تعاني الدول النامية ومنها الدول العربية من مشكلة الديون الخارجية والتي تتفاقم بمرور الزمن حيث تهدد برامج الإصلاح الإقتصادي والتي سعت معظمها الى تطبيقها من أجل تحقيق مفهوم التنمية الإقتصادية الشاملة، ما يعود بالنفع على الشعوب عبر ارتفاع مستوى الدخل، وبالتالي ارتفاع مستوى المعيشة الذي يؤدي الى حدوث رفاهية إقتصادية.
وعلى الرغم من ارتفاع قيمة المديونية الخارجية للدول العربية حيث كانت مضطرة إليها من أجل استغلالها في تحقيق برامج التنمية المختلفة، الا أنها لم تحقق ما كانت تأمله من وراء ذلك وأصبحت في حيرة من أمرها، فلا هي حققت التنمية المطلوبة ولا هي أصبحت قادرة على سداد المديونية الخارجية أو الداخلية، ما أدى الى ارتفاع قيمة الديون مجتمعة الى نحو ... بليون دولار. إضافة الى ارتفاع قيمة خدمة الدين التي بلغت نحو 450 مليون دولار كتكلفة إضافية. وهنا تثار تساؤلات عدة حول الأسباب التي تضطر الدول العربية الى الاستدانة.
ما حجم الديون العربية الخارجية الحقيقية؟ وما مقدار أعبائها؟ وماذا تقول هذه الأرقام عند مقارنتها بالمداخيل العامة للدول العربية؟
الدين العام في البلاد يتصدّر الأنباء أحياناً ويُنسى أحياناً أخرى. في الأوقات العصيبة مثل تلك التي عاشتها مصر في العام 2012 ودبي في العام 2008، تبدو المديونية العامة مهيمنة على الحياة اليومية وتأخذ الأولوية في سياسات الحكومات، على حساب المواطن أولاً وأخيراً. الدين العام ذو جزئين: جزء بالعملة الوطنية، يسهل التحكّم به من طريق السياسات المالية المعتمدة، وجزء بالعملات العالمية وهو دين يصعب التحكم به، وقد يسبب أزمات مالية عند الاستحقاق، ويهدد النمو الإقتصادي.
أي دولة منتجة (للسلع أو للطاقة أو للعمالة أو للمهارات) قادرة على الاستدانة من السوق العالمية، حسب تصنيفها الإئتماني، ولا سيما لاستعمال الأموال المستدانة في تحسين الخدمات التعليمية والصحية، بالإضافة إلى البنى التحتية، الأعمدة الثلاثة لاقتصاد مواكب وديناميكي. الدين بالعملة المحلية يأتي كخطوة ثانية، بعدما تكون الدول قد استقطبت رؤوس الأموال، لكون سياستها المالية واعدة. هذه المعادلة مرتبطة أيضاً بالشفافية، وبالاحتياطي في البنوك، وبدرجة الفساد و/أو الكفاءة في الإدارة المالية. إذ كانت هذه الأعمدة الثلاثة إيجابية، تصبح العملة الوطنية متينة وتكون المصدر الأول لتمويل الإقتصاد مع استقلالية وقدرة على التحكّم بالمستقبل.
الدين ضرورة للنهضة الإقتصادية ويدخل ضمن وسائل تمويل الحكومات. لكنه يشكل أيضاً إحدى وسائل فرض الضرائب، ولا سيما في البلاد العربية حيث النظام الضرائبي والجباية يواجهان مشكلة التحصيل مقارنةً بالدول الصناعية. فعندما تستدين حكومتك تفرض ضريبة مباشرة على مستوى معيشتك وعلى مستقبل مواطنيها. مع ذلك، أن تكون الدولة مديونة، لا يعني بالضرورة أنها دولة تعاني من أزمات.
"الدين لكل فرد" مؤشر يقسّم البلاد العربية إلى 3: دول قوية قادرة على أن تسديد ديونها بفضل مواردها وهي تستثمر بشعبها وببنيتها التحتية وترى في الدين فائدة على الرغم من كلفته. دول لا تملك أي دين لأنها ليست قادرة على أن تستدين وأنظمتها مصنّفة "مارقة" من قبل النظام العالمي. ودول غير مديونة مع أنها قادرة على أن تستدين، ولكنها مقتنعة بنظاميها الصحي والتعليمي وببنيتها التحتية.
لبنان يتصدر لائحة الدول العربية المديونة ويحتل المركز التاسع عالمياً. استندت الدولة إلى مواردها البشرية وتحويلات المغتربين لحساباتها، بالإضافة إلى أملها بالاستقرار، ليعود لبنان مركزاً خدماتياً رائداً. ولكن مع تعثر الوضع الأمني، وجد لبنان نفسه يغرق في دوامة كلفة الدين التي باتت تشكل جزءاً كبيراً من الموازنة، على حساب الإنفاق الداعم للسياحه والصناعة والاستثمار في المواطنين.
تعتبر ليبيا، من جهتها، أقل دولة مديونة في العالم العربي، ويعود ذلك الى عوامل عدّة منها بشكل أساسي توفر السيولة المتراكمة، ولكن أيضاً، عدم إقبال المستثمرين على التعامل مع ليبيا، وعدم اكتراث النظام السابق بالاستثمار في الموارد البشرية الوطنية والبنية التحتية. بذلك، يكون الوضع في البلدين (لبنان وليبيا) مختلفاً تماماً عن المثال التركي، حيث كانت الاستدانة بهدف القيام بنهضة إقتصادية مدروسة.
في الأردن، حيث بلغ الدين العام حوالى 27 مليار دولار، أنفق 10.6% فقط من الميزانية في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2013 على الاستثمارات الرأسمالية، في حين أنفق الرصيد في الميزانية العامة، أي بما لا يشكّل استثماراً في البنية التحتية. في المقابل، نرى الإنفاق الاتحادي في الإمارات موجهاً إلى الخدمات الإجتماعية والتنموية، التي تستحوذ على نصف الموازنة، بالإضافة الى مخصصات عالية للإنفاق العسكري.
تشكل تركيا المثال الكلاسيكي بالنسبة إلى السياسة النقدية المعتمدة على الدين، فهي نهضت صناعياً بعدما وصل الدين العام إلى 80 بالمئة من الناتج القومي، ولكن حسن توظيف الديون في البنية التحتية والخدمات أنتج نمواً إقتصادياً وزيادة في العائدات الضريبية. الدين العام في تركيا اليوم قليل نسبياً، والمثال التركي قابل للتطبيق في بضع بلاد عربية تتمتع بالكتلة الحرجة إن كان في الاستهلاك أو الصناعة أو السياحة أو في المجالات الثلاثة مجتمعة مثل المغرب.