الاستثمارات الخليجية في مصر.. عقبات سياسية تعرقلها
أملت مصر دائما أن يتجاوز حجم الاستثمارات الخليجية لديها 50 مليار دولار ليتجاوز حجم الاستثمارات الأوروبية في السوق المصرية، ولذلك نظرت إلى زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بأنها فاتحة لتدفق المشاريع السعودية والإماراتية والكويتية في مرحلتها الأولى التي ستغيب عنها قطر بسبب الخلافات السياسية التي تواجه العلاقات بين القاهرة والدوحة.
تمثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الإقتصاد المصري، أهمية كبيرة، في ظل الأزمة التمويلية التي تعيشها، وكانت التوقعات وسقف الأحلام في قمته، منذ إزاحة الرئيس حسني مبارك، نحو تدفقات الاستثمارات الخليجية المباشرة، حتى أن بعض الإعلاميين الخليجيين بشر بأن الخليج سوف يضخ 100 مليار دولار استثمارات في مصر، إذا أتى السيسي رئيسا لمصر.
لكن الواقع اختلف، وخيب تلك الأحلام، ليجد الإقتصاد المصري، أداء تقليدياً لاستثمارات الخليج، وحتى أن الزيادة التي شهدها عام 2014/2015، في تلك الاستثمارات كانت شديدة التواضع بنحو مليارين و400 ألف دولار، بينما تحتاج مصر سنويًا ما لا يقل عن 20 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة.
كانت السعودية والإمارات أول من دعا إلى مؤتمر مانحين في مصر، عقب الانتخابات التي أتت بالسيسي رئيسًا لمصر، وانحسر أداء الدول الخليجية في مؤتمر شرم الشيخ في مارس/آذار 2015، فاقتصر على برنامج للودائع الخليجية لدعم احتياطي النقد الأجنبي بنحو 6.8 مليارات دولار، وكذلك بعض المنح البترولية، والنقدية.
واقع تدفقات الاستثمار
بالنظر إلى واقع الاستثمارات الخليجية المباشرة في مصر في ضوء البيانات المتاحة، خلال الفترة من 2010-2011 / 2014-2015 ، كان العام الأخير الأكبر من بين باقي السنوات من حيث تدفق الاستثمارات الخليجية المباشرة لمصر، بقيمة استثمارات بلغت مليارين و400 ألف دولار، بينما كان العام 2010/2011 هو الأقل، حيث بلغت قيمة تلك الاستثمارات 750 مليون دولار.
تتصدر الإمارات دول الخليج من حيث قيمة استثماراتها المباشرة لمصر، بنحو 3.2 مليارات دولار ، وتليها السعودية بنحو مليارو500 ألف دولار. وتمثل استثمارات كل من الإمارات والسعودية نسبة 77.3%.
وعلى مدار خمس سنوات ضخت 5 دول خليجية استثمارات مباشرة تصل إلى 6.2 مليارات دولار، بمتوسط سنوي نحو المليار و240 ألف دولار، بينما وصل هذا المؤشر بالنسبة إلى تدفقات الولايات المتحدة لمصر نحو مليار و770 ألف دولار، وهو ما يعني أن الاستثمارات الأميركية المباشرة لمصر، مثلت أهمية أكبر من تلك المتدفقة من دول الخليج من حيث القيمة.
رفض سعودي
وكان الجانب السعودي، في المجلس التنسيقي المصري- السعودي قد رفض عددا كبيرا من المشروعات التي قدمتها وزارات مصرية، لجذب الـ 30 مليار ريال، والتي أعلنت السعودية ضخها في صورة استثمارات في القاهرة، وأن مصر عرضت قائمة بالمشروعات المقترحة، والمرشحة لدراستها من الجانب السعودي في المجلس، منذ تأسيسه، قبل أشهر، ضمت قطاعات العقارات والسياحة والطاقة والبترول، لكنها قوبلت بالرفض.
يأتي هذا في الوقت الذي يعاني فيه المستثمرون الخليجيون في مصر، حيث ذكر رجل الأعمال السعودي الشيخ عبد الرحمن الشربتلي في حوار صحفي: أن مصر يحكمها الموظفون ولو كنا وضعنا أموالنا ودائع في البنوك لكان الوضع أفضل كثيرا، وأضاف: انسحب عدد من شركائنا ممن رأوا صعوبة الوضع وعدم القدرة على التكيف معه.
وعن معوقات الاستثمار في مصر قال: المستثمر في مصر يضيع 80% من وقته وجهده في الركض وراء الوزراء والمسؤولين لتخليص إجراءات، والحصول على موافقات لتسيير أعماله، بدلا من بذل هذا الجهد، والوقت في توسيع استثماراته والتفكير في تعظيم موارده، والمستثمرون تحولوا إلى متسولين، كما لا توجد رغبة لدى المسؤولين في التوقيع على أية ورقة، وانتشار الأيدي المرتعشة، وعدم وفاء الدولة بتعاقداتها.
وأضاف: الدولة ليست مؤهلة لاستقبال الاستثمارات الضخمة، لا سياسيا ولا إقتصاديا ولا تشريعيا، وليس لديها من البنية التحتية ما يجعلها قادرة على استقبال استثمارات، وتساءل: كيف لدولة تدعو العالم في المؤتمر الإقتصادي للاستثمار فيها وفى اليوم الثاني يصدر البنك المركزي قرارات تجعل الحد الأقصى للسحب والإيداع عشرة آلاف دولار؟ فهل كل جهة تعمل بمفردها؟
رهان مصر
يمكن القول بأن رهان مصر على دول الخليج في تدفقات استثمارية مباشرة خلال المرحلة المقبلة، كان رهاناً فاشلاً بسبب قيود سياسية، وبسبب ما تقبل عليه دول الخليج من أوضاع قتصادية صعبة بسبب أزمة انهيار أسعار النفط، حيث أظهرت النشرة الشهرية الصادرة عن مؤسسة النقد السعودي انخفاض موجوداتها خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى نحو 2318 مليار ريال (618.1 مليار دولار) مقارنة مع 2373 مليار ريال (632.8 مليار دولار) بانخفاض قدره 55 مليار ريال (14.6 مليار دولار) مقارنة مع شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وسجل الصندوق السيادي للمملكة العربية السعودية أعلى مستوياته في شهر أغسطس/اَب 2014، إذ بلغ 737 مليار دولار، لتبدأ بعدها الاحتياطيات بالتراجع، في ظل هبوط أسعار النفط، التي انخفضت منذ شهر يونيو/حزيران 2014 بنحو 70%.
وفي شهر يوليو/تموز 2015، سجلت أصول الصندوق قراءة عند مستوى 661 مليار دولار، على خلفية قيام السلطات السعودية باستخدام احتياطياتها لخدمة احتياجات الميزانية.
وأعلن العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز" في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، موازنة العام الجاري 2016، بعجز قدره 326 مليار ريال (87 مليار دولار) وحافظت في الوقت نفسه على مستوى مرتفع من الإنفاق، رغم انخفاض أسعار النفط.