العالم في شهر
حروب الغاز المقبلة
وسام سعد
لم يعد امتلاك السلاح المتطور مصدر قوة اللاعبين الكبار بقدر امتلاكهم لمصادر الطاقة الأساسية: حالياً النفط ومع حلول عام 2030سيكون الغاز هو الوقود رقم 1بحسب توقع خبراء الطاقة.
الصراع على الغاز إذاً، ليس من الأمور البسيطة وخاصة أن النفط العربي في الخليج سينتهي في يوم من الأيام، والصراع المخفي حالياً هو على حقول غاز طبيعية جديدة.. لقد قسّم البريطانيون والفرنسيون منطقة الشرق العربي قبل 95 عاماً باتفاقية سُميت "سايكس بيكو"، وها هم يعملون على تقسيم هذه المنطقة إلى مزيد من الدويلات الصغيرة حتى تكون ضعيفة، فهل بات على العرب دفع استحقاقات حروب الغاز كما دفعوا ولايزالون حتى الساعة الكثير في حروب النفط؟
المعهد الأميركي
انً الاكتشافات المؤخرة لطبقات كبيرة من الغاز والبترول في البحر الأبيض المتوسط (بين اليونان وتركيا وقبرص وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة ومصر) قد تغير بشكل جذري المعادلة الجيوسياسية في المنطقة ومن شأنها أن تجعل المنطقة خليجاً جديداً ويكون سبباً قوياً لفتنة رهيبة فيها.
ومن البيانات التي صدرت في شهر مارس/آذار من عام 2010 عن "الهيئة الأمريكية للمسح الجيولوجي"، والذي اعتبر عند العديد من المحللين المتابعين للشأن الشرق أوسطي بداية لزمن حروب جديدة، وتمثلت تلك البيانات في الإشارة إلى مخزون من الغاز الطبيعي المكتشف في المنطقة الواقعة بين أعلى السواحل السورية وحتى جنوب فلسطين المحتلة وغزة، والذي يقدر بنحو 122 مليار قدم مكعبة، ما يعني أننا أمام الحوض الأكثر ثراء في العالم بالغاز .
استناداً للمعهد الأميركي USGS واعتماداً على معطيات التنقيب والدراسات الجيولوجية فإن الاحتياطيات في هذا الحوض تُقدر 9.7 تريليون م3 من الغاز إلى جانب 3.4 مليار برميل نفط ومع أن الأرقام مشُكك فيها من ناحية المبالغة في تقارير الاحتياطيات فقد بدأ التنافس والصراع الحاد بين البلدان المُتشاطئة حول توزيع الحصص، ولم تنتظر "إسرائيل" انتهاء حل المشاكل قانونياً إذ أجرت عقوداً مع شركات أميركية وأوروبية للبدء في الاستثمار في حوضي "تامار" و" لوياتان" غربي حيفا وبحسب تقديراتها فإنها ستغطي معظم احتياجاتها وستصدرالجزء الفائض للغرب وهناك شكوك كبيرة بإمكانية تحقيق ذلك على خلفية الصراع القائم وتضارب المصالح.
جدل دولي
لعل الجدل الأميركي الروسي اليوم حول سوريا تحديداً يتضح من خلال المصالح البراغماتية في المنطقة، لا استناداً إلى المواقف الأخلاقية، ذلك أن موسكو أرادت أبداً ودوماً أن تبقي واشنطن خارج الفناء الخلفي لها في آسيا الوسطى، وإذ بها تفاجأ باقترابها منها في أفغانستان وجورجيا، ولذا كان الرد السريع في مياه البحر الأبيض المتوسط، وعبر تواجد الأسطول الروسي الباحث عن إعادة أمجاد بطرس الأكبر وكاترين العظيمة .
قبل حوالي السنتين تم التنقيب عن النفط في شرقي البحر الأبيض المتوسط بصورة مكثفة، وتم اكتشاف حقول غاز كبيرة قبالة شواطىء فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا وجنوب جزيرة قبرص.. أسرعت "إسرائيل" إلى قبرص لتوقيع اتفاق لرسم الحدود البحرية معها، وكأن المياه الاقليمية ما بين البلدين هي ملكهما. ودخلت تركيا في هذا الخط (الصراع)، وهددت قبرص إذا بدأت بعملية استخراج الغاز من تلك الحقول قبل الحصول على موافقتها لأن لها حصة في ذلك.. وتحرك لبنان أيضاً، وبدأ يجري اتصالاته ليؤمن حصته من حقول الغاز. وهدد حزب الله بالدفاع عن لبنان مياهاً وأرضاً وجواً، وأضاف هذه المرة "غازاً" أيضاً، أي أن حزب الله سيدافع عن حقوق لبنان في هذه الحقول.
لم تتفوه سوريا بأية كلمة عن الموضوع حتى الآن، فهي تعيش في أزمة، تراقب الوضع عن كثب، وتعرف أنها تستطيع الحصول على حقها لأنها قوية، وتستطيع أن تدعم لبنان للحصول على حصته.. وعدم التحدث في هذا الأمر نابع من سياسة هادئة متزنة للقيادة السورية، لأنها لا تريد الدخول في معارك كلامية وسجالات سياسية عن ما هي حقوقها... فهي قادرة على الحصول عليها عندما يحين العمل الجاد والفعلي لذلك.
