"ماراتون" إعمار سورية!؟
تسيل شهية العالم للفوز بعقود إعادة الإعمار في سورية، يوما غن يوم ، وليس مستغربا أن تتسابق الدول المشاركة في الحرب على سورية لتقاسم هذه الـ"جائزة"! ولكن من هو السمسار الذي يتحرك في كل الاتجاهات مثل "الزنبرك" للترويج لخطة الماريشال التي يراد لها أن تضع يد البنك الدولي على هذه الجائزة السورية؟ وكيف ستتعامل دمشق مع هذه الخطة وهي التي أوصدت الأبواب في وجهها منذ عرض البنك الدولي المشروع على الرئيس بشار الأسد وتم رفضه جملة وتفصيلاً؟
فالدول الغربية، وبخلاف ما تُظهِر، أصبحت، الآن، تتسابق لتقدِّم له، من تحت الطاولة، عروضاً مغرية تسعى من خلالها إلى ضمان حصص شركاتها في مقاولات إعادة الإعمار واستخراج النفط والغاز اللذين اكتُشِفَتْ احتياطات هائلة منهما في الساحل السوريّ.
وأعلنت ثلاث جهات عن حلمها بالتقدم للفوز بالجائزة عبر "سمسارها" رغم أن هذه الجهات هي التي مارست التدمير المنهجي لسورية، وهي:
1 ـ الولايات المتحدة الأميركية.
2 ـ الإتحاد الأوروبي.
3 ـ أنظمة الخليج
وبما أن هناك تناغماً وتكاملاً "لا تنافساً" بين هذه المنظومات السياسية الغربية والخليجية فهي ستعمل بالتكافل والتناغم في ما بينها كي تفوز بالجزء الأكبر من "الكعكة السورية"!، ولكن الصدّ السوري أقفل باب المزايدات أمام هذه الجهات.
وبما أن هذه المنظومات كانت تخطط لتمكين ما يسمى بـ "المعارضة" لحكم سوريا لتتمكن بدورها من "لبرلت" الإقتصاد السوري.. فإن سقوط مشروعها جعلها تنتقل إلى الخطة "ب" وهي فرض شروطها لإنهاء تدمير سورية من خلال قبول دمشق بتلزيم إعادة الإعمار لشركاتها الغربية والخليجية !
السؤال: هل تقدمت هذه المنظومات الغربية والخليجية بعروض فعلية إلى الحكومة السورية؟
نعم.. لقد فعلتها وبفظاظة منقطعة النظير !!
أتى العرض الأول "الأوقح" والأكثر صفاقة من الولايات المتحدة الأميركية عبر "البنك الدولي" باسم مشروع "مارشال سورية" !
طبعا لم ترسل الإدارة الأميركية مبعوثا مباشرا للبنك الدولي لمفاوضة الحكومة السورية على مشروع "مارشال سورية".. فالمبعوث "جاهز" بل كان من "أهل البيت" وهل يوجد أفضل و"أصلح" من "أبن البيت" لمهمة كهذه؟
العرض الثاني أتى من الإتحاد الأوروبي تحت عناوين: تنمية محلية، تنشيط المجتمع المدني، مساعدة النازحين، إعادة تأهيل المسلحين، والعمل على إعادة دمج المقاتلين في مجتمعاتهم السابقة، أو الجديدة المستحدثة .
وحسب العرض سيتم تمويل المشروع من قبل مختلف المؤسسات الدولية المعنية ومن قبل الاتحاد الأوروبي مباشرة!
والوكيل المباشر لممثلي الإتحاد الأوروبي المانيا عبر مصرفها "قروض التنمية"الذي أنشئ سنة 1948 بعد الحرب العالمية الثانية، كجزء من خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا !
أما العرض الثالث فهو من أنظمة دول الخليج ويمهد لهذا العرض منذ فترة أمير قطر الجديد، وهو طرق الباب الإيراني لتوجيه رسائل إلى سورية بأنها مستعدة لدفع ثمن سفكها للدماء السورية بالمساهمة في إعادة إعمار مادمرته مجموعاتها التكفيرية!
