القطاع المصرفي.. "طائر الفينيق" في مواجهة الضغوطات
كيف يمكن قراءة الواقع الذي تعيشه المصارف في لبنان، وسط اضطرابات المنطقة والضغوط الخارجية؟
سؤال لطالما طرحه المراقبون وهم يقدمون رؤية واقعية وموضوعية للقطاع المصرفي قائلين، إذا كان قائد الجيش العماد جان قهوجي نصف رئيس أمني، فإن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بمثابة نصف رئيس إقتصادي، وهو ما يفسر إيجابية توقعات وكالة التصنيف العالمية فيتش (Fitch Ratings) بأن تبقى ربحية المصارف على مستويات مقبولة ومستقرة في العام 2016. كما أظهرت نتائج المالية للبنوك اللبنانية الثلاثة الكبرى ( بنك لبنان والمهجر، بنك عودة، بنك بيبلوس) نمواً مستداماً في الربحية. فهل سيستمر "طائر الفينيق" المصرفي اللبناني في النجاة من مطحنة الضغوطات ونزاعات الفوضى التدميرية في المنطقة؟ أم سيبقى متأقلماً مع الأوضاع المضطربة، باعتماده استراتيجيات محافظة، وتنويع محافظه الإئتمانية، هذا إضافة إلى الجهود الرقابية الكبيرة لتعزيز استقرار هذا القطاع؟
لا شك أن عدم الاستقرار الإقتصادي الذي تعاني منه المنطقة، فضلاً عن مفاعيل الأزمة السورية، سدّد ضربة إلى الإقتصاد اللبناني، ما أدّى إلى تفاقم المشاكل التي يعاني منها وإلى كشف نقاط ضعفه الداخلية وهشاشة بنيته وأدائه، وفي غياب أي خطة حكومية لمواجهة الأداء الإقتصادي المتدهور. ونظراً إلى المعوِّقات المالية التي تواجهها الحكومة - فضلاً عن الإنقسامات الداخلية - ليس واضحاً كيف سيتمكّن لبنان من الخروج من تحديات الأزمة الإقتصادية الخانقة؟
ومن أهم التحديات تشير إلى أن تعرّض المصارف اللبنانية للديون السيادية سيحمِّلها مخاطر تهدّد جدارتها الإئتمانية ويربط تصنيفها بتصنيف لبنان (B2 سلبي). وبحسب تقديرات " وكالة "موديز" لخدمات الإئتمان المصرفي"، سيسجل العجز المالي 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوسط في العامين 2016 و2017، وقد توقعت الوكالة استمرار ضعف البيئة التشغيلية للمصارف اللبنانية. مشيرة إلى أنها ستؤدي إلى بطء التوسع الإئتماني وتزيد من الضغوط على جودة الأصول في المصارف، وكذلك انكشاف هذه المصارف العالي والمتزايد على الدين السيادي.
وعلاوة على ذلك، توقعت وكالة التصنيف نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.7 في المئة خلال العام2016(في العام 2015 كان 1.3 في المئة)، أي أقل بكثير من المتوسط بين العامين 2007-2010 (9 في المئة)، في حين أن عدم الاستقرار السياسي والصراع الإقليمي سيستمران في التأثير على الاستثمار الخاص، وثقة المستهلك، وعلى قطاع البناء والتشييد والتجارة. وهذا بدوره سيرفع من الضغوط على جودة الأصول للمصارف، مع تقدير "موديز" بأن خسائر القروض ستبقى مرتفعة بين 1 و1.5 في المئة من إجمالي القروض، بينما تزداد القروض المتعثرة إلى أكثر من 5 في المئة من إجمالي القروض، فيما كانت سجلت مع نهاية العام 2015 ارتفاعاً بنسبة 4 في المئة.
وبالرغم من هذه الضغوط، تلاحظ "موديز" أن مستويات رأس المال ستظل مستقرة على نطاق واسع، بدعم من تنفيذ اتفاقية "بازل 3" مع الاحتفاظ بالأرباح ونمو محدود للموجودات، على أنها ستبقى عرضة لخطر الهبوط.
لبنان الذي عرف منذ الخمسينيات بالسوق المصرفية العربية، هل سيستمر في دوره المصرفي أم ستدفعه أزمات المنطقة إلى الركود ريثما تنجلي الأمور ويعود القطاع المصرفي اللبناني كطائر الفينيق للنهوض من جديد؟