حزب "الفساد".. أسنانه ليست أسنان حليب!
كيف جعلت سيادة العولمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية ظاهرة الفساد منتشرة في العالم العربي، بسبب استغلال بعض المسؤولين لمواقعهم وسلطاتهم من أجل تحقيق منافع ومصالح خاصة؟
هو سؤال تردّد كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وكثيرا ما جاءت الأجوبة غير ملبية لعطش المواطن رغم أن الحاجة ماسة لمكافحة هذا الوباء والتصدي له، وتتم عبر تفعيل المزيد من الشفافية وإتاحة المعلومات والحوكمة والمساءلة وتشديد الرقابة.
ولكن ما هو الفساد، ومن أين يبدأ؟
فالفساد هو مرض عضال يضرب مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص ويعشّش في كل مكان إذا أتيح له ذلك. فهو أقل ما يقال فيه إنه الداء المستعصي على إيجاد الدواء له إذا استفحل في مكان ما. والفساد موجود في كل زاوية من زوايا المجتمعات العربي الواسعة والمتعدّدة، ومنها الفساد السياسي والفساد الإقتصادي والإداري والإجتماعي والثقافي والإعتقادي.
ومن يتابع ترتيب الدول العربية في مؤشرات الفساد لا بد أن يصاب باليأس والهلع ما يؤكد أن الفساد ما زال ينخر في أوصال معظم الدول العربية. ومن المفيد الإيضاح أن الفاسدين المفسدين في المجتمعات كافة لم يقدموا شيئاً مفيداً لمجتمعهم بل إنهم يبخلون بكل شيء ويسعون وراء كل شيء والمال لديهم زينة وامتياز ومصدر قوة دون أي اهتمام بالعمق الاجتماعي الواجب تحقيقه إنهم ممقوتون لأنهم يقولون ما لا يفعلون.
وأنصار الفساد ليسوا قلة ولا أسنانهم أسنان حليب، فهم منظومة متكاملة تعيث خراباً أينما حلّت، فهو لا يعرف هويات ولا يعرف حدوداً، لكنه يعرف طريقاً واحدة هي تخريب المجتمع ومؤسساته. وإذا كان الفساد عابراً للقارات إلا أن الدول العربية تنميه وتعتني به حتى أصبح حالاً طبيعية في حياة شعوبها، وحتى بلغ حجمه في الدول العربية 400 مليار دولار وفقاً لتقديرات البنك الدولي، ولنتصور لو تمّ استثمار هذا المبلغ لكان سيوفر نحو 18 مليون فرصة عمل جديدة ما سيمكن سوق العمل العربية من استيعاب أفواج كبيرة من الراغبين في الشغل.
إن احتلال العديد من الدول العربية لمراكز متأخرة في تصنيف الشفافية الدولية الذي تعده وتصدره منظمة الشفافية الدولية، الذي يشير إلى أن مستويات الفساد وسوء استخدام السلطة والتعاملات السرية ما زالت مرتفعة للغاية في الكثير من الدول العربية، ويمكن الإشارة هنا إلى حصول صفقات سرية في مبيعات الأسلحة في بعض الدول العربية التي تم فيها الكثير من عمليات الفساد المالي والإداري وفق البيانات التي ترد إلى هذه المنظمة، حيث حصلت 81 في المائة من الدول العربية على درجة أقل من 50 في المائة في المؤشر، وقد سجلت المملكة العربية السعودية 44 نقطة على مؤشر الفساد العالمي من إجمالي 100 نقطة، واحتلت المرتبة 66 مكررة عالمياً. لقد كانت معظم المراتب المتقدمة على المستوى العالمي من نصيب الدول التي تقع خارج المنطقة العربية. ففي المراكز الأولى للدول الأقل فساداً عالمياً كانت الدانمارك وفنلندا ونيوزيلندا، حيث حصلت على 90 نقطة في المؤشر المتدرج على 100 نقطة لأكثر الدول النظيفة.
