
السلوك الاستهلاكي المعاصر يساهم في تضييع المزيد من الثروات الناضبة والتي ترتب بدورها على الاقتصاد خسائر كبيرة تؤثر على البيئة وعلى تطور المجتمعات. فامام ازدياد عدد سكان الارض مقابل نضوب في الموارد الطبيعية وجب التفكير مليا بسلوكيات اقتصادية جديدة تخفف من استنفاذ الموارد وتساهم في تخفيف التلوث الناتجة عن الاسراف الحاصل الذي يتسبب بضياع الثروات الطبيعية والمواد الاولية . ولان السلوك يختلف من مجتمع لاخر في زمانه ومكانه ، فتختلف تبعاته على كل اقتصاد، وعليه بات من الواجب اجتراح حلول تساعد في تخفيف الازمات نتيجة الاسراف في الاستهلاك. فكم في قصص طريفة للمجتمعات القديمة طرائق اقتصادية متعددة تعد دروسا في الاقتصاد، فكتاب بخلاء الجاحظ خير دليل على ذلك فنجد فيه طرائق التوفير والاقتصاد من فرط الشح الذي كان يتصف به هذا المجتمع خشية فقر وحاجة. يحكى ان امرأة اهداها ابن عمها اضحية فحارت في كيفية التصرف فيها خشية ان يضيع منها شيئا، فكانت اهدافها ان تستفيد من كل مكوناتها لانها تعتقد بان الله لا يخلق فيها ولا في غيرها شيئا لا منفعة فيها فعملت على مبدأ الانتفاع من المواد التي بين يديها الى الحد الاقصى ، فكان للجلد والصوف والعظام والشحم والدم استخدامات كل من موضعها، واذا فسرناها في علوم الاقتصاد الحديثة تكون استنبطت اسس تدوير وتحويل الاشياء الى ادوات للاستخدام، فكم سنستفيد ماديا من المواد التي يعاد تدويرها وهي طريقة نخفف من الازمة البيئية المحدقة بلبنان والتي تهدد طبيعة البلد وبيئته، فلو اتبعنا هذه السلوكيات بحفظ الاشياء من الفساد والاستفادة منها بحدها الاقصى حتى لا تضيع هباء فهي فعلا ستساعد الاقتصاد، فالحزم واتباع سلوك مغاير ضد تضييع الثروة ليس عيبا او آفة ، وهو حتما سيؤثر على الانفاق ويخففه بل سيزيد من الثروة وستكون مؤونة جيدة عند الحاجة. لكننا اليوم نعتمد البهرجة اسلوبا للمعيشة والتي لا تعكس واقعية العيش والحال المتردي حيث مواردنا قليلة واعمالنا شحيحة بل نقوم بالتبذير والاسراف . فمتى نجمع الاصلاح مع التواضع ونبتعد عن الاسراف والتكبر عن الواقع فنقتنع بأن تضييع القليل يجر وراءه تضييع الكثير بفعل عاداتنا الاستهلاكية المترفة.
سهى غنوي