ثرثرة أميركية على ضفاف بحيرة الموصل
أخرجت الشركة الغيطالية "تريفي" التي ستتولى صيانة سد الموصل، بعدما فازت فازت بعقد قيمته مليارا دولار، أخرجت الأميركيين عن طورهم ودفعتهم إلى اللامعقول في تصريحاتهم من خلال تضخيم الحوادث واختلاق بعضها لخلخلة حال من الآمان العراقي، وبعد انتصارات الجيش على التنظيم الإرهابي. ومن أبرز هذه التهويلات الأميركية هو خدعة انهيار سد الموصل.
في البداية يتألف السد بالحقيقة من ثلاثة سدود هي: السد الرئيس والسد التنظيمي والبحيرة الإصطناعية التي ترتفع 130 مترا تقريباً عن مستوى سطح البحر بمعنى أصح لا يوجد خوف أو رعب، فهناك منظومة خاصة تضبط السد وأن شائعة الطوفان الدعائية الذي سيجتاح المدن العراقية لها أغراض مشبوهة وما هي ألا كذبة من بعض الدول مثل تركيا وأميركا. والسؤال هو لمصلحة مَن هذا التهويل الطوفاني؟ فطوفان "الشائعات " وبدون فبركة لغوية كفيل بهزّ عروش الدنيا، فكيف بشعب يتعرض باستمرار لمثل هذه الهزات العنيفة منذ الاحتلال الأميركي للعراق؟
هو طوفان، إذاً، من الإطلاقات النارية على الشعب الذي هدّ ركنه التقشف وبعض السياسيات غير المسؤولة من هنا وهناك. لمصلحة من هذا التهويل الطوفاني؟ فطوفان "الشائعات والإشاعات" كفيل بهز عروش الدنيا فكيف بشعب يتعرض باستمرار إلى مثل هذه الهزات العنيفة منذ العام 2003؟
المستجد في قصة سد الموصل التي استحوذت على عقول العراقيين هو أن "الصراخ الأميركي" والتحذيرات من الانهيار بدأت تتعالى بشكل غير مسبوق حتى وصل الأمر بالرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أنه بات يشعر بكوابيس وأحلام مزعجة تقض عليه مضجعه وتجعله «يفز» بين الحين والآخر والسبب هو الخشية من انهيار سد الموصل الذي إذا ما حصل سيغير خريطة العراق حيث ستختفي مدن كالموصل والأنبار مع غرق بغداد!
يبدو أن سد الموصل الذي بُني عام(1983) على مجرى نهر دجلة الذي يبعد حوالى(50) كيلومتراً شمال مدينة الموصل ويعد السد الأكبر في البلاد والرابع على صعيد الشرق الأوسط بات مصدراً للأخبار المقلقة والروايات والقصص التي تشبه إلى حد ما قصص ألف ليلة وليلة. ومن حق العراقي أن يسأل لماذا صار السد مصدراً لكل هذا الضجيج الذي لا يكاد يهدأ ومن هي الجهات التي تروج لحصول المحذور منه ولماذا تلتزم حكومتنا العراقية الصمت إزاء ما يحصل وحتى التصريحات التي تصدر منها عادة ما تكون مبتسرة وخجولة، كما جاء في تصريح مستشار وزارة الموارد المائية السيد مهدي رشيد الذي يقول: لا مخاوف ولا مؤشر على انهيار السد ولا هم يحزنون وهو ما يجعل التشكيك بها أمراً وارداً، أو ما جاء في تبرير مديرية سد الموصل، في (15 كانون الأول 2015)، من أن التصريحات بشأن انهيار السد "ثرثرة تهدف إلى خلق الإرباك" لدى المواطنين، مؤكدة أن وضع السد مطمئن وتحت المراقبة على مدار 24 ساعة.
فما الجديد في هذه التوظيفة الإعلامية التهويلية لفيلق الأميركيين، في هذا الوقت بالذات؟ ألمْ يتحدث هذا الأخير، كما تشير تقارير رسمية، عن مخاطر الإنهيار منذ غزوه للعراق في الأعوام 2005 و2006 و2007؟ في حين كان ردّ الإختصاصيين العراقيين باستقرار حال السدّ، بالرغم من أسابيع الإهمال الإضطرارية لهيئته بسبب قدوم عصابات داعش في صيف 2014 وسيطرتها على منشآته. أمّا ما رُصد من معوّقات أو من خلل، فإنّه يتعلّق بإحدى البوّابات المعطّلة لأسباب فنّية وأخرى بسبب أعمال التخريب، بحسب تقارير. فيما جميع أجهزة التحسّس المنصوبة على طول موقع السدّ عاملة بشكل طبيعيّ، بحسب مصدر في وزارة الموارد المائية. وهذه الأخيرة، أحالة أعمال الصيانة إلى شركة إيطالية متخصصة كانت قد فازت بالعرض المقدّم، علاوة على اتخاذ تدابير احترازية بتخفيض منسوب الماء فيه وتصريفه إلى مواقع أخرى للحدّ من الضغوط عليه.
وبالنتيجة، فإثارة المسألة في هذا الوقت بالذات، قد يكون فيها مقاصد وغايات سياسية ترى فيها أميركا، الوصيّة على سياسة العراق، مناسبَةً لتحقيق هذه الغايات. ومنها إيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة المهمّة بسبب قربها من تنظيم "داعش" الإرهابي الذي يسيطر على الموصل وسهل نينوى، كي تبقى على تماسٍ قريبٍ مع قيادات هذا التنظيم ومَن يمسك الأرض. فمعروفٌ عن أجهزة الإستخبارات الأميركية، تواصلُها مع عناصر هذا التنظيم والتعاون مع قياداته ومع مّن يُمسك الأرض معا، من أجل تحقيق أهدافٍ مصالحِها القومية العليا. كما تشيرُ أنباء مسرَّبة عن استعدادٍ وجاهزية لبعض أجهزتها الأمنية واللوجستية في مواقع القتال، للتدخل في عمليات عسكرية سرّية لا تستبعدُ مشاركة أميركية فاعلة بإجراء تنقلات بين عناصرِ التنظيم، سواء بعلمٍ من الحكومة العراقية وإدارة إقليم كردستان، أو من دون علمهما.
في كلّ الأحوال، سدّ الموصل، باعتباره واحداً من أكبر سدود المنطقة ومن أكثرها خطورة، يستحق العناء والاهتمام المفرط، كونُه أكبر خزينٍ مائيّ في المنطقة بحجم 11،11 مليارمترمكعب، يرفد البلاد ويسقي البشر والشجر ويسندُ مشاريعَ الإرواء. هذا إلى جانب ما ينتجه تشغيل المحطات الكهرومائية من طاقة كهربائية ضرورية تتجاوز الألف ميكاواط، وإمكانية الاستفادة من حوضه في تربية الأسماك. لذا، أيًا كانت التحذيرات، أو التطمينات، أو التشكيكات، فالسدّ المذكور، يبقى من رموز العراق ومعالمِه، يرفد البلاد بطاقات وثروات تسهم بطريقة أو بأخرى في دعم إقتصاده وتطوير بنيته والاستفادة من مياهِه الخزينة في العديد من الأغراض والغايات والفوائد.
في الختام نتمنى من كل الذين يتصدون للمسؤولية إيضاح حقيقة ما يدور من «همس وصراخ» بشأن سد الموصل الذي وصفه الأميركيون بـ"السد الأخطر" في العالم كي لا نغرق ونموت في خدعه.