"اتفاق باريس" بين "الترامبية" وخريطة الطريق
قمم المناخ "خدعة".. أم شعار من أجل المستقبل
عقدت الأمم المتحدة مؤتمرها حول المناخ في مراكش المغربية في إطار المؤتمر الأول من نوعه منذ تبني اتفاق شامل في باريس العام الماضي لإبقاء مقدار ارتفاع درجة حرارة الكوكب أقل من درجتين مئويتين. وهدف المؤتمر إلى الاتفاق على قائمة طويلة من الإجراءات الكفيلة بنجاح اتفاق المناخ وتحديد التفاصيل الخاصة بالأهداف التي وضعت في باريس، عندما قدمت الدول تعهدات فردية لخفض الانبعاثات الغازية، التي شملت ضمان التزام الدول بتعهداتها لخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ووضع جداول زمنية محددة وضمان توفر المئة مليار دولار اللازمة سنوياً لمساعدة الدول على مواجهة تغير المناخ. غير أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيحدث زلزالاً خصوصاً بعد وصفه قضية التغير المناخي بـ"الخدعة"، ومتعهداً بانسحاب بلاده من الاتفاقية. هذا القلق أحدث زخماً عالمياً لإدخال اتفاقية باريس حيز التنفيذ، وأصبحت الاتفاقية الآن فعالة وملزمة للدول، ما يعني أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية لن يكون أمراً سهلاً.
تحت شعار "قمة من أجل المستقبل"، انطلقت في مراكش المغربية أعمال قمة المناخ العالمية والتي تعرف بـ "22COP " وذلك في الفترة من 7 إلى 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، شارك فيها ثلاثون رئيس دولة وآلاف المندوبين عن منظمات دولية، وذلك لبحث سبل الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث تراهن الأمم المتحدة على توسيع دائرة الدول المطبقة لاتفاق باريس لمواجهة التغير المناخي.
سعي أممي لأرضية مشتركة
سعت الأمم المتحدة من خلال مؤتمر مراكش إلى وضع أرضية مشتركة من أجل تفعيل اتفاقية باريس والتوافق على القواعد المشتركة لتطبيقها وكيفية تتبع مستويات الانبعاثات الحرارية، وضمان تمويل السياسات المناخية في دول الجنوب، ومعايير تعويض البلدان الفقيرة والمعرضة لظواهر الجفاف والفيضانات.
ويملك اتفاق باريس زخماً قوياً بعد أن أصبح ساري المفعول رسمياً، وحصل الشهر الماضي على تأييد 55 دولة مسؤولة عن نسبة 55% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون، وعلى رأسها الولايات المتحدة (باراك أوباما) والصين والهند. ووقعت 192 دولة على "اتفاقية باريس" في العام 2015، وهي الاتفاقية التي شكلت إطاراً عاماً لسياسات واستراتيجيات التحكم بالتغير المناخي.
في مؤتمر مراكش ليحول اتفاقية باريس، التي دخلت حيز التنفيذ بسرعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الاتفاقيات الدولية، إلى خطط عمل لتحقيق أولويات اتفاقية باريس، وخصوصا ما يتعلق بالتكيف والشفافية ونقل التكنولوجيا والتخفيف وبناء وتطوير القدرات والتحكم بالخسائر والأضرار، التي يسببها تغير المناخ في كل المجالات وعلى المستوى العالمي.
وقد أعطى هذا المؤتمر أهمية خاصة لحاجات الدول الأكثر عرضة لمخاطر وتهديدات تغير المناخ، ولا سيما الدول الأفريقية والدول الجزرية، الأكثر فقرا وهشاشة وعرضة للمخاطر، ويتخذ إجراءات عملية عاجلة في القضايا المتعلقة بالاستقرار والأمن.
المؤتمر الثاني والعشرون هو مناسبة لتشجيع كل البلدان، وخصوصا تلك التي أبرمت "اتفاقية باريس" على السير بالاقتصاد الأخضر، ووضع الخطط الوطنية للتكيف، وتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة والتقدم في تطوير الطاقات المتجددة والنظيفة، وتوفير النمو المستدام واستحداث فرص عمل جديدة.
المؤتمرات استمرارية
يندرج مؤتمر مراكش ضمن استمرارية مؤتمرات القمة العالمية التي تنظمها منظمة الأمم المتحدة منذ اعتماد بروتوكول كيوتو في عام 1997 وعقد أول مؤتمر عالمي حول المناخ في جنيف في سويسرا، بينما بدأت أولى المفاوضات لتعزيز الاستجابة لتغير المناخ في برلين عام 1995 ومنذ ذلك العام تم عقد 21 مؤتمراً أهمها مؤتمر كوبنهاغن للتغيرات المناخية 2009 حيث تمت خلاله الموافقة على الهدف المشترك للحد من الاحتباس الحراري لأقل من درجتين مئويتين، دون التوقيع على أي اتفاق دولي جديد. والتزمت الدول المتقدمة أيضا بتعبئة 100 مليار دولار سنوياً بحلول سنة 2020 لمصلحة الدول النامية للتعامل مع تغير المناخ. وكذلك مؤتمر الأطراف "كوب 17" الذي عقد عام 2011 في ديربان. للتوصل إلى اتفاق قانوني.
