"لبنان يعاني .. آن الأوان لفصل الإقتصاد عن السياسة"
د. فرشوخ يطرح أقوى خطة إقتصادية لعام 2017
تختلط علينا المشاعر ، في حضرة رئيس الهيئة الوطنية للتنمية الإقتصادية في لبنان د. بسام فرشوخ، بين تفاؤل قلّ نظيره بوجود حلول بمتناول اليد لأزمة لبنان الإقتصادية، وبين يأسٍ يعترينا انطلاقاً من قناعة راسخة لدينا أن لا نية لأي حلول في لبنان.
لا يبدو د. فرشوخ كغيره من الإقتصاديين الذين لا يتحدثون الا بلغة الأرقام، فما يهمه أكثر هو ما تظهره مؤشرات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية من صورة سوداوية عن حجم المخاطر في البلاد، انطلاقا من حقيقة أن الوضع الاجتماعي بات أشبه بنار مشتعلة تحت صفيح ساخن تزداد حرارتها يوما بعد يوم مهددة بإنفجار اجتماعي.
اندثار المصانع، الغلاء المعيشي، البطالة والهجرة، انهيار أحلام الشباب .. كلها عناوين تحتل حيزاً مهماُ في اهتماماته، فهو يعرف وجع المواطنين أجمع ويؤكد ما يتداوله المعنيون بالشؤون الإقتصادية من أن على الدولة التحرك بسرعة وتبني خطط إقتصادية ناجعة، فاللبنانيون بعد اليوم، لن يقفوا متفرجين أمام إفلاس الطبقة السياسية، وبناء عليه يطرح خطة اقتصادية، لربما هي الأقوى والأفعل لانتشال لبنان ومواطنيه من معاناتهم.
"من عرف الداء عرف الدواء"، هذا ربما ما يصح عنواناً لجلسة استمرت لساعات في مكتب د. فرشوخ في الحدث، طرحت خلالها العديد من الخطط للنهوض بالقطاعات الإقتصادية المختلفة ومعالجة الواقع الإجتماعي الصعب. خلال الجلسة، وضع د. فرشوخ الإصبع على الجرح لنستشف من حديثه أن الخلاف السياسي هو مصيبة لبنان الكبرى، وأنه "آن الأوان لفصل الإقتصاد عن السياسة"، فوفقاً له "اللبنانيون يعانون ومعاناتهم كبيرة والمطلوب من الدولة الإهتمام بهم والتوقّف عن التلهّي بنفسها، إذ إن أولى واجباتها تطوير العلاقة مع مواطنيها وترسيخها وإكسابها أقصى مستويات الثقة المتبادلة". واعتبر أن "على الدولة أن تكون أشبه برب منزل، فتتحمّل مسؤولية مواطنيها، وتسأل عن أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية، وتقدم الخدمات لهم ضامنة رفاهيتهم وسعادتهم".
واستغرب د. فرشوخ أشد الاستغراب ما يعانيه اللبنانيون في ضوء تدهور الأوضاع الإقتصادية، وشدّد على أن "من يرى نفسه غير قادر على المساهمة في تكريس دور الدولة هذا، فليترك موقعه لمن هو أقدر وأجدر منه دون إصرار وتشبث بموقع غير قادر على التصدي لالتزاماته".
وإذ شدّد على "أن الجميع يعاني في لبنان، القطاع الخاص والمواطن"، اعتبر أن "دعماً بسيطاً للقطاعات الإقتصادية كفيل بإحداث فرق كبير في الأوضاع".
وقال: "لماذا اليأس، فلنهبّ للعمل؟ لماذا لا يتم تأسيس مجموعة من الإقتصاديين تضع خططاً معينة تضيء على الداء الإقتصادي وتعالجه من جذوره؟ لننظم طاولة مستديرة تعمل على ترتيب برامج وتقديم دراسات للدولة وأخذ الموافقة من الدولة والتحرك. ففي الوحدة قوة".
تآكل القدرة الشرائية
وفي إطار حديثه عن رفع الأجور ومستويات الفقر في لبنان، شدّد د. فرشوخ على أن "الدولة تسير في غالب الأحيان في الإتجاة الخاطئ، إذ إن العبرة اليوم ليست بعدد الأوراق النقدية التي يتقاضاها المواطن كأجر، بل إن لب الموضوع هو في القدرة الشرائية لهذه الأوراق".
واعتبر أنه "يجب على الدولة التحرّك لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، ما يحتّم عليها التدخّل في قطاعات أساسية أبرزها القطاع العقاري والقطاع التربوي".
وقال: "لم يعد خافياً على أحد تكلفة التعليم الخاص في لبنان في حين يعاني التعليم الرسمي من عدة معوقات تدفع الأهالي إلى الإحجام عن تعليم أولادهم فيه. وهذا يفرض على الدولة خيارين اثنين: دعم التعليم الرسمي والعمل على تطويره لمواكبة التغييرات الطارئة على مناهج التعليم والحداثة والتطور كما التعليم الخاص في لبنان، أو العمل على تنظيم القطاع التربوي الخاص عبر إجراء تصنيف محدّد للمدارس يضع أطراً معقولة لأقساطها تمنع امتصاصها المتمادي لأجور ورواتب الأهالي".