الإدارة الاميركية تريد مع "إسرائيل" الهيمنة على حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ولا تستطيع ذلك إذا كانت سوريا قوية، وتدخلت قطر في هذا الصراع لأنها لا تريد أن ترى دولة عربية تنافسها في استخراج وتصدير الغاز، وهي تريد الحفاظ على سوقها من خلال مسايرة الادارة الاميركية، من أجل تأمين وجودها ودخلها النفطي العالي..
ولعل خلفية الصراع الروسي – الأميركي تفوح برائحة الغاز!. وهناك خمسة مشاريع غاز استراتيجية أساسية موجهة نحو الفوز بالسوق الأوروبية. المشروعان الأولان روسيان: السيل الشمالي والسيل الجنوبي ويعتمدان على الاحتياطي الهائل للغاز الروسي.
أما المشروع الأميركي نابوكو: حيث مصدر الغاز تركمانيا وأذربيجان ويمر عبر تركيا إلى أوروبا عبر بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والتشيك وسلوفاكيا وايطاليا.
أخرت بعض الظروف التقنية المشروع الأميركي إلى ما بعد عام 2017 بدلاً من عام 2014 مماجعل السباق محسوماً لصالح روسيا.
يُقدر استهلاك أوروبا من الغاز المسيل ب 500 مليار م3 سنوياً تُغطى بشكل أساسي من قبل روسيا وقطر. تغطي قطرحاليا حوالي ربع احتياج أوروبا ولكنه يتوقع حتى عام 2020 تزايد اعتماد أوروبا على الغاز الروسي لتصل نسبته الـى50% من احتياجاتها الشيء الذي يجعل ارتباط المصالح الأوروبية بروسيا شديداً إلى درجة الخطورة الشيء الذي تقاومه أميركا وأوروبا.
مشروعان متواجهان
ما نود الإشارة إليه هو المشروع الرابع، أي الخط الإيراني- العراقي- السوري حيث وقعت الدول الثلاث في حزيران عام 2011 على مذكرة تفاهم لاستجرار الغاز الإيراني عبر العراق إلى سوريا، طول الخط يقارب 1500 كم، (إيران 225 كم. العراق 500 كم سوريا 500-700 كم) وبعدها يمكن متابعته عبر قعر البحر الأبيض المتوسط إلى اليونان دون المرور بتركيا !، كما يلحظ المشروع امكانية تزويد أوروبا بالغاز عبر المرافئ السورية.
تقدر كلفة المشروع بعشرة مليارات دولار ويجب أن يبدأ الاستثمار بين الأعوام 2014-2016 باستطاعة تصميمية 110 مليون م3 يومياً وهو ما يقارب 40 مليار م3 في العام وقد أعلنت الدول المشاركة في المشروع عن طلباتها من الغاز: العراق 25- 30 مليون م3 يومياً وسوريا 20- 25 مليون م3 ولبنان 5- 7 مليون م3 حتى عام 2020 وجزء من هذا الغاز سيجر إلى الأردن عبر الخط العربي أما حصة أوروبا فتقدر بخمسين مليون م3 يومياً (تقارب عشرين مليار م3 سنوياً) وبذلك ينافس مشروع نابوكو (31 مليار م3 سنوياً) ويمكن أن يكون بديلاً عنه وما يجعل المشروع مستقراً هو الاحتياطي الهائل للحقل الإيراني والذي يُقدر بـ 16 تريليون م3 مايكفي لعدة قرون.
وهناك المشروع آخر، هو الخط القطري وكانت هناك موافقة أميركية على مد خط غاز جديد لنقل الغاز القطري إلى أوروبا بمشاركة تركيا و"إسرائيل" حيث يبدأ الخط من قطر عبر السعودية فالأردن دون المرورمن العراق ماراً من سوريا وفي منطقة حمص- القصير حيث يتفرع الخط إلى ثلاثة اتجاهات: اللاذقية على الشواطئ السورية، طرابلس شمال لبنان وتركيا.
استطاعة الخط غير معروفة تماماً ولكنها تفوق نابوكو وينافس السيل الجنوبي الروسي ويعتمد على الاحتياطي الهائل لحوض الشمال القطري الذي يُقدر بـ 13.8 تريليون م3.
في هذه التشابكات المعقدة بدأ التضارب في المصالح بين التحالف الروسي – الصيني - الإيراني - السوري من جهة وبين الأميركي - الأوروبي - التركي – السعودي - القطري من جهة أخرى في موضوع استخراج الغاز ونقله ودور ذلك في افتعال الحرب وتأجيج الصراع في سوريا.
من هنا يمكن القول أن أحد أسباب الهجمة الدولية على سورية هي السيطرة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وخاصة على موارده الطبيعية وأهمها حقول الغاز. ويُقال أن هذا الغاز قد يكون من النوع "النظيف" أو الجيد..
أخيراً وهذا موضوع قائم بذاته، يتساءل المرء هل كان استئناف التحالف الوثيق بين تركيا و"إسرائيل" مرجعه الغاز؟
هناك توجه سياسي مشترك بين أنقرة و"تل أبيب" للانتقام من دمشق، لكن الغاز كان عاملاً مشتركاً في التسريع بعودة العلاقات، لاسيما بعد التنسيق القبرصي مع "إسرائيل" حول الغاز الأمر الذي دفع تركيا لعدم إخلائها الساحة لخصم لها في الحال وخصوم في الاستقبال، هل هو زمن من حروب الغاز فعلاً وقولاً؟