أي دور لـ "إسرائيل" في تأجيج الصراع بين دول حوض النيل بسبب سد النهضة؟
يواجه مشروع سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على نهر النيل عقبات في التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة المتعلقة بتشغيله وملء البحيرة والسعة التخزينية للسد، حيث تتخوف مصر من تأثير السد على حصتها من مياه النيل (55.5) مليار متر مكعب، مقابل إصرار إثيوبي على أن السد يمثل نفعا في مجال توليد الطاقة الكهربائية وأنه لن يلحق ضررا على دولتي المصب (مصر والسودان).
يُذكر أن الأطراف الثلاثة كانت قد وقعت إتفاق "إعلان مبادئ" حول سد النهضة يوم 23 من مارس/ آذار 2015 .
كيف ينظر المستقبل إلى بناء سد النهضة؟ وهل يراه مجحفا بحق مصر والسودان؟ أم أن لإثيوبيا حقا في نهر النيل أسوة بدولتي المصب؟ وهل يمثل تعثر الإتفاق بين الدول الثلاث بداية لصراع بين دول حوض النيل؟
توزع مياه النيل
بموجب الاتفاقات الدولية الموقعة حول النيل (قبل عام 2007) فإن دول المصب - مصر والسودان - تستأثر بحوالى 90% من مياه النيل السنوية (84 مليار متر مكعب) بواقع 55 مليار متر مكعب لمصر تمثل 97% من إنتاجها المائي، و18 مليار متر مكعب للسودان تمثل 77% من إنتاجها المائي.
يبدو هذا التوزيع مجحفا لدول المنبع، لكن الحقيقة تكمن في أن دول المنبع لاتعتمد على نهر النيل في تأمين حاجاتها المائية لأغراض الزراعة وإنتاج الغذاء بقدر اعتمادها على الأمطار الموسمية التي تقدر بعشرين مرة حجم مياه النيل ويذهب معظمها هدرًا.
الأمر لايمنع أن دول المنبع خاصة أثيوبيا ثم كينيا وأوغندا قد بدأت تبدي تذمرًا كبيرًا تجاه استئثار مصر والسودان بنصيب الأسد من مياه النيل وطالبت أكثر من مرة باعتماد توزيع أكثر عدالة لحصص المياه وإجراء تعديلات على الاتفاقيات المرتبطة بحوض النيل.
وينبغى هنا أن نؤكد أولا أن دولة إثيوبيا هي التي تتزعم حراك دول المنبع ضد مصر ، لاتبدو هذه الدول تعاني مشكلة كبيرة في توفير المياه للزراعة وإن أعلنت غير ذلك ، فحجم المياه الذى توفره الأمطار الموسمية يتعدى حجم مياه النيل سنويا بمعدل 10 أضعاف أي 800 -900 مليار متر مكعب، تبقى المشاكل الرئيسية التي تعاني منها هذه البلاد تتعلق بالبنى التحتية الزراعية كشق الترع والمصارف وتوفر التكنولوجيا إضافة إلى بطء معدلات التنمية بشكل عام.
ومع تقلص التواجد المصرى في أفريقيا، وغيابه تماما في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 بدأت هذه الدول تلجأ إلى قوى إقليمية ودولية أخرى لمشاركتها طموحها نحو التنمية عبر إقامة مشروعات إقتصادية كان أهمها استغلال التدفق المائى من أجل توليد الكهرباء عبر إقامة السدود ، لذا فإن السدود الأربعة التي تشرع إثيوبيا فى تشييدها إضافة إلى سد النهضة لا تهدف بشكل مباشر إلى تخزين المياه بقدر ما تهدف إلى توليد الكهرباء لتغطية العجز أولا وتحقيق فائض لتصدير الكهرباء ثانيا.
حقيقة الدور "الإسرائيلي"
لا توجد وثائق لترقى إلى درجة التأكيد تشي بتورط "إسرائيل" بالتحريض ضد مصر فى أزمة المياه، لكن النفوذ "الإسرائيلي" في دول حوض النيل صار حقيقة لا تقبل الجدال، وهو ما أكده البروفيسور (شلومو أهرونسون) أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب خلال بحث له عن تصنيف علاقات "إسرائيل" بالدول الأفرقية والذى جاءت فيه دول إريتريا، إثيوبيا، أوغندا، الكونغو برازافيل، رواندا، بوروندى وكينيا ضمن المستوى الأول في التصنيف بما يعني أن "إسرائيل" تركز جهودها فعليا على دول حوض النيل.
