
كشف بنك الإعتماد اللبناني بدراسته لتحليل ديناميكيّة الدين العام اللبناني أن الدين العام اللبناني قد نما بمعدّل سنوي مركّب بلغت نسبته نحو 40% بين عام 1993 و1998 فإرتفع من 3.39 مليار دولار إلى 18.56 مليار دولار علماً إنّ النفقات الرأسماليّة شكّلت ما بين الـ8% والـ9% من الناتج المحلّي الإجمالي بين 1994 و1998 مقارنةً بنسبة تراوحت بين الـ1% والـ2% في أوائل العقد الماضي.
كما إنخفض معدّل الإستدانة بين 1998 و 2015 نتيجة نجاح الحكومة بإعادة تمويل ديونها القائمة بكلفة أدنى، مستفيدة من مؤتمرات الدول المانحة كمؤتمرات باريس. وقد إستنزفت التحويلات إلى مؤسّسة كهرباء لبنان الماليّة العامّة، فبلغت قيمتها الإجماليّة 16.85 مليار دولار خلال 1992 و2015 مشكّلةً حوالي 23.96% من إجمالي الدين العام مع نهاية العام 2015.
في يومنا هذا ، يعتبر القطاع المصرفي اللبناني المموّل الرئيسي للحكومة إلاّ أنّه نجح بتخفيض حصّته من إجمالي الدين العام من 59.3% في العام 2013 إلى 53.8% في العام 2015. وتمكّن القطاع المصرفي اللبناني من تقليص حجم تعرّض ميزانيّته للدين العام اللبناني مع إنخفاض حصّة التسليفات إلى القطاع العام من 26.96% من أصول القطاع المصرفي المحلّي في العام 2008 إلى 20.32% في العام 2015 و20.35% في شهر نيسان 2016. وقد توزّع الدين العام اللبناني في الماضي بالتساوي تقريباً بين دين بالعملة المحليّة ودين بالعملات الأجنبيّة، إلاّ أن الفترة الأخيرة قد شهدت إرتفاع في حصّة الدين بالعملة المحليّة علماً أنّ إصدار الدين بالعملة الأجنبيّة يتطلّب موافقة البرلمان وهو الأمر الذي كان من الصعب تأمينه في السنوات الأخيرة.
في الوقت الحاضر، يبلغ حجم الدين العام الإجمالي 71.65 مليار دولار (نيسان 2016) مشكّلاً نسبة 139% من الناتج المحلّي الإجمالي، الأمر الذي ينذر بالخطر خصوصاً أن لبنان يحتلّ المرتبة الرابعة على لائحة الدول الأكثر مديونيّة حول العالم بحسب أرقام وكالة الإستخبارات المركزيّة (CIA World Factbook).
والرقم لا يأخذ بعين الإعتبار بعض المبالغ الكبيرة المستحقّة من قبل الحكومة إلى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والمستشفيات والمتعهّدين والتي إن تمّ إحتسابها ترفع حجم الدين العام الإجمالي إلى ما فوق الـ74 مليار دولار. إنّ هذا النمط غير قابل للإستمرار، ويدعو إلى إتّخاذ إجراءات فوريّة من قبل الحكومة من خلال تدابير إصلاحيّة يمكن أن تتّخذ أشكال عدّة مثل الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص وترشيد الإنفاق والإصلاحات الماليّة والهندسات الماليّة.
امّا بالنسبة للشراكة بين القطاعين العام والخاص فإنّه من الممكن تطبيق هذا المفهوم بهدف خفض العجز في الماليّة العامّة، وخاصّة في مجال استكشاف واستخراج إحتياطات النفط والغاز في مياه لبنان الإقليميّة والتي تمّ إكتشافها في المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان، والتي من المقدّر انّها ستؤمّن حوالي 1.85 مليار د.أ. على شكل إيرادات للحكومة خلال العام الأوّل للإنتاج مع إمكانيّة أن يرتفع هذا الرقم إلى 3.66 مليار دولار في السنة العشرين من الإنتاج وفقاً لتقرير أعدّته سابقاً وحدة الأبحاث الإقتصاديّة في بنك الإعتماد اللبناني..
كما يعتبر ترشيد الإنفاق ضروري لإحتواء العجز في الماليّة العامّة، إلاّ إن تطبيقه سيكون صعباً جدّاً من دون إقرار الموازنة العامّة، علماً أنّ آخر قانون موازنة قد تمّ إقراره في العام 2005. وتبرز الإصلاحات الماليّة مثل مكافحة التهرّب الضريبي وتحسين تحصيل الضرائب كبديل آخر قابل للتطبيق، مع إحراز بعض التقدّم في مجال الدفع الإلكتروني مع قيام وزارة الطاقة والمياه بتوفير هذه الخدمة للمشتركين الراغبين بدفع فاتورة المياه، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الماليَة التي أتاحت الفرصة لدفع ضريبة الأملاك المبنيَة إلكترونيّاً. إلاّ إنّه يبقى من الضرورة أنّ يتمّ وضع حدّ لحالة الشلل السائدة على صعيد السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة ليأخذ مشروع التحوّل إلى الحكومة الإلكترونيّة مداه. أخيراً، يمكن اللجوء إلى جولات عدّة من الهندسات الماليّة كتلك التي حصلت مؤخّراً بين وزارة الماليّة ومصرف لبنان والمصارف وذلك بهدف الحدّ من العجز في الماليّة العامّة وكبح جماح الدين العام المتزايد.