كما دعا الدولة "إلى وقف ما عرف بظاهرة الأسعار الخيالية للشقق في لبنان، فمن غير المعقول انه في حين يكون الحد الأدنى في لبنان للأجور لا يتجاوز الـ500$ دولار، نجد أن اسعار الشقق تبلغ عشرات الأضعاف ما يحتّم على اللبنانيين شراء منازل ودفع أقساط لا تتناسب وإمكانياتهم أو التخلي عن رغبتهم بالتملّك".
واعتبر أنه "من غير العادل رمي المسؤوليات جميعها على كاهل القطاع الخاص، فرفع الأجور قد يرفع من مستويات البطالة ويؤدي الى إفلاس بعض الشركات، والأجدى هو أن تتحرك الدولة للتخفيف من أعباء المواطنين".
الحل في الأراضي المشاعية
وشدّد د. فرشوخ على أن "الأراضي المشاعية في لبنان، هي من أهم الموارد التي تملكها الدولة، والتي أصبح الاستخدام الرشيد والأمثل في الدول المتحضرة والنامية هو الأساس الذي يقوم عليه التخطيط بأنواعه، ومستوياته وأهدافه كافة". ولفت الى "ضرورة وضع آلية ترشيد استخدامها وتفعيل دورها في دفع عملية التنمية وزيادة إيرادات الدولة".
وأشار إلى أنه على الصعيد الصناعي " يمكن للدولة تأجير هذه الأراضي للصناعيين بمبالغ رمزية مقابل شروط يأتي في طليعتها توظيف لبنانيين، فشراء الارض يشكل حيزاً كبيراً من نسبة الاستثمار وتقديمها يسمح للصناعيين أو للراغبين بالاستثمار في القطاع الصناعي بتركيز اهتمامهم وإمكاناتهم المادية على إنشاء المصانع، وبالتالي يتم وضع القطاع على سكة النمو وطرح فرص عمل جديدة كفيلة بتخفيض معدلات البطالة".
وقال: "قد يتسرّع البعض ويقول إن العبرة ليست في إنشاء المصانع بل في تشغيلها وتصريف إنتاجها. وهذا كلام منطقي، والمطلوب جهود إضافية من الدولة في هذا الموضوع، تتركّز في العمل على إقامة علاقات تعاون اقتصادي مع مختلف دول العالم ولا سيما تلك التي يستورد لبنان منها".
وأضاف: "في الإطار نفسه، يمكن للدولة التواصل مع كبرى الشركات العالمية وتقديم حوافز لها للاستثمار في لبنان، بحيث تعمد إلى إنشاء مصانع لها في لبنان وضخ المزيد من فرص العمل للبنانيين، على أن تتمسّك بحقّها في أن يكون الفريق الإداري أجنبي".
واعتبر أنه "لا بد للدولة من دعم مشاركة الصناعيين في المعارض التي تفتح أمامهم آفاق عمل جديدة، إذ إن ارتفاع هذه التكلفة تثني في كثير من الأحيان الصناعي عن هذه المشاركة وتحد من تقدمه، وهذا الدعم قد يكون بصفة مؤقتة حيث تحفظ الدولة حقّها باسترداده في حال حقق الصناعي النتائج المرجوة".
وفي رد على سؤال حول وجود تحديات كثيرة قد تعيق القطاع الصناعي عن التقدم على الرغم من وجود هذا الدعم، أكد د. فرشوخ "أن لبنان لا ينقصه إلا هدوء سياسي ووجود نية للنهوض بالقطاع، فكلفة اليد العاملة لن تكون مرتفعة إذا وجدت الأسواق لتصريف الإنتاج وعملت المصانع بكل طاقتها الإنتاجية بحيث تنخفض كلفة ﺍﻟﻭﺤﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ﻤﺎ ﻴﺠﻌلها أﻜﺜﺭ ﻗﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻤﻨﺎﻓـﺴﺔ ﻤﺜﻴﻼﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻭﻕ، ويفسح أمامنا في المجال لتصريف المزيد من الإنتاج. فعلى الرغم من ارتفاع تكلفة اليد العاملة في الصين، مقارنة بدول أخرى كالهند وفيتنام، تتمتع الصناعة الصينية بميزات تنافسية عالية".
وعلى صعيد القطاع العقاري، لفت الى أنه "يمكن للدولة بناء وحدات سكنية في الأراضي المشاعية وبيعها وتحقيق أرباح كبيرة بعيداً من جشع التجار العقاريين". وفي رد على سؤال عن إمكانية تدخل الدولة بهذا الشكل السافر في ضوء النظام الإقتصادي الحر في لبنان، رد د. فرشوخ سائلاً: "وهل يترك الشباب في لبنان يواجهون مصيرهم بأنفسهم؟ هل يتركون ضحية لقاعدة الطلب والعرض وارتفاع الأسعار، فتكلفة الشقة المتوسطة 27 الف دولار، تستطيع الدولة بيعها بستين الف دولار، فتحقق ارباحاً هائلة وتحقق حلم الشباب بإعطائهم تسهيلات معينة ". وأضاف: "ليس فقط في القطاع العقاري، بل كما ذكرت في القطاع التربوي، والصناعي وكل القطاعات الأخرى على الدولة تسخير إمكاناتها من أجل راحة شعبها. وعلى القطاع الخاص العمل على تشكيل لوبي اقتصادي ضاغط لا سيما ان هذا القطاع يضم شخصيات حريصة على الإقتصاد اللبناني نكن لها كل إحترام كرئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير والرئيس التنفيذي لمجموعة شركات إندفكو، والرئيس السابق لجمعية الصناعيين نعمت افرام".