قرر قادة دول " بريكس" ( البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ) في نهاية القمة التي عقدت في ولاية "جوا" الواقعة غرب الهند والتي عقدت في 15 تشرين الأول (2016)، أنهم سيعملون على تقديم المساعدة من أجل دفع الإقتصاد العالمي إلى الأمام، وسيتعهدون في الآن ذاته، بمكافحة الإرهاب، الذي ما زال يمثل مشكلة متفاقمة للمجتمع الدولي.
لطالما شكّلت مقولة "التكتل هو الحل" مقاربة غايتها مواجهة التحديات السياسية والإقتصادية والأمنية. وقد أتى هذا الاجتماع في هذه اللحظة الراهنة، ليُشكّل محطّة تستكمل ما سبقها في هذا السياق. كتب أحد المحللين السياسيين من "مركز أبحاث السياسة" في نيودلهي واصفاً المنظمة بأنها "تمثّل قبل كل شيء رغبة أعضائها بجعل النظام العالمي أكثر توازناً".
لم يتصور خبراء الاقتصاد وصناع السياسة أن "البريكس" قد توحدّ جهودها ذات يوم لبناء منصة إقتصادية مشتركة. فمنذ عام 2001 حين استخدم جيم أونيل من مصرف "غولدمان ساكس" مختصر BRIC لوصف اقتصاديات البرازيل، روسيا، الهند، والصين، رأى انها ستمثل مستقبل الاقتصاد الدولي.
وفي آذار 2013 وخلال قمة "ديربان" في جنوب أفريقيا (بعد انضمامها إلى التجمع)، أعلن قادة "البريكس" بداية عصر جديد في العلاقات الدولية، وأشاروا الى أن "إمكان تطور البريكس لا نهائي"، رغم محاولة دولها دمج نفوذها السياسي والاقتصادي لتشكيل قوة جديدة تنافس عبرها الهيمنة الغربية. وقد أشارت تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن دول «بريكس» ستوظف جهودها مجتمعة لتغدو قوة عالمية قادرة على مواجهة السياسات الانفرادية لبعض الدول الغربية.. بمعنى أوضح، تطمح مجموعة "بريكس" إلى التفوق على مجموعة الدول السبع الكبرى العام 2027. ولذلك رأى البعض في صعود "البريكس" مساراً مناهضاً للهيمنة الغربية وبداية حرب باردة جديدة، فأضحى كل حدث سياسي يفسر بربطه بصراع "متخيّل" بين بلدان "البريكس" والغرب.
لقد عكست استراتيجيات دول «البريكس» في التنمية الوطنية أداءها دور الوسيط بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة خاصة في المؤسسات المتعددة الأطراف. وذلك عبر سياسة بناء التحالفات في المؤسسات الدولية متعددة الأطراف لتبرز كمدافع عن حقوق البلدان النامية عبر استخدام خطاب "عالمثالثي" بطولي في وجه البلدان الغنية.
وهي إذ تسعى الى إحداث إصلاحات في بنية وقواعد الاقتصاد الدولي، ستأخذ هذه الإصلاحات طابع "التعديلية" وليس "الجذرية". بدلاً من السعي إلى نظام دولي جديد تسعى إلى إحداث اصلاحات في النظام الدولي السائد بما يؤمن مصالحها بشكل أفضل. يكمن التوتر بين بلدان "البريكس" وقوى الهيمنة في الفهم المختلف للمعوقات والفرص في النظام الدولي. لذلك يرتبط التوتر بالبنية، حيث ينظر الى موقع الولايات المتحدة البنيوي على أنه يمثل عقبة أمام ارتقاء "البريكس"، وهذا ما يؤدي الى رفض التحالف التلقائي مع الولايات المتحدة. وبالتالي، تسعى "البريكس" من أجل ضمان نجاح تنميتها الوطنية الى تقييد قوى الهيمنة والحد من عدوانية سياساتها عبر المؤسسات المتعددة الأطراف.
يلاحظ أندرو هوريل في قراءته للسياسة الخارجية لدول "البريكس"، أن الولايات المتحدة هي محور اهتمام البلدان الأربعة في بناء وجهة نظرها للنظام الدولي واعتماد الخيارات المناسبة. ويرى أن هذه القوى سعت الى التركيز على سياسات تتجنب العدائية لمصلحة التعاطي الإيجابي في القضايا المشتركة.
إن تقييد الهيمنة الأميركية يقوم ببساطة، ليس فقط، على أن "لا توازن" القوة يؤدي الى زيادة التهديدات العسكرية، بل أيضاً سوف يدفع "لا توازن" القوة الجذري بالطرف المهيمن الى حصر تطبيق القانون الدولي بالطرف الأضعف، ويحرف شروط التعاون بما يخدم أولوياته. لذلك تصبح عملية احتواء الهيمنة الأميركية عنصراً أساسياً في سياسات "البريكس" لدى العديد من المؤسسات وتجاه العديد من القضايا.
لقد أيد القادة تعزيز "بنك التنمية الجديد" أو "بنك البريكس"، بحيث يصل حد الإقراض إلى 5.2 مليارات دولار هذا العام، ويرتفع عدد الموظفين فيه من 60 إلى 350 بحلول العام الثالث من بدء أعماله في تموز 2015 برأسمال مبدئي قدره 100 مليار دولار، ليكون بذلك كياناً موازناً لـ "صندوق النقد الدولي" الذي يُمثل واحدة من أهم أذرع هيمنة النظام الغربي المالي. وقد أضيف إلى قائمة "إنجازات" قمة "بريكس" القرار القاضي بإنشاء معهد "بريكس للأبحاث والتحليل الاقتصادي".
ورأى كاماث أن ثمة مجالا واسعا لتأسيس مصارف جديدة مثل بنك التنمية الجديد والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين، فضلاً عن مؤسسات قائمة مثل البنك الدولي.
هكذا لا عداء جذريا مع الهيمنة وإنما تنافس اقتصادي، وتحالفات البلدان الناشئة وجدت لمنع تحول التنافس الى عداء جذري.
وهكذا، شِقَّان: سياسي واقتصادي، تميزت بهما قمة "البريكس" في منتجع جوا الهندي، وأطلقت الكثير من الرسائل في هذا الشأن، ومنها أن لا خوف على المجموعة الحديثة العهد التي تضم دولها نصف سكان العالم، وحوالى 25 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، رغم الانكماش الذي يصيب عدداً من دولها، وهي روسيا والبرازيل، والتباطؤ الذي يتسم به الاقتصاد الصيني.
وقد اعتبر الرئيس الصيني شي جينبينغ أن "الاقتصاد العالمي لا يزال هشاً، ويواجه انتعاشا محفوفا بالمخاطر"، معتبراً انه "بسبب عوامل داخلية وخارجية في آن واحد، تشهد دول بريكس نموا اقتصاديا بطيئا بعض الشيء، وتواجه عددا من التحديات الجديدة".
في الختام من الضروري الإشارة إلى أن "بريكس" لم تحدد بعد لنفسها هوية مشتركة، ولم تفلح إلى اليوم في إرساء تعاون بين مؤسسات أعضائها. ومن هنا يبرز السؤال الآتي: هل ستستطيع دول "بريكس"، ذات الأولويات والمصالح المتباينة، الإجماع على مسائل دولية شأنها شأن مجموعة الدول السبع؟