سجّل الذهب أعلى مكاسب له.. وارتفعت قيمة العملة الأميركية
2016.. عام التحولات الاقتصادية العالمية
طوى العالم عاماً كان حافلاً بأحداث سياسية واقتصادية تركت آثارها المباشرة وغير المباشرة في الاقتصاد العالمي وأثرت على اقتصادات الدول. يرحل العام 2016، الذي يمكن أن نُسميه "عام التحولات الاقتصادية" بعد أن شهد العالم خلاله، تغيرات سياسية جذرية سيكون لها وقعها على العلاقات الاقتصادية العالمية في السنوات المقبلة، من الاهتزازات التي شهدها الاتحاد الأوروبي، القوة السياسية والاقتصادية عالمياً، وصولاً إلى القرارات التاريخية المتعلقة بقطاع الطاقة، مروراً بالتغير الجذري على مستوى الرئاسة الأمريكية، والتي طاولت تأثيراتها المنطقة العربية بدرجات متفاوتة.
بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي
في 23 حزيران/ يونيو الماضي، صوّت نحو 52% من البريطانيين لمصلحة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في مقابل 48% رفضوا الانفصال، في نتيجة خالفت كل استطلاعات الرأي والتوقعات. وفي اليوم التالي بعد الاستفتاء، هوى الجنيه الإسترليني نحو 12% أمام الدولار إلى 1.32229 دولار، وهو أدنى مستوياته منذ 30 سنة، ونحو 8% أمام اليورو إلى نحو 1.2165 يورو، وانهارت الأسواق الأوروبية، فهبطت بورصة لندن عند الافتتاح أكثر من 7%، وبورصة باريس نحو 8%، وفرانكفورت أكثر من 7%، لتحذو حذو الأسواق الآسيوية.
وفتحت الأسهم الأميركية على هبوط حاد، وهبط مؤشر "داو جونز" الصناعي 1.35%، ومؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نحو 1.62%، و"ناسداك" المجمع 3.93%. وسجّل الذهب أعلى مكاسب منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، مع اتجاه المستثمرين إلى الأصول التي تمثل ملاذاً آمناً. وقفز المعدن الأصفر 8% إلى 1319 دولاراً للأونصة، بعدما صعد إلى 1358 دولاراً، وهو أعلى مستوياته منذ العام 2014. وتراجع سعر النفط أكثر من 6% إلى 48 دولاراً للبرميل.
لم تكن الاقتصادات العربية بمنأى عن تداعيات الاستفتاء البريطاني، فتكبدت أسواق المال العربية خسائر بنحو 8.8 مليار دولار خلال الأسبوع الأول بعد الاستفتاء، لكنها نجحت في استرجاع معظمها لاحقاً. ولكن غالبية التحليلات والتوقعات أشارت إلى أن تأثير الانسحاب البريطاني على الاقتصادات العربية سيكون محدوداً، لأن الأنظمة المالية والمصرفية في معظم الدول العربية مرتبطة بالدولار بشكل رئيسي وليس باليورو أو الجنيه الإسترليني، بحسب مصارف مركزية عربية كبرى.
ترامب رئيساً
وخلافاً لكل التوقعات والتحليلات واستطلاعات الرأي، نجح دونالد ترامب في الوصول إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، ما فرض حالاً من الترقّب وأعاد خلط أوراق الاقتصاد العالمي، في ظل وعود وتوجهات اقتصادية مخيفة لسيّد البيت الأبيض الجديد.
وتعتبر الاقتصادات العربية، وتحديداً الخليجية، الأكثر تأثراً بالتوجهات الاقتصادية الجديدة لترامب، نظراً إلى اعتمادها على تحركات الاقتصاد العالمي واتجاهاته. بعضها مصدّر للبترول ورؤوس الأموال، كما يعتمد عدد منها على المعونات الدولية، ويشهد البعض الآخر تدخلات دولية بسبب الحروب الداخلية والحرب على الإرهاب.
كانت البداية في 14 ديسمبر 2016 برفع أسعار الفائدة الأميركية 0.25% إلى ما بين 0.5 و0.75%، قبل أن تتخذ السعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر قراراً مماثلاً وبالنسبة ذاتها.
ويؤثر قرار رفع الفائدة الأميركية سلباً في أسواق النقد الخليجية، التي ترتبط عملاتها بالدولار، إذ يؤدي إلى عزوف المستثمرين والمضاربين عن العملات المحلية والتوجه نحو الدولار للاستفادة من رفع الفائدة. وترتفع قيمة العملة الأميركية نتيجة الإقبال عليها، لترتفع معها قيمة العملات الخليجية بسبب الارتباط، ما يضرّ بصادرات هذه الدول عندما تصبح أقل تنافسية مقارنة بصادرات الدول الأخرى. ويُتوقع على صعيد واسع أن ترفع معظم المصارف المركزية العربية أسعار الفائدة، تماشياً مع القرار الأميركي، ما يزيد من كلفة الاقتراض لدى المؤسسات والشركات العاملة في هذه الدول، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص حجم الاستثمارات وارتفاع معدلات البطالة.
