بعد توقف.. بدأ التنين الصيني من جديد يشق طريق الحرير في القارة السمراء لترويض نمرها طارحاً اليوان ـ الرينمينبي كعُملةً مُفضّلة، خاصة إذا علمنا بأنّها، أصبحت إحدى العُملات التي تمثلُ أحتياط النقد العالمي، الموجود في البنك الدولي، مزاحمة بذلك "يورو" أوروبا، و"دولار" أميركا. وطريق الحرير لليوان الصيني، بدأت من جنوب أفريقيا في زيمبابوي، والتي أعلنت رسمياً أنّ اليوان الصيني، عملةٌ رسمية في الدولة، بعد أن أعفتها بكين من ديونها التي بلغت أربعين مليون دولارٍ أميركي. وكانت زيمبابوي المستمدة أسمها من لغة الشونا (يعني الأسم بيت الحجر) قد تخلت عن عملة الدولار الخاصّة بها عام 2009 بسبب التضخم، وبدأت باستخدام عدد من العملات الأجنبية. إن عودة الروح الصينية، تعكس عادة مزيجاً من سيكولوجية السوق، والاستجابات السياسية للمصالح، وسط القلق المتنامي حول نفوذها الآخذ في الآنتشار بسرعة في أرجاء القارة السمراء. وهذا الاهتمام الصيني بأفريقيا ليس بالأمر الجديد. ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تركز اهتمام بكين على بناء جسور التضامن العقائدي مع البلدان النامية الأخرى لتعزيز الشيوعية الصينية، وعلى صد المدّ الاستعماري الغربي. وفي أعقاب الحرب الباردة، وتطورت الاهتمامات الصينية إلى مساع ذات صيغة براغماتية كالتجارة، والاستثمار، والطاقة. وفي السنوات الأخيرة، فأخذت بكين تنظر إلى القارة الأفريقية باعتبارها منطقة ذات أهمية إقتصادية واستراتيجية كبيرة. وبدأت أميركا تجد مع حلفائها وأصدقائها أن رؤيتها لقارة أفريقية مزدهرة تحكمها ديمقراطيات تحترم حقوق الإنسان، وحكم القانون، وتؤمن بحرية السوق، تواجه تحدياً عبر النفوذ الصيني المتزايد في أفريقيا. وتعرض بكين النموذج التنموي الصيني الفريد، والنمو الإقتصادي الكبير الذي تحققه وهي لذلك تسعى إلى مكافأة أصدقائها الأفارقة بالدعم السياسي والمساعدات الإقتصادية والعسكرية، وتعكس الحملة القوية التي تشنها الصين لتطوير روابط وثيقة مع بعض البلدان الأفريقية سعي بكين على الصعيد العالمي إلى عزل الغربي والأميركي بشكل خاص، وهي تستخدم أسلوباً لتشويش وصول اليد الأميركية في المدى الطويل إلى مصادر المواد الخام والطاقة المهمة لأن الشركات الصينية "تغلق"هذه الموارد وتكرسها للسوق المحلية الصينية للمحافظة على النمو الإقتصادي للصين. وبسبب حاجتها إلى مصادر الطاقة كان ذلك ما دفع بكين إلى البحث عن مصادر خارجية مستقرة. ومن المتوقع أن تزداد وارداتها من النفط والغاز من 33 في المائة حالياً من احتياجاتها الإجمالية من النفط والغاز إلى 60 في المائة في عام 2020. ولا ينمو الإنتاج الآسيوي من النفط والغاز بالسرعة الكافية لتلبية الاحتياجات الصينية، علماً بأن جزءاً كبيراً من النفط والغاز اللذين ينتجهما الشرق الأوسط يخصص في العادة إلى الأسواق الأميركية والأوروبية. وفي محاولة منها للسيطرة على احتياجاتها الاستهلاكية من النفط والغاز في ظل عدم الاستقرار في أسعار الأسواق، ركزت بكين على البلدان الأفريقية كأهداف محتملة للاستحواذ على الشركات المنتجة للمواد الهيدروكربونية فيها. وتشير التقديرات إلى أن 25 في المائة من واردات الصين الإجمالية من النفط يأتي حالياً من أفريقيا، ما حدا بالصين إلى أن تضع في أعلى سلم أولوياتها الاحتفاظ بعلاقات قوية مع موردي الطاقة الأفريقيين لها، ومن بينها الجزائر، وأنغولا، والغابون، ونيجيريا، والسودان، وزمبابوي. حظي السودان الذي يمد الصين بنسبة 