
أن يسعى لبنان الى تطوير انظمته التجارية مع العالم لهو امر ضروري يساهم في نمو الحركة التجارية ويرفع نسبة الاستثمارات الاجنبية الجديدة بين لبنان والدول وبالتالي يعزز دوره وموقعه على الخريطة التجارية العالمية. هذا الامر يحفز بعض رجال الاعمال في غرف التجارة على الدخول في هذا النادي الدولي الكبير بغض النظر عن تداعياتها. لكن ثمة اشكالية حقيقية تطرحها اليوم قضية الانضمام الى منظمة التجارة الدولية، فهل سيتمكن لبنان من ان يكون تحت المظلة الدولية في ظل ظروف اقتصادية كبيرة وتراكم مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية. هذا دون ان ننسى اضافة الأثر السياسي السيىء على البلد الذي إن تأزم أكثر يشل الحركة الاقتصادية برمتها وهو ما نعانيه اليوم من جمود وتوتر في العلاقات بين المسؤولين في الداخل والازمة المستجدة مع دول الخليج وخاصة السعودية التي تهدد مصالح لبنان الاقتصادية مرة عبر التلويح بطرد العمال اللبنانيين من الخليج ومرة عبر سحب الأموال والودائع في بيروت ناهيك عن سيناريو مستقبلي في قطع حركة التجارة مع لبنان والامتناع عن استقبال البضائع اللبنانية وتراجع حركة التصدير ان استمر الوضع السياسي المتردي بينهما على حاله.
اما تداعيات الدخول الى المنظمة العالمية فكثيرة اولا فتح الاسواق امام منافسة عالمية تطرح عدة اسئلة عما اذا كان لبنان يستطيع بقطاعاته الاقتصادية ان ينافس اقوى اقتصاديات في العالم، فالشك سيد الموقف اذ تعاني بالأساس تلك القطاعات الصناعية والزراعية من ازمات ناهيك عن المشاكل المترتبة عليها منذ بدء الازمة السورية، فمع الاحداث السورية هبطت حركة التصدير وتراجعت انتاجية القطاعين وزادت كلفة النقل بحكم اقفال المعابر البرية واستبداله بالنقل البحري.
وحسب رأي القيمين على القطاعات الانتاجية فالامر سيقضي على القطاعات الصناعية والزراعية وسيزيد من عجز الميزان التجاري خاصة وان للبنان تجربة سابقة لم تكن مشجعة، وهناك توقعات زيادة العجز من 3 الى 5 مليار دولار، فبحسب الارقام بلغ حجم الاستيراد اللبناني من البضائع 20.49 مليار دولار مقابل تصدير 3.31 مليار دولار وهي نسب متفاوتة بشكل كبير.
واذ تشترط منظمة التجارة العالمية على الدولة الراغبة في الانضمام إليها تقديم جدول للتنازلات يحتوي على تعرفات جمركية تشكل التزامات لا يمكن رفعها من حيث المبدأ إلا في حالات خاصة. فباسقاط الرسوم الجمركية فهي تلغي الحماية على الصناعات الوطنية وتؤسس لمشكلة ركود وعجز في التصريف حتى بالسوق المحلي لانها لا توازي السلعة القادمة من الخارج ولا يمكن منافستها لاسباب عدة منها كلفة الطاقة والنقل واليد العاملة وكلف التشغيل.
ان كل ذلك يؤدي بالقضاء على الصناعة اللبنانية اضافة الى اختفاء الوكالات الحصرية والتي تمثلها اغلبية القوى الاقتصادية اللبنانية. لكن مصلحة لبنان تقتضي الحد من البطالة وتعادل الميزان التجاري فبانفتاح الاسواق ستضرب الصناعة ومعها اليد العاملة التي ستتوقف عن العمل بفعل دخول بضائع قوية الى السوق المحلية فترفع من قيمة استهلاكها وبذلك تقضي على 25% من الصناعات في حين يصل حجم الاستهلاك 75 % من البضائع.
اما قطاع الخدمات فالتأثير الخارجي عليه ليس كبيراً لكن هل سيعني هذا تحول اقتصاد لبنان الى قطاع الخدمات بكله، وهل يقوم الاقتصاد القوي على الخدمات فقط! وثم من الشروط الاساسية لدخول المنظمة ان تتعهد الدولة الراغبة في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بالتوقيع على بروتوكول يشمل الموافقة على تطبيق والتزام جميع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فهل باستطاعة لبنان الالتزام بجميع الاتفاقيات، وهل تلائم جميعها مصالحه ألديه من القوة الذاتية الكافية التي تجعله يفرض مصالحه بداخل المنظمة.
سهى غنوي