الإنسحاب سيؤدي إلى قيام دول أخرى داخل أوروبا
بريطانيا: التبرؤ من الاتحاد قفزة إلى الهاوية
بريطانيا لا تقبل بوجود كيان سياسي أوروبي موحد يفرض سيادته عليها. هذا ببساطة الجدل القائم بين كاميرون والاتحاد الأوروبي، لكن المسألة تأخذ بعدا آخر مهما يتعلق بمستقبل زعيم حزب المحافظين، الذي يحاول استغلال استفتاء البقاء لتعزيز موقعه السياسي.
سيشهد هذا العام ـ 2016 "إعادة للمفاوضات" في المملكة المتحدة حول علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أيضا أن تكون سنة إجراء الاستفتاء اللاحق. في الواقع، قد يحدث الاستفتاء في وقت مبكر من الصيف.
شروط البقاء
ومن الواضح أن رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، محق في نقطة واحدة: "لعل هذا هو القرار الأهم الذي سيتعين على الشعب البريطاني اتخاذه في صناديق الاقتراع في حياتنا".
وكان كاميرون قد أعرب عن عدم رضاه على الوضع الراهن للاتحاد الأوروبي، قائلا إن "أوروبا بحاجة إلى تغيير". وأكد أنه "إذا ما تمكنت من إجراء تغيرات كبيرة وحيوية، فستشهدون حينها قيادتي لحملة نشطة، من أجل بقاء بريطانيا في اتحاد أجرى إصلاحات". ولم يستبعد أنه سيؤيد ترك الاتحاد إذا أخفق في التوصل إلى اتفاق.
جاء ذلك، في كلمة له ألقاها في المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعة البريطانية، وأشار فيها إلى أنه سيرسل رسالة "مستقبل بريطانيا في الاتحاد" إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، تتضمن مطالب بلاده.
ويرى وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك إذا ما صوت الشعب البريطاني على ذلك القرار خلال الاستفتاء المقرر عقده في هذا الشأن منتصف العام الجاري، سيؤدي لانهيار الاتحاد، وفق ما نقلته صحيفة ديلي ميل البريطانية.
جاء هذا فيما أشارت نتائج استطلاع جديد للرأي إلى أن البريطانيين يتجهون لدعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المؤلف من 28 دولة.
وحذر هاموند من أن يؤدى انسحاب بريطانيا من الاتحاد إلى قيام دول أخرى داخل الاتحاد بالإقدام على مثل هذه الخطوة، مؤكدا أن بريطانيا في هذه الحال ستكون غير قادرة على التحرك إذا ما رأت الاتحاد الأوروبي يتحرك في الاتجاه الخطأ.
وكشف استطلاع حديث للرأي أن 6 من كل 10 ناخبين بريطانيين لا يعتقدون بقدرة ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، على الفوز بصفقة جيدة لبريطانيا مع سعيه لوضع اللمسات الأخيرة لإعادة التفاوض بشأن وضع بريطانيا في الاتحاد وذلك خلال قمة أوروبية تنعقد هذا الأسبوع.
وقالت ديلى ميل إن تعليقات هاموند أثارت غضب المعارضين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، نظرا لسماح كاميرون لوزرائه المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد بالإدلاء بآرائهم وتعليقاتهم في مقابل حظر ذلك على المعارضين لبقاء بريطانيا في تشكيله الحكومة البريطانية.
وقال هاموند إن بريطانيا سوف تضطر إلى إقامة علاقة من نوع مختلف جدا مع الاتحاد الأوروبي إذا ما تم التصويت على خروجها. وأضاف: "أعتقد أن ما أخشاه وما يخشاه الكثيرون في أوروبا هو انه بدون بريطانيا فإن أوروبا ستترنح كثيرا في الاتجاه الخاطئ، بريطانيا كان لها تأثير هام جدا في أوروبا، مثل تأثيرها على فتح الأسواق امام التجارة الحرة".
إستطلاعات رأي
وكان استطلاع حديث قد أظهر أن الحملة الداعية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء المزمع في 23 حزيران المقبل، تتقدم على حملة تؤيد البقاء في الاتحاد.
الاستطلاع أجرته شركة "أو.آر.بي" عبر الإنترنت ، وشاركت فيه عينة قوامها 2014 شخصا، ونشرت نتائجه صحيفة "إندبندنت".
ويبين الاستطلاع أن التأييد لحملة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي زاد إلى 52 بالمئة، مقابل 48 بالمئة قبل شهر، بينما تراجع الدعم لحملة البقاء إلى 48 بالمئة مقابل 52 بالمئة.
وتحدّى رئيس بلدية لندن بوريس جونسون رئيس الوزراء دافيد كاميرون في وقت سابق هذا الأسبوع، وقال إنه سيدعم دعوات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
لكن 60 بالمئة ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا إن قرار جونسون لم يكن عاملا مؤثرا في رغبتهم بالتصويت لمصلحة الانسحاب، فيما قال 26 بالمئة إن قرار جونسون أدى دورا.
ووافق نصف المشاركين على أن الإقتصاد أدى دورا أكبر من أزمة المهاجرين، في تحديد قرارهم عند التصويت في الاستطلاع، مقابل 37 بالمئة قالوا عكس ذلك.
وهبطت قيمة الجنيه الاسترليني لأدنى مستوى منذ 7 سنوات أمام الدولار الأميركي، الجمعة، متأثرا بمخاوف من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبتوقعات متضاربة للنمو الإقتصادي في بريطانيا والولايات المتحدة.
نقاط استراتيجية
ومن الضروري هنا الإشارة إلى سبع نقاط تتعلق بهذا القرار الحيوي من الناحية الاستراتيجية:
أولا، يعتبر كل من إعادة التفاوض والاستفتاء مصدر إزعاج لا لزوم له، لكنه مصدر ذو عواقب خطيرة محتملة.
ثانيا، الفرضية التي تقوم عليها فكرة إعادة التفاوض هي فكرة حمقاء.
ثالثا، سينخفض الحوار ليصبح كتلة من التفاصيل الفنية، لكن القرار استراتيجي بشكل أساسي، يدور حول ما إذا كان المستقبل الأفضل لبريطانيا كعضو في شراكة معقدة وفوضوية من الدول الأوروبية.
رابعا، في حين أن الخيار استراتيجي، إلا أن القضايا التفصيلية معقدة جدا على نحو لا يستطيع الجمهور معه إصدار أحكام. لذلك، من الحتمي أن مصير الاستفتاء سيتقرر في النهاية من خلال الخوف والأمل، والثقة بصورة خاصة.
خامسا، في الوقت الذي يكون فيه التصويت بالبقاء تصويتا للوضع الحالي غير المريح، يكون التصويت بالخروج تصويتا نحو المجهول.
سادسا، يعتبر البديل للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي المتناسق فكريا هو الخروج التام، بمعنى الانتقال إلى علاقات تحكمها قواعد "منظمة التجارة العالمية".
سابعا، إذا كانت النتيجة حاسمة، فإنه من المرجح أن تسكن القضية لعدة عقود، إذا لم يحصل هذا، وقد لا يكون الاستفتاء حلا أبدا.
إذن، مرحى لسنة من النقاش المؤلم وغير الضروري. في النهاية، من المرجح أن تبقى المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي، خوفا من أمر أسوأ. الرأي العام البريطاني يكره الاتحاد الأوروبي، لكنه لا يريد أن يكون في الخارج أيضا. واستمرار العضوية غير المريحة هو مصيرها المحتمل.