طبيعة التحديات ستفرضها الزيادة السكانية مستقبلا
مصر.. تحدي إعالة 91 مليوناً
بلغ عدد سكان مصر وفق تقديرات جديدة للجهاز المركزي للمحاسبات الأسبوع الماضي 91 مليونا, 83 مليونا داخلها وثمانية ملايين خارجها. وتفرض الزيادة السكانية المطردة تحديات جسيمة على الدولة, تتصل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ولا تزال قضية الزيادة السكانية بمصر محل جدل بين الاقتصاديين، إذ يرى بعضهم تنظيم النسل لمواجهة التحديات التي تفرضها تلك الزيادة، وهي وجهة النظر التي تبنتها الحكومات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
ويرى البعض الآخر أن تلك الزيادة يمكن أن تكون مجدية بشرط التفاعل مع بقية الموارد الطبيعية والمالية لبناء نموذج تنموي إيجابي.
زادت الرقعة المأهولة بالسكان في مصر إلى 7.7% من إجمالي مساحة مصر البالغة مليون كيلومتر مربع بعد أن كانت 4% فقط, في حين قفز عدد السكان في الثلاثين من الشهر الماضي إلى 91 مليونا.
ويشكل الذكور 50.7% من إجمالي عدد السكان مقابل 49.3% للإناث. وأظهرت البيانات الرسمية انخفاض نسبة كبار السن في المجتمع المصري، حيث لا تزيد الفئة العمرية بين 60 و64 سنة عن 2.3%، وفئة 65 سنة فأكثر عن 3.7%.
ووفقا لتلك البيانات, فإن الفئة العمرية بين 25 و49 سنة تشكل 32.3%, تليها الفئة بين يوم واحد و14 عاما بنسبة 31.7%, في حين تشكل الفئة بين 15 و60 سنة, وهي الفئة المصنفة ضمن قوة العمل, 62.1%، وهذا ما يجعل تحدي توفير فرص العمل الأكبر في الفترة المقبلة.
وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن محافظات القاهرة والجيزة والشرقية هي العليا كثافة سكانية بنسب 9.8%، و8.6%، و7.4% من السكان تباعا. أما المحافظات الأقل كثافة فهي جنوب سيناء والوادي الجديد والبحر الأحمر بنسب 0.2%، و0.3%، و0.4% تباعا.
التحديات الاقتصادية والتنموية
ستتحدد طبيعة التحديات التي تفرضها الزيادة السكانية بمصر مستقبلا، حسب النهج الاقتصادي والتنموي الذي ستتبناه. وهناك حاليا مجموعة من التحديدات يجب التعامل معها، وهي:
* فرص العمل
يدخل سوق العمل المصري كل عام نحو 750 ألف شخص، ويتطلب ذلك تحقيق معدلات نمو لا تقل عن 7%. لكن هناك معدلات بطالة في مصر لا تقل عن 10%، بل زاد المعدل بنحو 2% بعد ثورة 25 يناير ليبلغ 12% بسبب التراجع الاقتصادي لمصر.
ونما الناتج المحلي لمصر في السنة المالية الماضية 2.6% فقط مقابل 5.1% قبل الثورة. وبالتالي لا بد من العودة بمعدلات النمو إلى 7% وما يستتبع ذلك من سدة فجوة الاستثمارات العامة التي تقدر بنحو 8% عن طرق الموارد المحلية أو الأجنبية.
* الإسكان
يعد الإسكان مشكلة مزمنة بمصر، ومن أسبابها انخفاض مستوى الخدمات العامة في الأقاليم والأرياف، وقلة فرص العمل، مما يدفع الأفراد للهجرة إلى المدينة والتوسع في خلق مجتمعات عشوائية أصبحت تطوق العاصمة والمدن الكبرى.
وتقدر احتياجات مصر السنوية من الوحدات السكنية بنحو 600 ألف وحدة، يبنى نحو 200 ألف وحدة منها فقط، وينحصر العجز في الوحدات السكنية في الإسكان منخفض التكاليف.
* الخدمات الصحية والتعليمية
تمثل الخدمات الصحية والتعليمية مستقبلا واحدة من السلبيات البارزة, وقد تدنت كثيرا الخدمات العامة رغم الزيادات السنوية المتتالية في ميزانية الدولة لهذه القطاعات.
فقد بلغت مخصصات التعليم في ميزانية السنة المالية الحالية نحو 64 مليار جنيه (10.5 مليارات دولار)، والصحة 27.4 مليار جنيه (4.5 مليارات دولار).
ومع ذلك يلجأ المواطنون للقطاع الخاص، مما يؤثر كثيرا على مواردهم، فعلى صعيد التعليم يلجأ أولياء الأمور إلى الدروس الخصوصية، ويكبدهم ذلك سنويا نحو 20 مليار جنيه (3.3 مليارات دولار). وفي مجال الصحة, يشكل الإنفاق العائلي 65% من إجمالي الإنفاق على الخدمات الصحية.
ويستلزم ذلك منظومة للإصلاح بقطاع التعليم والصحة.
* البنية الأساسية
رغم التحسن في بعض البنى الأساسية في الفترة الماضية، فإن من أهم السلبيات افتقارها للصيانة الدورية وحسن الإدارة، مما يعرض كثيرا من مرافقها لمعدلات استهلاك عالية ويقلص عمرها الافتراضي.
فالإحصاءات تقول إن ما يزيد عن 95% من سكان مصر يحصلون على مياه شرب صالحة للاستخدام, لكن هناك انقطاعات ومشاكل في الريف والعشوائيات.
ولا يحصل نحو 60% من السكان على الصرف الصحي الآمن, وفضلا عن قصور الخدمات فإن تهالك أجزاء كبيرة من شبكات الصرف الصحي والمياه يمثل تحديا خاصة في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية.
استثمارات مطلوبة
وبالتالي تحتاج البنية الأساسية في مصر إلى استثمارات هائلة، ولعل اقتراح مشاركة القطاعين العام والخاص في مشروعات البنية الأساسية هو الأكثر ملاءمة مستقبلا.
لن تتم مواجهات التحديات المذكورة إلا بمشاركة مجتمعية واسعة، تشمل الدولة ومجتمع الأعمال والمجتمع الأهلي, فالجميع يؤمن بأهمية مواجهة هذه التحديات والاستفادة من الموارد البشرية لبناء تنمية حقيقية.
ولكن التمويل هو العامل الثاني المهم بعد المشاركة المجتمعية، لذلك من المهم مشاركة القطاع الخاص والأهلي في تمويل المشروعات اللازمة لمواجهة تحديات التنمية، كما أن من المهم الإسراع في إصلاح الجهاز الحكومي لمواجهة الفساد وتراخي معدلات الأداء.