كما دخلت الإمارات العربية المتحدة بقوة للفوز من "كعكة" إعادة الإعمار تارة من خلال عقد المؤتمرات الخاصة بتمويل مشاريع الإعمار، وتارة بالتسويق لمشروع الدردري الذي يطلقون عليه "مبعوث الغرب والخليج إلى سورية"!
والسمسار الأميركي، هو مدير التنمية الإقتصادية والعولمة في اللجنة الإقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) عبدالله الدردري، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية في حكومة محمد ناجي عطري، قال إن مشروع إعادة إعمار سورية الذي يعمل عليه، يحلل المرحلة الماضية ويحدد التحديات الحالية ويقدم من الناحية الفنية الخيارات المتاحة والأولويات والاحتياجات لمساعدة الحكومة السورية في جهدها لتعبئة الموارد بعد انتهاء الأزمة، حيث تعمل لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا، تحت قيادة الدردري على وضع خطة لإعادة اعمار سورية بعد الحرب.. وذلك بعدما انتقل الأميركيون من خطة "أ" أي فشل كسب الحرب إلى الخطة "ب" أي الإستحواذ على سورية بالإقتصاد عبر بوابة إعادة الإعمار!
الدردري المكلف منذ عام 2012 بمهمة إغراء سورية بقبول مشروع "مارشال سوري" تديره وترعاه الولايات المتحدة الأميركية، كان قد رسم معالم المخطط الأميركي للإنقضاض على سورية من بوابة إعادة الإعمار ليأخذ بالإقتصاد ماعجزت واشنطن عن أخذه بالحرب!
ومثلما أرسلت إدارة بوش الأبن وزير خارجيتها كولن باول إلى الرئيس بشار الأسد لتسليمه عدداً من الإملاءات الأميركية بعد احتلال العراق .. فقد أرسلت الدردري الذي يمكن وصفه هنا بكولن باول السوري كممثل للبنك الدولي.. وكما نعرف فإن البنك الدولي لا يتحرَّك من دون مشيئة الولايات المتَّحدة وإذنها، وقد قدَّم الدردري باسم البنك عرضاً "سخيّاً": قرض بقيمة 21 مليار دولار، بشروط ميسَّرة !وكان الدردري قد كشف للأسد أن لدى البنك الدولي "أي أميركا" رغبة ملحة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار في سورية، إلا أن الأسد رد بحزم على الدردري مثلما فعل مع باول: نرفض هذا العرض جملة وتفصيلا.
لقد أراد الدردري من خلال خبرته وعلاقاته المتشعبة وغالبا الوثيقة والمشبوهة مع الغرب كما مع عدد كبير من رجال الأعمال السوريين.. أراد أن يشكل تحالفات تجارية وإقتصادية ينفذ من خلالها إلى مشاريع إعمار سورية سواء بعلم دمشق أو بالخفية، لذا لن نستغرب أن يتم تأسيس شركات جديدة باسماء وهمية تدار من قبل دول شنت العدوان على سورية منذ أكثر من خمس سنوات!
الكثيرون ممن التقى الرئيس الأسد يعلمون أن لديه تصورا كاملا لسورية الغد، سورية المستقبل، سورية الخالية من أي نفوذ أميركي في مواقع صناعة القرار السوري .
الأميركي جون بيركنز ـ بعدما تقاعد وصحا ضميره ـ اصدر كتابا يكشف فيه أن عمله كمستشار إقتصادي في شركة "مين" الأميركية لم يكن سوى واجهة لعمله الفعلي وهو "قاتل إقتصادي" وانه جرى تدريبه في مراكز سرية لنيل هذا اللقب، وكانت مهمته دائما إغراق الدول النامية بديون غير قادرة على سدادها كي تتحول إلى أداة بيد الأميركيين، وكشف أن الدول التي كانت ترفض الإستدانة يتعرض رؤساؤها اما للإغتيالات أو للحروب المدمرة!