كيف استوعبت ميركل اللاجئين وخذلهم العرب؟
الإقتصاد الألماني من "الحيوية" إلى "الواقعية"
تعتبر ألمانيا من أكثر الدول حيوية في القارة الأوروبية، إذ تفتخر بمعدلات البطالة المتناقصة، وأيضاً بوجود أفضل الشركات لديها على مستوى العالم. لكنها في العام 2016 ستتحول من مرحلة الافتخار باقتصادها المتين إلى مراجعة الحسابات لوضع الحلول لاقتصادها لاستيعاب اللاجئين السوريين بعدما خذلهم العرب.
فأيها اللاجئون اذهبوا إلى أي مكان. أبواب "الهولوكوست" مشرعة امامكم. لا تقتربوا منا يقول العرب حتى لا تصل الينا عدوى الصرخة، وعدوى الأنين، مادام بالإمكان تغطية الجمر، وتغطية الإعصار، بالقش أو بالخزف.
قناعة العالم أن الألمان لا يشبهون الآخرين... اللحظة القاتلة لهم حين كانوا يفكرون بأنجيلا ميركل، كيف يمكن لامرأة ألمانية أن تقود الاتحاد الأوروبي؟ حتى أن "الفايننشال تايمز"، الصحيفة البريطانية المقدسة، كانت تتحدث إبان الأزمة اليونانية بارتياب عن القاطرة الألمانية، حتى أن الفيلسوف الفرنسي جاك آتالي تساءل عن السبب الذي يجعل بلداً مثل ألمانيا تنتج كبار الفلاسفة، فيما لا تنتج روسيا سوى كبار الروائيين؟
وتعتبر ألمانيا قاطرة الاتحاد الأوروبي الإقتصادية، وهي عبارة لطالما ترددت عند الحديث عن الدور الأوروبي لألمانيا في السنوات التالية لتطبيق معاهدة شينغين للوحدة الأوروبية عام 1995، غير أن هذه العبارة أصبحت الآن بفعل متغيرات عديدة جزءا من الماضي بعد تحول ألمانيا الغنية وذات الإقتصاد القوي والمسيطر على منطقة اليورو، إلى فرض شروطها على شركائها الأوروبيين وتقييدهم بسياسات تفرضها عليهم لقاء منحهم مساعدات وقروضا.
وفي كل الإجراءات الإقتصادية المصاحبة لمسيرة الوحدة الأوروبية برزت ألمانيا كمستفيد، فهي المستفيد الأكبر من إطلاق اليورو عام 2002 ، وحتى خلال أزمة الديون السيادية المتفاقمة التي تعصف بمنطقة اليورو وتهدد بانهيارها، جنت ألمانيا مكاسب طائلة ناهزت 167 مليار يورو، ربحتها من أخذها قروضا من الأسواق المالية بفائدة منخفضة، وبيعها بعد ذلك بفائدة مرتفعة لدول اليورو المتعثرة. وفي هذا السياق حاول الألمان التوفيق بين الحداثة والواقعية في التغيير. وهو ما جنب الشركات الألمانية ويلات الإفلاس بل وأمكنها من اكتساب المناعة اللازمة لمقارعة المد الصيني من جهة وآثار الأزمات من جهة أخرى.. ولعل آخر هذه الأزمات مسألة اللاجئين التي بدأت تضغط على الداخل الألماني.
وكرس هذا الواقع الجديد ألمانيا كمتحكمة بالسياسة المالية والنقدية لمنطقة اليورو، وكمسيطرة من خلال الإقتصاد على أوروبا، وهو ما فشلت ألمانيا النازية في تحقيقه بالحديد والنار.
أما الإنجازات التي توصلت إليها ألمانيا الحديثة فتكاليفها ليست باهظة ولا تعتمد على القوة العسكرية وإنما تعتمد على القوة الإقتصادية البحتة. وقد استغلت ألمانيا وضعها الإقتصادي المريح نسبيا في زمن الأزمة لتحكم سيطرتها على منطقة اليورو وذلك بإملاء سياساتها النقدية والإقتصادية وتقويض مجال القرارات السيادية للدول الأطراف في منطقة اليورو بما في ذلك على دول كبيرة كإسبانيا وإيطاليا وهذا ما لم تحققه بجيوش النازية الضخمة.
