هل يهدد انفراط عقد الاتحاد الأوروبي مستقبل اليورو؟
"شنغن".. عقدة اليونان على المحك
تقارير عديدة تتحدث عن واقع استمرارية بقاء الاتحاد الأوروبي موحداً أو ينفرط عقده خصوصاً بعد دعوة كل من بريطانيا والدنمارك إلى استفتاء شعبي في كل من الدولتين بشأن البقاء داخل الاتحاد أو الانسحاب منه؟
ينزلق الحديث سريعاً إلى تعليق العمل باتفاقية "شنغن" التي تم إطلاقها عام 1985 لإتاحة حرية التنقل والحركة وإلغاء الحدود تدريجياً بين دول أوروبية، ومدى تأثير ذلك على مستقبل اليورو.
ومع زيادة تدفق المهاجرين واللاجئين عبر سواحل المتوسط والتهديدات الأمنية من جراء ذلك، أثيرت مطالبات بتعليق العمل باتفاقية "شنغن" التي تشمل 26 دولة من بينها النرويج وسويسرا – غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – وتجسد واحدة من أفضل المبادئ الأوروبية، وإلى جانب العملة الموحدة، أصبحت الاتفاقية رمزاً للوحدة بين عدة دول في القارة.
تداعيات إقتصادية
كانت هناك، وعلى مدار سنوات، انتقادات لاتفاقية "شنغن" بسبب سهولة التهريب والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى خسائر السفر الدولية بين الدول الأوروبية، وقد اعترف رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" أن اتفاقية "شنغن" معلقة بالفعل محذراً من انهيار تكتل العملة الموحدة "اليورو" إذا ألغيت الاتفاقية، وبالتالي، ستكون هناك تداعيات خطيرة على الإقتصاد الأوروبي.
ومن الطبيعي القول هنا أنه إذا عادت المراقبة على الحدود بين دول الاتحاد، فسوف تتأثر حركة التجارة الدولية بالطبع، التي تزايدت حركتها بين دول القارة بشكل كبير من حوالى 870 مليار دولار إلى 3 تريليونات دولار، منذ انطلاق السوق الأوروبية الموحدة منتصف تسعينيات القرن الماضي.
تعطل أنشطة الأعمال
لقد انتعشت قطاعات الأعمال بفضل إلغاء الحدود بين دول أوروبية، ولكن مع تعليق العمل باتفاقية "شنغن"، فسوف ينتج من ذلك تأجيلات تتراوح بين دقائق وعدة ساعات، وهذه مشكلة خطيرة لمتعهدي النقل والشاحنات، حيث من المتوقع أن تصل الخسائر إلى 59 دولارا لكل ساعة.
وبالنسبة إلى البضائع القابلة للتلف، فإن التأجيل يعني خسائر للجميع، وبحسب بيانات الاتحاد الدولي للنقل، فإن إعادة المراقبة على الحدود بين ألمانيا والنمسا فقط سوف يكلف هذا القطاع خسائر سنوية بحوالى 109 ملايين دولار.
كما تعني عودة مراقبة الحدود زيادة فترة الانتظار للرحلات عبر الطرق وطول زمن خدمات الشحن وعبور المسافرين، ومن ثم ستتزايد التكاليف.
هناك تكاليف للبيروقراطية التي ستنفذ في حال إلغاء "شنغن" بالإضافة إلى البنية التحتية اللازمة للنظام الجديد للسفر مثل تغيير نمط عمل شبكة السكك الحديدية والطرق السريعة والتي تتطلب إنشاءات وعاملين بعد فرض قيود على التنقلات.
وكانت قد أفادت مؤسسة "فاسيليوس دوزينيس" للمستشارين الإقتصاديين الأوروبيين أن إلغاء الاتفاقية له تداعيات إقتصادية مكلفة للغاية، كما أن إسقاط نظام الوحدة والقوة الذي تعزز بين دول القارة من طريق "شنغن" هو الأكثر خطورة. وقد يكون هذا هو السبب الذي دفع رئيس المفوضية الأوروبي "يونكر" لقول إن إلغاء "شنغن" يهدد مستقبل اليورو، وإذا انتهت العملة الموحدة، فربما ينفرط عقد الاتحاد الأوروبي أيضاً سواءً على الصعيد الإقتصادي أو السياسي.