وكان اعتماد "اتفاق باريس" مرتقباً في عام 2015 وتنفيذه، اعتباراً من عام 2020، وتمت صياغة اتفاقات كان كون والموافقة عليها في مؤتمر الأطراف في دورته 16.
وأكدت ضرورة خفض الانبعاثات بحيث لا تتجاوز الزيادة في درجات الحرارة العالمية درجتين مئويتين. كما تم خلاله إنشاء صندوق المناخ الأخضر ابتداء من 2010.
وجاء مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2014 الذي نظم في ليما على هامش اجتماعات الجمعية العامة، وهدف إلى بدء الإعلان عن تبرعات من دول المساهمات المقررة على الصعيد الوطني للحد من غازات الاحتباس الحراري قبل عقد كوب 21، واختتم بـ "إعلان ليما" للعمل من أجل المناخ وتأطير دقيق للمساهمات الوطنية التي يتوجب على كل بلد التواصل بشأنها في إطار التحضير لاتفاق باريس.
وكان آخر هذه المؤتمرات هو مؤتمر باريس في كانون الأول/ ديسمبر 2015، والذي خرج باتفاق باريس وتم التوقيع عليه في نيويورك في 22 نيسان/ أبريل 2016.
ويأتي "كوب 22" تكملة لـ "كوب 21" التي أحرزت تقدما مهما، وتندرج هذه الدورة في إطار الجهود المبذولة لبلورة مختلف المحاور المنصوص عليها في اتفاق باريس.
خريطة الطريق
أقر اتفاق باريس نهاية 2015، ووقعته 192 دولة مع مصادقة 100 منها حتى الآن عليه. وتساهم هذه الدول بنسبة 70 في المئة تقريباً في الانبعاثات العالمية. واعتبر الوزير البيروفي مانويل بولغار- فيدال الذي ترأس مؤتمر الأطراف الـ20، وهو مسؤول اليوم في الصندوق العالمي للطبيعة: "بات اتفاق باريس خريطة الطريق لمكافحة التغير المناخي".
ويعني ذلك على الصعيد العملي بت سلسلة مسائل حساسة، منها كيفية متابعة انبعاثات الغازات المسبّبة لمفعول الدفيئة في كل بلد، وضمان تمويل السياسات المناخية في دول الجنوب الذي وعدت به دول الشمال. وتضاف الى ذلك ماهية معايير "التعويض" على الدول الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ والمعرضة لظواهر الجفاف والفيضانات والعواصف مختلفة.
ومن المتوقع سنة 2018، وبصفة طوعية، وضع حصيلة عامة بالالتزامات الوطنية على صعيد خفض الانبعاثات الناجمة خصوصا عن استخدام النفط والغاز والفحم. ومن شأن تحقيق الخطط الراهنة تجنب السيناريو الكارثي المتمثل في ارتفاع حرارة الارض 4 الى 5 درجات، في غياب اعتماد سياسات مناخية. لكن رغم ذلك يبقى العالم على مسار خطر للغاية مع زيادة متوقعة قدرها 3 درجات مئوية، ما يستلزم تعزيز التزامات الدول.
قلق بعد فوز ترامب
ساور القلق مؤتمر مراكش خوفاً بعد فوز دونالد ترامب برئاسة أميركا، وكان قد وصف قضية التغير المناخي بـ"الخدعة"، وتعهد بأن تنسحب بلاده من الاتفاقية حال فوزه في الانتخابات. هذا القلق احدث زخماً عالمياً لإدخال اتفاقية باريس حيز التنفيذ، وأصبحت الاتفاقية الآن فعالة وملزمة للدول، ما يعني أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية لن يكون أمراً سهلاً.
وكان ترامب قد قال في وقت سابق من العام الجاري إنه سوف "يلغي" اتفاقية باريس إذا انتخب للرئاسة، وإن الاتفاق "يضر بالشركات الأميركية" وسوف يسمح "للبيروقراطيين الأجانب بالتحكم في كمية الطاقة التي يستخدمها الأميركيون".
وقالت سيغولين رويال وزيرة البيئة الفرنسية، والتي أدت دورا بارزا في التوصل إلى اتفاقية باريس: "اتفاقية باريس تمنع خروج أي دولة منها قبل مرور ثلاث سنوات بالإضافة إلى سنة هي مدة إشعار مسبق قبل الخروج، ولذلك سيكون هناك مدة أربع سنوات من الاستقرار".
وعلى الرغم من أن أميركا لن تكون قادرة على الانسحاب بسهولة من اتفاقية باريس، فإن تشكيك ترامب في علم المناخ وتصميمه على إحياء صناعة الفحم الأميركية وضع هذا المنطق على تناقض مع غالبية دول العالم.
وقال خالد بوتس من منظمة نادي سييرا Sierra Club البيئية الأميركية: "انتخاب شخص يشكك في علم المناخ مثل ترامب سيجعل أميركا أضحوكة العالم ويضعها في موقف محرج فضلا عن تخلينا عن دورنا القيادي في العالم".