هل تصطدم إدارة ترامب بالتقدم الصيني؟
بكين.. ودبلوماسية "القوة الناعمة"
لم يكن وصف الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، والذي تسلم الحكم في 20 من كانون الثاني/يناير من سلفه باراك أوباما.. لم يكن وصفه إزاء الصادرات الصينية للسوق الأميركية من أن "بأن بلاده تغتصب من قبل الصين". إلا مفتاحا لما تنتظره العلاقات بين بكين وواشنطن في السنوات المقبلة.
ويتفق المحللون على أن العلاقة بين بكين وواشنطن هي العلاقة الدولية الأكثر أهمية وتعقيداً وتشابكاً في القرن الحادي والعشرين. الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة التي تتربع على عرش القوة العظمى في العالم منفردة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في تسعينات القرن العشرين، وجمهورية الصين الشعبية، وهي الدولة التي تصعد حثيثا نحو القمة، بينهما كثير من الاختلاف، وكثير من المصالح المشتركة أيضا. وكما هو الحال في فترات صعود واضمحلال القوى الكبرى عبر التاريخ، فإن محاولات واشنطن عرقلة صعود الصين (كما صعود روسيا)، وسعي بكين لتجاوز تلك العراقيل صراع طبيعي تحسمه قدرة كل منهما على إدارته بحكمة من دون الانزلاق إلى هاوية قد تكلفهما معاً، بل والعالم كله، ثمناً باهظاً.
من حق الصين أن تقلق إزاء مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما عبر عنه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ببرقية التهنئة التي أرسلها إلى الرئيس ترامب عقب إعلان النتائج بتطلع بكين للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة من دون صراع ومن دون مواجهة لتوسيع التعاون على المستوى الثنائي والإقليمي والعالمي.
وكان من حق الولايات المتحدة أن تقلق بدورها من دبلوماسية "القوة الناعمة" التي تتبعها بكين، خصوصاً بعد تأسيسها "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" (AIIB) بمقره في العاصمة الصينية بكين. والذي صُمم ظاهريًا ليساعد في تمويل المشاريع التي تلبي احتياجات الدول الآسيوية من البنية التحتية، وهو ما دفع 57 دولة إلى التقدم ليصبحوا أعضاء مؤسسين في الكيان الصيني الجديد، ومن هذه الدول دول أوروبية حليفة لواشنطن كبريطانيا وفرنسا وايطاليا وسويسرا. وكانت الولايات المتحدة قد منعت سابقاً إقامة صندوق نقد آسيوي، ولكنها الآن تبدو عاجزة عن وضع العصي في عجلات تأسيس هذا البنك، الذي طرح فكرته الرئيس الصيني شي جينبينغ في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2013 لتحفيز الاستثمار في قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات وغيرها من مجالات البنية الأساسية في آسيا.
وفي ضوء هذا التطور ترك إنشاء البنك الجديد (AIIB) واشنطن حائرة ومتخبطة حول كيفية الرد. فالبعض في الولايات المتحدة يشيد بالصين على تحملها مسؤولية دولية أكبر واستخدامها "القوة الناعمة" في المساعدة على نمو آسيا. والبعض الآخر يعارض هذه الخطوة بحجة أنها تُقوض قيادة الولايات المتحدة للنظام الاقتصادي، وتستخدم المساعدات كوسيلة لدعم الخطة الاستراتيجية الصينية الكبرى، وخصوصاً أن الولايات المتحدة تعاني من مديونية مفرطة، منذ ولاية الرئيس جورج بوش الأبن، حيث زاد حجم الدين من 6 تريليونات دولار عام 2000 إلى 9 تريليونات عام 2007، وفي عهد باراك أوباما بين عامي 2008 و2016، قفز إلى أكثر من 20 تريليون دولار.
والسؤال: هل سنصحو يوماً ما لنرى خارطة جديدة للعالم غير التي لازمت أعيننا منذ نعومة أظفارنا وعند ذاك سنكون أمام نظام عالمي جديد وتحديات جديدة، تكون "قوته الناعمة" سيدة العالم؟
يضع فيليب لبيسكي شرحاً مفصلاً لهذا الأمر في مقال بمجلة Foreign Affairs تحت عنوان "من يخاف من AIIB؟". ويقول في المقال إن قلق المسؤولين بالولايات المتحدة من أن يقوض البنك الجديد من دور جهات الإقراض الدولية ومواصفاتهم القياسية المُتبعة، هو قلق في غير محله. ويضيف أن "الصين حاليًا دولة منسجمة مع النظام العالمي بشدة".. ويستنتج لبيسكي في نهاية مقالته: أن واشنطن يجب أن تساعد بنك AIIB، بل وتنضم إليه لتستطيع تشكيل سياساته وطريقة عمله من الداخل.
على الإدارة الأميركية الجديدة أن تدرك أن النمو الاقتصادي السريع حل كمحرك أساسي للنظام الصيني بدلاً من الأيديولوجيا منذ فترة طويلة.. وقد حدث هذا عندما احتاجت الصين للنمو أكثر من أي وقت مضى لتقليل التصدع في نظامها والناتج من عوامل عديدة أهمها، التحديات السكانية الهائلة. وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
من الواقعية الإشارة وبنظرة بسيطة إلى أن الميزان التجاري الصيني الأميركي، سنجد أنه يصب لمصلحة التنين الصيني؛ حيث سجل حجم التبادل التجاري بين أكبر قوتين اقتصاديتين 659.4 مليار دولار في 2015، استحوذت الصين على الجانب الأكبر بصادرات قدرها 497.8 مليار دولار، بينما الصادرات الأميركية لم تتخط حاجز 161.6 مليار دولار بحسب بيانات مكتب التمثيل التجاري الأميركي. يضاف إلى أن الصين تعد أكبر حائز أجنبي للمديونية الأميركية بنحو 1.148 تريليون دولار وهي بذلك تحتل المرتبة الأولى بحيث تمتلك نحو 20 في المئة من مجموع الديون الخارجية للولايات المتحدة. والسؤال هو، هل يجب أن تقابل الولايات المتحدة أي تقدم صيني بالعداء، وتعتبر أنه يأتي على حسابها؟
وهل سيدرك ترامب أن وضع خطوط حمراء في الوقت الحالي حرج جدًا للولايات المتحدة، لأن أي تعامل عدائي تجاه الصين سيواجه صعوبة تكوين مجموعة من الحلفاء الغربيين في هذا الأمر. فنمو القوة الصينية وزيادة تأثيرها سيجعل الوصول لنهج أكثر حزماً مع الصين أكثر صعوبة. وكلما زادت القواعد العامة الموضوعة وضوحاً، زادت الشرعية وقبول تلك القواعد من شركاء الولايات المتحدة. وقل الاستفزاز الواقع على الصين؟
لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على معرفة كيف يجب أن تنظر مستقبلاً واشنطن في ظل إدارة ترامب إلى مستقبل العلاقات بينها وبين بكين.. وعلى أهداف الصين منها وعلاقتها بخطتها الاستراتيجية الكبرى!