البريكس... تكتل عابر للأحادية
ظهرالبريك لأول مرة كمفهوم إقتصادي في عام 2001، على يد جيم أونيل من مؤسسة غولدمان ساكس وكلمة "BRIC" ترمز الى الأحرف الأولى لتسميات الدول الأربع المؤسسة وبعد انضمام جنوب أفريقيا زيدَ حرف S لتصبح "BRICS". وتنبأ عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية بأن يتفوق الحجم الإجمالي لاقتصادات هذه البلدان في عام 2050 على المؤشرات الاقتصادية لمجموعة الدول السبع الكبرى أما بحلول عام 2025 فسيتقدم على اقتصاد الولايات المتحدة، وقد انتشرت تسمية "بريكس" بصفة واسعة وسريعة إلى درجة أنها أصبحت اليوم جزءاً من المصطلحات المتداولة في التحليلات الاقتصادية .
غير أن لهذه الدول الخمس رابطاً ثقافياً هاماً، وهو أنها لا تنتمي إلى "دائرة الحضارة الغربية"، بل تشكل مزيجاً متميزاً من حضارات مختلفة، حيث قمة الحضارة الشرقية العريقة: الهندوسية في الهند والبوذية في الصين، والحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معاً في روسيا، والحضارة الغربية اللاتينية في البرازيل التي يتميز شعبها بثقافة وفنون متميزة كثيرا حتى عن الدول المحيطة بها، والحضارة الأفريقية في جنوب أفريقيا، لكن المؤكد أن الرابط السياسي الذي يربط هذه الدول الخمس، والذي على أساسه نشأت هذه المجموعة، هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، هذه الهيمنة التي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني الكثير من أجل الخروج منها.
تحولات عالمية
انعقدت قمة البريكس الخامسة (26 آذار/مارس 2013) على ايقاع تغييرات وتحولات سياسة واقتصادية يشهدها العالم اضافة الى ان العالم يقع ويتوزع على فوالق من الازمات وبؤر التوتر في عدد من مناطق العالم وخاصة في منطقة الشرق الاوسط وشبه الجزيرة الكورية وشمال أفريقيا اضافة إلى الأزمة المالية العالمية التي لا تزال آثارها تثقل كاهل الاقتصادات الغربية
جاءت هذه القمة في جنوب أفريقيا اي في قلب القارة السمراء ولاول مرة وهذا ذو ابعاد جيوـ استراتيجية في ظل السباق الأميركي – الصيني والروسي المحموم على النفوذ والتجارة في القارة علاوة على أن جنوب أفريقيا تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي تشرف علي المحيطين: الأطلسي غربا والهندي شرقاً من ناحية الجنوب عبر طريق رأس الرجاء الصالح اضافة إلى ما تمثله افريقيا من ثقل اقتصادي ومالي وخاصة كسوق استهلاكية وحجم الموارد والثروات الطبيعة إضافة الى اليد العاملة فيها ومساحتها الشاسعة.
بنك التنمية
ووفقا لما ذكر صندوق النقد الدولي، فإن التقديرات تشير إلى أن المجموعة الخماسية التعاونية، والتي تشكل قرابة ثلث سكان العالم وتمثل مايزيد على ربع مساحة المعمورة، حققت ناتجا محليا إجماليا إسميا مجمعا يقدر بحوالى 13,6 تريليون دولار أميركي عام 2011، وهو ما يقدر بـ 19,5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العالم، وقد نمت التجارة في ما بين دول البريكس بمتوسط سنوي نسبته 28 في المائة من 2001 إلى 2010 ووصلت إلى 239 مليار دولار في 2010، لتمثل نسبة أكبر بكثير من التجارة الدولية، وفي ضوء ذلك ستتجاوز البريكس الدول الغربية الأكثر تقدما، وفى الوقت ذاته، تصبح البريكس أكثر جذبا لرأس المال الدولي غير المستخدم، وهو ما سيبرهن على قدرتها التنافسية المتصاعدة. وحسب يوري موسيكين، نائب عميد معهد الاقتصاد والأعمال العالمية في موسكو، فإن البريكس تجذب رؤوس الأموال "الساخنة" من المناطق الأخرى، حيث لا تستطيع تلك الموارد المالية إيجاد موطئ للاستثمار، وتعتبر أسواق البريكس أكثر جذبا للشركات بسبب تمتعها بقوة عمالة أرخص".
وبالرغم من أن قادة دول مجموعة الـ"بريكس" كانوا متفقين على تأسيس بنك تنمية لإحداث توازن مع المؤسسات المالية التي تسيطر عليها دول غربية، إلا انهم فشلوا في الاتفاق على أي تفاصيل حول البنك، بما في ذلك توزيع الإسهامات المالية أو مكان المقر، وذلك في ختام قمتهم في دوربان في جنوب أفريقيا، الأربعاء (26 ـ 27 آذار/ مارس 2013).
وكان من المفترض أن يبدأ المصرف الجديد برأسمال قدره 50 مليار دولار بحسب الدراسات، أي 10 مليارات لكل دولة.