وما لا شك فيه أن مؤشر منظمة الشفافية الدولية له العديد من الإيجابيات باعتبار أنه يعطي نوعاً من التشجيع والتنافس بين دول العالم، حيث تسعى كل دولة إلى تحسين رتبتها في المؤشر، كما أنه يعطي صورة إجمالية لدرجة الفساد في الدولة، حيث يعتبر مرحلة أولى لقياس الفساد تتلوها مراحل أخرى تساعد في عملية التحليل والتشخيص وتحديد أولويات المكافحة والإصلاح.
وللفساد مستويات، فهناك فساد صغير وفساد كبير، وتجدهما مرتبطين بمداعبة العواطف والشهوات وإشباع الرغبات بعيداً من إعمال العقل الذي إذا توارى توارت معه كل المبادئ والقيم.
فالفساد الصغير هو الفساد الإداري الذي يستشعره أبناء المجتمع بشكل حسي كل يوم لدى مراجعة أي جهة من الجهات الرسمية أو شبه الرسمية ومنها الجهات المالية والوحدات الإدارية والدوائر العقارية والمستشفيات العامة وغير ذلك الكثير. إنه فساد صغير لأنه صادر من جهات مسؤولة تملي على الموظف الصغير رغبتها وتفسح المجال أمام هذا الموظف صاحب التعامل مع الناس لممارسة الفساد وصولاً إلى علنية الممارسة الوقحة للفساد، وعندها يصبح الفساد الكبير هو الراعي والحامي للفساد الصغير والمدافع عنه والحاضن له والمنمّي لأساليبه.
أما الفساد الكبير فهو انحراف بالسلطة بعيداً عن الحق والعدل وتحقيق حماية ذوي النفوذ الإقتصادي وهنا يتبين لنا سبب تهافت رجال المال والأعمال على المناصب ذات الحصانة لأن كل مزاياهم أنهم أغنياء فقط قادرون على شراء الأصوات الانتخابية.
وللفساد أسباب منها: السبب الإقتصادي ويتمثل بانخفاض مستوى المعيشة والبطالة وتردي الظروف الإقتصادية، الأمر الذي يحمل بعض أفراد المجتمع ومن رحم معاناتهم لمصاعب المعيشة إلى التورط في بعض سلوكيات غير قانونية لتحقيق مكاسب مادية لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة عبر دخولهم في فك الفساد المفترس، وأمام هذه الأسباب تبرز الآثار الإقتصادية للفساد التي تعوق التطور الإقتصادي بسبب سوء استغلال الموارد وانهيار القيم الإجتماعية وسلوك نهج تخطي النظم والقوانين وتناول ظاهر الأمور الفاسدة وليس الجوهر الموجب لتبسيط النظم والقوانين، والتعليمات دون استسلام لجمودها وتعقيدها والتطاول عليها.
لا شك أن الدول العربية في حاجة إلى اعتمادات تقدر بـ 85 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة لمواجهة أزمة البطالة ويجب اتخاذ إجراءات وتدابير إقتصادية لمحاصرة آفة الفساد والقضاء عليها. الأمر الذي يتطلب إبداء المزيد من الجهود لتعزيز مؤشرات التنمية البشرية في الدول العربية.
يجب التأكد من وجود عدة أسباب رئيسة تحول دول تطبيق الشفافية وتفعيلها، والتي يمكن أن تؤدي أيضاً إلى غيابها في دولنا العربية، ومن هذه الأسباب ما يلي:
ـ ضعف السياسات المالية.
ـ البيروقراطية… التي تغلغلت إلى حد كبير في الكثير من أجهزتنا الحكومية وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة.
ـ وجود بعض الممارسات الإحتكارية من قبل عدد من المؤسسات، والتي تصل أحياناً إلى الإحتكار المطلق.
ـ تدخل الدولة في بعض ـ أو الكثير من ـ الحالات في عمليات العطاءات والمناقصات.
ـ الاختلالات الواضحة في الأجور والمرتبات.
لقد أدرك عالمنا العربي أهمية الإفصاح والشفافية وإتاحة المعلومات المالية الصحيحة والدقيقة والموثقة والمنشورة في الوقت المناسب وفي يسر وسهولة، في خلق وتعزيز حال الثقة والمصداقية لدى جميع المتعاملين في الدولة.