ولكن أخطر وعود ترامب خلال حملته الانتخابية وبعدها، تمثل في تأكيده خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا في أيلول/ سبتمبر الماضي على "جعل أميركا غنية مرة أخرى عبر تعزيز إنتاج الطاقة محلياً، فأميركا تجلس على كنز من الطاقة غير المستغلة تبلغ قيمته 50 تريليون دولار من الطاقة الصخرية واحتياطات النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى مئات الأطنان من احتياطات طاقة الفحم. وأنا سأرفع القيود المفروضة على الطاقة الأميركية، وأسمح لهذه الثروة بأن تصب في مجتمعنا".
وفي أيار/ مايو الماضي، قال ترامب خلال تجمّع انتخابي في ولاية داكوتا، أحد معاقل الطاقة الواعدة في الولايات المتحدة: "خلال فترة رئاستي سنحقق الاستقلال في مجال الطاقة الأميركية بشكل كامل، فتخيلوا عالماً يضمّ أعداءنا وعصابات النفط العاجزين عن استخدام الطاقة سلاحاً ضدنا".
وتستورد الولايات المتحدة نحو 7.5 ملايين برميل نفط يومياً، معظمها من الدول العربية، ما يعني أن استراتيجية ترامب لتعزيز إنتاج أميركا النفطي على حساب الحصة السوقية المستوردة، ستشكل صدمة للدول المنتجة للبترول، ومع الوقت قد توقف أميركا الاستيراد. وذلك يحتّم على الاقتصادات العربية المعتمدة على النفط بشكلٍ رئيسي، أن تعمل على تنويع اقتصاداتها فوراً، وإلا فستجد نفسها أمام مأزق حقيقي.
ووعد ترامب بانتهاج سياسة متطرفة لدخول البضائع إلى الولايات المتحدة. سيعمل من خلالها على منع البضائع الرديئة من الوصول إلى بلاده. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول العربية عام 2015 نحو 160 مليار دولار، 71.4 مليار دولار منها صادرات أميركية، و88.2 مليار دولار واردات، معظمها من النفط والغاز.
أما أبرز التأثيرات العالمية، فيتمثل في أن سياسة الجمع بين التحفيزات النقدية وتعريفات التجارة وقواعد الهجرة الصارمة وأسعار الفائدة المرتفعة، التي أعلنها ترامب، ستساهم حتماً في تقويض النمو الاقتصادي العالمي. وأشارت دراسة أجرتها مجموعة "غولدمان ساكس" المصرفية الأميركية إلى أن "الاقتصادات المتقدمة قد تحصل على دفعة مبدئية من حزمة التحفيزات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة، إلا أن تأثيرها سيتلاشى سريعاً وستمتد التداعيات السلبية إلى الأسواق الناشئة"، مضيفةً أن "سياسات ترامب قد تتسبب في تراجع النمو العالمي".
الأوبك وخفض الإنتاج
أما الحدث الاقتصادي الثالث، فهو الأول من نوعه منذ العام 2008، وتمثل في اتفاق "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) على خفض إنتاجها بهدف استعادة التوازن في السوق، ودعم الأسعار التي تراجعت أكثر من 50% منذ منتصف عام 2014.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، اتفق أعضاء المنظمة على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، إلى نحو 32.5 مليون برميل يومياً، على أن يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ في بداية العام 2017. ووافقت السعودية على تحمّل الجزء الأكبر من خفض الإنتاج، إذ تعهّدت خفض إنتاجها من 10.54 ملايين برميل يومياً إلى 10.06 ملايين برميل، أي بنحو نصف مليون برميل يومياً. ووافقت "أوبك" على تحديد إنتاج إيران بـ 3.79 ملايين برميل يومياً، بمقتضى سقف الإنتاج الجديد للمنظمة، ما يعني فعلياً السماح لإيران بزيادة إنتاجها بنحو مئة ألف برميل يومياً.
وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وافقت 11 دولة من منتجي النفط من خارج "أوبك" على خفض إنتاجها من النفط بمعدل 558 ألف برميل يومياً، اعتباراً من 1 كانون الثاني/ يناير 2017. وتعهّدت روسيا غير المنتسبة إلى "أوبك خفض إنتاجها بمعدل 300 ألف برميل يومياً، وهو نصف الكمية التي كان يؤمل أن تخفضها الدول النفطية من خارج المنظمة، إلى جانب المكسيك وكازاخستان وماليزيا وسلطنة عُمان وأذربيجان والبحرين وغينيا والسودان وجنوب السودان وبروناي. وفور إعلان الاتفاق، ارتفعت أسعار النفط أكثر من 8% إلى أكثر من 50 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوياتها منذ شباط/ فبراير الماضي.