تنمية وازدهار
شكل مصطلح التنمية والإزدهار هدفاً مشتركاً تعمل على تحقيقه مجموعة دول البريكس، كما أن آلية تعاونها لا تستهدف أي بلد، ولا تطعن في أي نظام، ولا يزال واقع النظام الاقتصادي العالمي قائماً على هيمنة البلدان المتقدمة.
وتعتقد مجموعة "بريكس" أن النظام الاقتصادي العالمي القائم الآن غير معقول وغير عادل، حيث تم تصنيفها على قائمة البلدان ذات الأسواق الناشئة بسبب تأخرها صناعيا، كما أن دول مجموعة "بريكس" لم تستطع التكيف بشكل جيد مع تغيرات النمط الاقتصادي العالمي فحسب، بل إن التغيرات لا يمكن أن تعكس احتياجات إعادة الهيكلة الاقتصادية بصورة مشتركة لبلدان الأسواق الناشئة أيضا.
ورغم أن نسبة النمو في البلدان الخمسة انخفضت في سياق الأزمة العالمية، إلا أن مستوياتها لا تزال مدهشة (8 بالمائة في الصين، 7 بالمائة في الهند والبرازيل وروسيا). وبالمقارنة لا يتجاوز معدل النمو في البلدان الصناعية التقليدية 1,6 بالمائة حسب بيانات البنك الدولي لعام 2011 .
لقد هيمنت القوى الاقتصادية الغربية التقليدية، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تمتعت بكلمة أقوى في المنظمات المالية العالمية الرئيسية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لوقت طويل على النظام الاقتصادى الحالي، وبيد أن تأسيس مجموعة البريكس وحجم تنميتها السريع يزيدان من وتيرة التحول التدريجي في التوازن الإقتصادي العالمي من الدول المتقدمة إلى الدول الصاعدة، وكذا يدعم الحاجة إلى تسريع تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد، والاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب لإحداث توازن أمام القوة المطلقة للدول الصناعية.
مواجهة الحقيقة
يتعين على الدول المتقدمة الآن أن تواجه الحقيقة وهي أن المشهد الاقتصادى والسياسى العالمى قد تغير، وأن النظام الاقتصادي التقليدي يفسح الطريق أمام نظام جديد أكثر عدلا وتوازنا ومعقولية، وقد أخذت مجموعة البريكس طابعا مؤسسيا بالتدريج عبر تنظيم قمم سنوية وتوسيع العضوية وتعميق التعاون، وتطورت من مجرد مفهوم اقتصادي إلى آلية متعددة الأطراف للتعاون لا يمكن تجاهل قوتها. وأظهر تقرير غولدمان ساكس في 2009 انه منذ بداية الازمة المالية العالمية عام 2007، أصبح 45 في المائة من النمو العالمي يأتي من البريكس. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة، بصرف النظر عن تأثير الأزمة المالية العالمية، وصل إلى 7,1 في المائة في العام الماضي ومن المتوقع أن يصل إلى 6,4 في المائة فى العام الجاري.
وتستحوذ دول البريكس اليوم على نحو 18% من الاقتصاد العالمي، وأكثر من ثلث مبيعات الأسواق العالمية، ويتوقع أن تتجاوز نسبة مساهماتها الإجمالية 50% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي بحلول 2020.
قيادة موحدة
وافقت الدول الخمس في مناسبات عديدة، على موقف موحد بشأن القضايا الدولية الرئيسية، وعلى سبيل المثال، أكدت الكتلة في إعلان سانيا الحاجة إلى إصلاح شامل للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي سعيا إلى تحسين تمثيل أصوات ومصالح الاقتصادات الصاعدة .وهي بدت عازمة اليوم على إظهار قيادة موحدة على مستوى مجلس الأمن، لممارسة ضغوط فاعلة من أجل التزام الجميع بمبادئ القانون الدولي، وحماية حقوق الأفراد والجماعات، واحترام سيادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وصيانة استقلالها ووحدة أراضيها.
والخلاصة هي أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي يعيش مرحلة انتقالية، حيث تعيد دول البريكس إرساء قواعد هذا النظام العالمي الجديد بعيدا من إيقاع اللاعبين التقليديين الذين أرسوا نظاما عالميا غير عادل، للأسف الشديد، يكرس لاستمرار الفجوة بين الأغنياء والفقراء واتساع تلك الفجوة، ولا يسمح بأي دور يمكن أن تؤديه قوى صاعدة غيرها، ولكن هل تستطيع مجموعة دول البريكس أن تغير قيادة الاقتصاد العالمي؟ وهل تكون قمة البريكس الخامسة "السيبة" التي سيرتكز عليه النظام العالمي الجديد! وماذا لو اضفنا الى تلك الدول قوى اقليمية ودولية اخرى كايران وفنزويلا! وماذا لو انشأت سوريا العراق ولبنان والأردن، اتحاداً اقتصادياً سياسياً، وانضم الى دول البريكس؟ وماذا لو تم تزويد مصر بالغاز الروسي فكيف ستكون صورة العالم حينها؟
الإجابة هي أن قيادة الاقتصاد العالمي ينتزعها من يمتلك أقوى قوة اقتصادية عالميا، وجميع المؤشرات المتاحة بين أيدينا تشير إلى أن هذه الدول في طريقها إلى ذلك.
البريكس: روسيا هي رأس هذه المجموعة والصين جسدها والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا أطرافها