7 في المائة من وارداتها الإجمالية من النفط بالقدر الأكبر من الاستثمارات الصينية. وتعتبر الشركة الوطنية الصينية للبترول أكبر مساهم منفرد في شركة النيل الكبرى للبترول التي تسيطر على حقول النفط في السودان، كما استثمرت 3 مليارات دولار في إنشاء مصافي النفط وخطوط الأنابيب في السودان منذ عام 1999. ومع ارتفاع درجات النمو الإقتصادي للصين، وتوسع حجم استثماراتها البالغة مليارات الدولارات في جميع أنحاء العالم في مجموعة متنوعة من الجهود، ظلت القارة الأفريقية التي تخترن حوالى 12% من احتياطي النفط العالمي، ونحو 10% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي العالمي. ناهيك عن الموارد الطبيعية التي يزخر بها باطن القارة، حلم الإمبراطورية الأكبر في توسيع هذه الإمبراطورية. عبر السنوات السابقة، سعت الصين إلى تعظيم نفوذها في القارة الأفريقية، من خلال سلسلة "غزوات" إقتصادية وتنموية للقارة السمراء، أصبحت من خلالها اللاعب الرئيسي فيها، وحجمت من حجم النفوذ الأميركي في أفريقيا. وأصبحت الصين منذ عام 2009 أكبر شريك تجاري لأفريقيا وأكبر مستثمر خارجي وتجاوز عدد الشركات الحكومية الصينية في أفريقيا أكثر من 700 شركة، وقفز حجم التبادل التجاري بين الجانبين من عشرة مليارات دولار عام 2000 إلى أكثر من مائتي مليار دولار حاليًا. كذلك بلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة والمعلنة في دول القارة أكثر من 21 مليار دولار. كما أعلنت بكين عن تأسيس صندوق التنمية الصيني - الأفريقي بموازنة وصلت إلى خمسة مليارات دولار. مدعومًا بحزمة من البرامج والالتزامات الصينية تجاه الدول الأفريقية حتى عام 2015. ويعد شمال أفريقيا سوقًا رئيسية للصين، فأكثر من 35% من الصادرات الصينية إلى القارة مخصصة لهذه المنطقة. ولذلك يخلق التغيير في حكومات شمال أفريقيا فرصًا تجارية، خاصة لشركات البناء الصينية. حرصت الصين في تطبيق سياستها تجاه أفريقيا على إقامة محطات تعاون مُشتركة مع الشعوب الأفريقية بالتوازي مع علاقاتها الإقتصادية مع الحكومات ورجال المال، من خلال تأسيس مشاريع لتحسين الأوضاع داخل القارة الأفريقية، لتثبيت أسس القوة الصينية علي الأراضي الأفريقية، واكتساب حماية من الشعوب الأفريقية لاستثماراتها. حيث وقعت الصين مع 48 دولة أفريقية اتفاقيات بشأن أموال المساعدات لها، وزادت من المساعدات المقدمة إلى الدول الأفريقية؛ ووقعت الصين مع 22 دولة أفريقية على اتفاقيات إطارية بشأن قروض بشروط ميسرة، لدعم 33 مشروعا. كذلك حرصت الصين على إعفاء 32 دولة أفريقية من ديونها المتأخرة لديها، وتدريب 10916 مسؤولا وفنيا من الجانب الأفريقي، واختيار 100 من كبار الخبراء الزراعيين الصينيين، وإرسالهم لنقل الخبرة الصينية في مجال الزراعة إلى أفريقيا. اعتمدت الولايات المُتحدة الأميركية إستراتيجية قائمة على العسكرة وخلق وإدامة بؤر التوتر، فلا نجد في أفريقيا من نفوذ أميركي غير القواعد العسكرية والعسكريين الأميركيين. أما بالنسبة إلى الصين فنجد العامل والمهندس في ورش البناء الطرق والمباني وأجهزة الحفر للتنقيب عن الثروات وكذلك السلعة الصينية وهي في متناول أيدي المجتمع، ووسائل تنمية صينية للمجتمعات الأفريقية.
الرئيسية | صناعة جديدة | الصناعات الغذائية | الصادرات الصناعية | صناعات لبنانية | العالم في شهر | من شهر إلى شهر | ملف خاص | الاقتصاد العربي | الاقتصاد الدولي
شروط الاعلان و الاشتراك في المجلة | من نحن | اتصل بنا