وكان مؤشر معدل البطالة قد أظهر في البلاد انخفاضاً من 11.7 في المئة في العام 2005 إلى 6.7 في المئة في العام 2014، لذا تعد من الإقتصادات الأكثر توازناً أوروبياً. ولكن بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دعا خبراء اقتصاد ألمان إلى إجراء مفاوضات عاجلة للحد من الخسائر الإقتصادية الناجمة عن هذا القرار البريطاني. وأعرب رجال الصناعة الألمان عن أسفهم لهذا القرار مطالبين بعدم عرقلة حركة البضائع مع بريطانيا، إذ تتوقع الصناعة الألمانية وقوع "تراجع حاد وشيك" في التجارة مع بريطانيا. وقال ماركوس كيربر المدير التنفيذي لاتحاد الصناعة الألماني "نتوقع تراجع التبادل التجاري مع بريطانيا بشكل ملموس خلال الأشهر المقبلة، ومن المستبعد بشكل كبير توجيه استثمارات مباشرة جديدة من ألمانيا إلى بريطانيا".
من جهة أخرى، تحاول برلين أن تقف سداً منيعاً أمام الزحف الصيني في أوروبا بخلق سياسة موحدة تقودها هي وفرنسا في سياق ما يسمى بالمحور الألماني الفرنسي، ولهذا ترفض ألمانيا مشاركة الصين بشكل مباشر في حل أزمة الموازنات في أوروبا. وفي المقابل تسعى ألمانيا إلى الحفاظ على علاقة متميزة مع الصين التي تعتبر مرتعا لشركات التصدير الألمانية.
أما بالنسبة إلى الحليف الإستراتيجي، الولايات المتحدة، فقد فهمت الأخيرة الدرس من الرفض الألماني لتمويل حروبها كما حدث في حرب العراق، ولهذا تحاول واشنطن إشراك الألمان في العمليات العسكرية، وهذه إشارة واضحة إلى أن الدور الألماني قد أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها.
ومن جانبها تحاول ألمانيا تفادي الاستثمارات العسكرية الضخمة والمكلفة لقناعتها بأنها لا تجدي نفعا، وأن الأنسب لها هو توظيف القوة الإقتصادية كورقة ضغط على الشركاء لفرض خياراتها.
ماذا عن العرب، يتساءل خبير في العلاقات العربية الألمانية؟ الموسيقي الفذ الذي يكره اليهود حتى عظامه، وينبشونها بين الحين والآخر، ريتشارد فاغنر اعتبر أن الدخول في الشرق هو الدخول في الله "الأقل تعقيداً مما نظن".
ختاماً: إن ما حققته ألمانيا بفضل قوتها الإقتصادية يفوق بكثير انتصارات ألمانيا النازية التي كبدت البلاد وأوروبا تكلفة باهظة من حيث حجم الخسائر المادية والبشرية وما أحدثته من شروخ عميقة في العلاقات الأوروبية، وما جلبته من عار للألمان وخلقته لهم من عقدة كبيرة سعوا للبدء في التخلص منها تدريجيا بعد إسقاط حائط برلين الشهير وإتمام الوحدة الألمانية وإنهاء الحرب الباردة.
كادر
من هي ميركل؟
كتبت الصحافية الألمانية باتريشيا ليسنير كراوس في كتاب صدر مؤخراً لها يتحدث عن السيرة الذاتية لأول مستشارة ألمانية وحمل عنوان: "ميركل.. السلطة.. السياسة" كتبت أن أول مستشارة في تاريخ ألمانيا عملت أثناء دراستها الفيزياء كنادلة في في إحدى الحانات. وكانت ميركل خلال مرحلة المراهقة الطالبة الأولى على مدرستها وكانت ترغب في أن تصبح معلمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبها بها. لذلك فقد درست الفيزياء ومارست عملا لبعض الوقت في حانة.
قالت ميركل "نعم، عملت نادلة في حانة... كنت أحصل على أجر يتراوج بين 20 و30 فينينج عن كل مشروب ابيعه وهذا منحني دخلا إضافيا تراوح بين 20 و30 ماركا في الأسبوع. هذا ساهم إلى حد كبير في دفع الإيجار." وأضافت ميركل التي درست في لايبزيج من عام 1973 وحتى عام 1978 "مع الأخذ بعين الاعتبار أن أجري كان 250 ماركا /قرابة 15 دولارا/ في الشهر.. فقد كان هذا الدخل الإضافي هام للغاية".
ولم تنخرط ميركل في الحياة السياسية إلا بعد سقوط حائط برلين في عام 1989 حيث عملت في البداية في المساعدة في ربط أجهزة الحاسوب في مكتب حزب ديمقراطي جديد ثم التحقت في ما بعد بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل شهرين من توحيد ألمانيا.