وبالتالي على مرتبات ومدخرات المواطنين"، وذلك يعود إلى ارتفاع أسعار الواردات في بلد يستورد أكثر من نصف احتياجاته الغذائية من الخارج بالعملة الصعبة.
لبنان: الهندسة المالية
منذ منتصف العام، قرر مصرف لبنان اعتماد آلية الهندسة المالية، بعد أن أظهر تدقيق قام به صندوق النقد الدولي، أن هناك عجزاً في الأصول الأجنبية الصافية لدى المصرف، ما يعني أن مصرف لبنان عجز عن إدارة أصوله خلال السنوات الماضية، على الرغم من وجود تدفقات هائلة للعملة الصعبة في البلاد مصدرها تحويلات المغتربين ومن القطاع السياحي.
ولتلافي هذا العجز، وتطبيقاً لتعليمات صندوق النقد الدولي قام مصرف لبنان ببيع سندات بمليارات الدولارات للمصارف باسعار مخفضة، في إطار عمليات ايداع خاصة وصلت الفائدة عليها إلى 30% على عملة مربوطة بالدولار الأميركي. المصارف بدورها باعت هذه السندات للأثرياء القادرين على تحويل مبالغ وصلت لعشرين مليون دولار للفرد بعد أن اقتطعت لنفسها حصة كبيرة جداً. العملية تعيد رسملة المصارف الكبيرة على حساب الصغيرة والمتوسطة والأهم من ذلك على حساب كل مواطن لبناني.
السعودية: رفع رسوم تأشيرة العمرة!
في شهر أكتوبر 2016، قررت السلطات السعودية رفع رسوم تأشيرات الحج والعمرة للمرة الثانية عشرة أضعافاً. وأثار القرار جدلاً واسعاً، خاصة خارج السعودية، إذ قامت السلطات برفع الرسوم دون الأخذ بعين الاعتبار الوضع المعيشي للكثير من المسلمين في دول فقيرة ومحدودة الدخل. ويأتي القرار ضمن حزمة قرارات أعلنتها السعودية لفك أزمتها المالية عقب انخفاض أسعار النفط، منها تخفيض دعم الوقود والكهرباء والمياه وخفض نفقاتها على الأجور العامة. إذاً قد يكون قرار السعودية عدم خفض إنتاجها النفطي اليومي أحد أسباب تدهور مدخول الدولة، كما وضعت هذة السياسة ضغطاً هائلاً على روسيا وإيران ارتدّ علينا سياسياً وعسكرياً.
السودان: رفع الدعم عن الدواء
كشفت صحيفة "الصيحة" السودانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عن انتحار ثلاثة أشقاء سودانيين من عائلة واحدة في ولاية الخرطوم، بعد عجز أسرتهم عن توفير الأدوية التي يحتاجونها. ويأتي ذلك بعد الارتفاع الجنوني الذي عرفته أسعار الأدوية في السودان عقب قرار الحكومة برفع الدعم عن الدواء. كما قامت الدولة برفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين 100%. وقال بدر الدين محمود، وزير المالية السوداني، إن "الإجراءات تهدف لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحسين أجور المعيشة للمواطنين". لكن ذلك يبدو بعيد المنال في ظل تزايد معاناة المرضى بعد توقف الدعم الحكومي.
الجزائر: رفع الضرائب وخفض الأجور
دفع انخفاض أسعار النفط الحكومة الجزائرية إلى البحث عن موارد مالية جديدة لتغطية العجز في الميزانية العامة، فاتجهت في الموازنة الجديدة للعام 2017 نحو الرفع في الضرائب، ومنها الضريبة على القيمة المضافة من 17% إلى 19% ورفع الرسوم على العقارات والوقود والضرائب على المشروبات الكحولية، وكذلك قررت الحكومة خفض كتلة رواتب الموظفين، الأمر الذي سيؤثر على الوضع المعيشي للمواطن الجزائري، كما اتجهت نحو خفض نفقات الدولة في المجال الاقتصادي بـ32%، ما سيجمد العديد من المشاريع التنموية.
ويعود ذلك إلى اقتصار الجزائر على النفط والغاز كمصادر للميزانية وعدم السعي منذ سنوات إلى تنويع الاقتصاد المحلي، كما أنها لم تحسن استغلال الطفرة النفطية في السنوات الماضية لبناء اقتصاد قوي ورفع معدلات التنمية البشرية.
تونس: المديونية وإملاءات المانحين
في مايو الماضي، قرر صندوق النقد الدولي منح تونس قرضاً جديداً بقيمة 2.8 ملياري دولار، هو الثاني بعد قرض العام 2013 بقيمة 1.7 مليار دولار. إلى جانب حصول البلد على قروض من جهات مانحة أخرى منها البنك العالمي والاتحاد الأوروبي وفرنسا، الأمر الذي أغرقها في مستنقع أزمة الدين السيادي، إذ وصلت نسبة مديونية البلاد إلى 62%، وهذا ما قد يؤثر على التوازن المالي للدولة أو يقودها إلى المصير اليوناني. كما يطرح الاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي مشاكل أخرى تتعلق بالشروط المجحفة للصندوق، والتي تتركز حول "الإصلاح الهيكلي للاقتصاد" من خلال رفع الدعم عن المواد الأساسية وعدم رفع رواتب موظفي الدولة ووقف التوظيف في الأجهزة الحكومية وتحرير العملة المحلية ومراجعة نظام الضمان الاجتماعي، وكل هذه الإجراءات تستهدف أساساً الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل المحدود ولا يمكن إلا أن تضاعف أعداد الفقراء خلال السنوات المقبلة.
قطر: العمال ضحايا الأزمة
كغيرها من دول الخليج، تأثرت الميزانية القطرية كثيراً بانخفاض أسعار النفط. فمنذ بداية العام 2016 توقعت قطر عجزاً في ميزانيتها بــ12.8 مليار دولار، ما دفعها لاتخاذ إجراءات استثنائية لتلافي هذا العجز، لكنها طالت العمال الأجانب من أصحاب الدخل المحدود. وكان العنوان الأبرز لهذه الإجراءات هو تسريح العمال وخفض الدعم وخفض النفقات في مجالات التنمية.
في بداية العام 2016 أعلنت شركة سكك الحديد القطرية فصل 50 عاملاً لديها، كذلك سرحت شركات راس غاس وقطر للبترول وميرسك قطر مئات العمال. وأعلنت هيئة متاحف قطر عن تسريح 250 عاملاً، وطاولت حملة التسريح عمال وموظفي شبكة الجزيرة الإخبارية. كما خفضت مؤسسة قطر غير الهادفة للربح، النفقات الموجهة لصناعة السينما وتقليص ميزانيات الجامعات.