
ياسين بودهان-الجزائر
حذر خبراء وسياسيون من خطورة التحديات التي يواجهها اقتصاد الجزائر، خاصة بعد أن أعلن وزير المالية الجزائري عبد الرحمن بن خالفة أن المدخرات الأجنبية لبلاده تكفي لـ23 شهرا فقط.
وقال بن خالفة الاثنين الماضي في تصريحات للإذاعة الحكومية إن المدخرات الأجنبية لبلاده أي احتياطي النقد الأجنبي الذي يقدر بنحو 140 مليار دولار وصل إلى هذا المستوى بعد تراجع مداخيل البلاد من النفط بنحو 70% منذ انهيار أسعار النفط العالمية بداية من يونيو/حزيران 2014. وأضاف الوزير أن المرحلة الراهنة تتطلب "الاستشراف واليقظة والتفهم".
وأكد أن النموذج الاقتصادي الجديد الذي ستعتمده الحكومة في السنوات الثلاث المقبلة سيعمل على إدخال المدخرات الوطنية في الحركة الاقتصادية، وتحقيق نمو بـ7% من خلال التوجه نحو الاستثمار الاقتصادي، والابتعاد عن تمويل المشاريع من ميزانية الدولة، وعدم الاعتماد على عائدات النفط والغاز. ويقصد بالمدخرات الوطنية الأموال المكتنزة في بيوت الجزائريين، وتلك التي تدور في السوق الموازية.
ورغم تأكيد بن خالفة على أنه لا خوف على الاقتصاد الجزائري، في ظل مديونية داخلية بنسبة 8%، ومديونية خارجية لا تتجاوز 1.8%، فإن صندوق النقد الدولي شدد في تقرير صدر أمس الخميس على أن "صدمة انهيار أسعار النفط على الاقتصاد الجزائري ستتواصل على المدى الطويل".
ملاحظات صندوق النقد
ودعا الصندوق الحكومة الجزائرية إلى "إصلاحات لتنويع الاقتصاد، والتحرك بقوة على مستوى السياسات، وضبط أوضاع المالية العامة، وإجراء إصلاحات هيكلية"، لافتا إلى أن هبوط أسعار النفط كشف عن مواطن ضعف في اقتصاد البلاد التي تعتمد موازنتها العامة بنسبة 60% على مداخيل النفط والغاز.
إيرادات النفط والغاز تشكل نحو60% من ميزانية الجزائر (رويترز)
وقد تراجع احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر من 192 مليار دولار بنهاية 2013 إلى 143 مليار دولار بنهاية 2015. ويتوقع صندوق النقد تراجع معدل النمو الاقتصادي بالجزائر في العام الجاري إلى 3.4% ثم إلى 2.9% في 2017.
ويرى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة العدالة والتنمية (إسلامي معارض) لخضر بن خلاف أن تحذيرات صندوق النقد بشأن مستقبل الاقتصاد الجزائري مبررة، مؤكدا للجزيرة نت أن "الجزائر في وضع اقتصادي لا تحسد عليه".
وأشار إلى أن "احتياطي الصرف الذي يضمن قوت الجزائريين لمدة 23 شهرا، يأتي بعد نفاد صندوق ضبط الإيرادات الذي كان يحوي أكثر من 77 مليار دولار في 2014"، وهو الصندوق الذي كانت تلجأ إليه الحكومة لتمويل العجز في الميزانية.
خطط حكومية وانتقادات
وكانت الحكومة قد أعلنت أنها ستواجه هذه الصعوبات من خلال نموذج اقتصادي جديد يقلل الاعتماد على النفط والغاز ويركز على تنفيذ مشروعات استثمارية تمول من الأموال التي ستأتي من ثلاثة بنود، هي: زيادة الوعاء الضريبي، واستقطاب الأموال المتحركة خارج المؤسسات المصرفية والمقدرة بـ34 مليار دولار، واللجوء للاستدانة الداخلية من خلال إطلاق القرض السندي.
وانتقد بن خلاف هذه الحلول التي وصفها بـ"الترقيعية"، وأشار إلى أن القرض السندي "لم يراع خصوصية الشعب الجزائري المسلم الذي يرفض التعامل بالفوائد الربوية". ويؤكد البرلماني الجزائري أن على الدولة أن تبادر باتخاذ إجراءات هيكلية عميقة تدفع نحو تنويع الاقتصاد، بتطوير قطاعات الفلاحة والصناعة، وطرح المعاملات البنكية الإسلامية.
من جانب آخر يقول الخبير المالي نبيل جمعة إن لجوء الجزائر للاستدانة الخارجية خيار لا مفر منه إذا استمرت الأوضاع على حالها، واعتبر أن "تحديد التوجه الاقتصادي للبلاد وبدقة هو الأمر الوحيد الذي يجنبها صدمات قد تكون قوية مستقبلا".
ويرى جمعة أن "الغموض الذي يلف بعض القرارات الاقتصادية يتسبب في فشلها"، مشيرا إلى أن الجزائريين يجهلون مثلا الأوجه التي ستنفق فيها أموال القرض السندي "هل هي في مشاريع تنموية تخلق الثروة؟ أم توجه لتمويل ميزانيات التسيير والتجهيز وغيرها؟".