أزمة اللاجئين
إن أبرز الأسباب التي ارتكز عليها دعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي كان الضغط الإقتصادي الذي تشكله أزمة اللاجئين على الإقتصادات الأوروبية، ومسألة استفادة المهاجرين الوافدين إلى بريطانيا - من داخل منطقة اليورو - من المساعدات الإجتماعية، فضلا عن أن مساهمة بريطانيا في الاتحاد وصلت إلى نصف تريليون إسترليني بنهاية 2015.
وعرض تقرير صادر عن حملة "صوّت للخروج من الاتحاد الأوروبي" بيانات تشير إلى أن عضوية بريطانيا في الاتحاد كلفتها 503 مليارات إسترليني منذ انضمامها إلى الجماعة الإقتصادية الأوروبية قبل 43 عاما، ويظهر التقرير أن تكلفة العضوية ارتفعت من 1.9 مليار استرليني دفعت في المساهمات الإجمالية في عام 1973، عندما أصبحت بريطانيا عضوًا كامل العضوية، إلى 19.1 مليار استرليني العام الماضي.
وبحسب بعض التقارير غير الرسمية فإن تكلفة العضوية تعادل نصف الأموال التي تم توزيعها على المدارس في إنكلترا، وأربعة أضعاف ميزانية العلوم البريطانية، وأكثر من 56 ضعف ميزانية هيئة الصحة الوطنية وصندوق العقاقير المضادة للسرطان، كما أشارت الحملات الداعية لانفصال بريطانيا إلى أنه يجري تسليم الاتحاد الأوروبي 350 مليون إسترليني أسبوعيا، وهو ما يكفي لبناء مستشفى جديد كل أسبوع.
الإقتصاد البريطاني في خطر
كما أن هناك ادعاءات أن مساهمة بريطانيا الإقتصادية في الاتحاد الأوروبي العام الماضي بلغت ما يزيد على 41 مليار استرليني، بينما تشير أرقام مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى أن عضوية بريطانيا في الاتحاد عادت عليها بزيادة في معدل النمو تقارب 2.13 %، من إجمالي النمو البريطاني أي ما يعادل 37 مليار دولار، ومن ثم فإن هذه الأرقام تؤكد أن بريطانيا خسرت العام الماضي فقط ما يفوق أربعة مليارات دولار من جراء عضويتها في النادي الأوروبي.
عقدة اليونان
توصلت دراسة إقتصادية جديدة إلى أن منطقة اليورو محكوم عليها بالزوال ولا تستطيع أن تستمر في شكلها الحالي سواء بقيت اليونان أو خرجت منها.
وبينت دراسة جديدة أن تفاوت مستويات التطور الإقتصادي يزيد دول منطقة اليورو تباعدًا عن بعضها البعض، وبالتالي اعتماد سعر فائدة واحد لا يصلح للكتلة الإقتصادية بأكملها.
كما أن الاختلافات السياسية والإجتماعية والثقافية تجعل من الأصعب على دول اليورو الاشتراك في عملة واحدة، وفي النهاية يتعين على منطقة اليورو أن تندمج اندماجًا حقيقيًا أو ينفرط عقدها.
وتأتي الدراسة التي أجرتها شركة إي سي يو غروب للأبحاث والاستشارات والاستثمار البريطانية في إطار مشروع بحثي أوسع يتناول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وآفاقها المستقبلية.
وخلصت الدراسة التي نُشرت نتائجها في صحيفة ديلي تلغراف إلى أنه سواء أُجبرت اليونان على الخروج من منطقة اليورو أو بقيت، فإن المنطقة تواجه مشاكل عميقة الجذور يتعين حلها بتفكيك نفسها أو تحقيق اندماج سياسي كامل.