على سبيل المثال، تعد إريتريا أكبر قاعدة للوجود العسكري "الإسرائيلي" فى إفريقيا، وتنطق بذلك حقائق ومعطيات حجم الوجود العسكري.
فلقد كشفت وثيقة صادرة عن إدارة التعاون الدولي في وزارة الدفاع "الإسرائيلية" في شهر أغسطس/ آب عام 1997 حول الوجود العسكري، تناولت الأرقام التالية: وجود ما بين (500-700) مستشار عسكرى من مختلف صنوف الأسلحة لا يتولون تدريب القوات الإريترية وحسب، وإنما قيادة بعض الوحدات المهمة مثل بعض القطع البحرية وتشمل المنظومات الإلكترونية، ووسائل الدفاع الجوي والبحري، ومحطات الرادار .
كما تمد "إسرائيل" إريتريا بمنظومات قتالية متطورة مثل الطائرات ، وقطع البحرية كالزوارق الحاملة للصواريخ (سفر) و(دابورا) وصواريخ مضادة للأهداف البحرية من طراز (جريانيل) وصواريخ مضادة للدروع ، ويؤكد التقرير أن إريتريا ستكون حتى عام 2000 قادرة على امتلاك قوة عسكرية فاعلة ومؤثرة وقادرة على منازلة الخصوم .
الأمر لايقتصر على إريتريا، فقد سبق للصحف "الإسرائيلية" أن نشرت تفاصيل عن مهمة تطوير القوات المسلحة الإثيوبية أشرفت عليها "إسرائيل" بداية من عام 1995، حيث عملت على تنفيذ برنامج خماسى - أي خمسة أعوام- يتعين خلاله إعادة هيكلة وتنظيم وتسليح الجيش الأثيوبى ليكون قادراً على مواجهة أي تحديات من داخل القارة الأمر الذي قد يؤشر ربما إلى أن إثيوبيا كانت تخطط لاتخاذ خطوات بشأن ملف المياه منذ عقدين من الزمان.
وطبقاً لتلك المصادر فإن "إسرائيل" بدأت ومنذ عام 1996، تضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى أثيوبيا شملت طائرات نقل واستطلاع من نوع “عرابا” المنتجة في "إسرائيل"، كما شملت دبابات من طراز (ميركافا) السوفيتية والتى جرى تحسينها وكانت "إسرائيل" قد استولت عليها أثناء حرب 67، إضافة إلى منظومات رادار وصواريخ بحرية، ومنظومات صواريخ "باراك" و "جبريائيل" وصواريخ ومدافع مضادة للطائرات .
بالنسبة إلى أوغندا فهناك عدد كبير من المستشارين "الإسرائيليين" فى مجال القوة الجوية والدفاع الجوى والقوات البرية والقوات الخاصة والدروع وتتراوح أعدادهم ما بين (250-300) ضابط، كما تحتفظ "إسرائيل" بعلاقات مع الكونغو برازافيل ومع رواندا وبوروندي، وكانت تقارير قد أعدتها عضوة الكنيست "بغما حزان" عن حركة "ميرتس" قد أماطت اللثام عن تدفق الأسلحة "الإسرا ئيلية" إلى كل من بوروندى، ورواندا ، والكونغو برازافيل، وعرضت ” حزان ” صوراً من الأسلحة "الإسرائيلية" المستخدمة فى ساحة الحروب الأهلية ودور المستشارين "الإسرائيليين" المتواجدين هناك فى إذكاء هذه الحروب .
خطر السد على مصر؟
يمثل السد خطرا على مصر من عدة أوجه وليس من وجه واحد:
أولها يتعلق بالفترة اللازمة لملء خزان السد "74 مليار متر مكعب" حتى يمكن للسد العمل بكامل طاقته، وبالطبع تريد إثيوبيا تقليص هذه الفترة إلى أقصى درجة ممكنة، فبافتراض كون هذه الفترة 5 سنوات مثلا، فهذا يعنى استهلاك السد لـ 15 مليار متر مكعب من الماء سنويا على مدار 5 سنوات تحسم من مصر والسودان بنسبة حصتيهما "3 إلى 1" بما يعنى تناقص حصة مصر السنوية بحوالى 12 مليار متر مكعب على الأقل لتصل إلى "40-43 مليار متر مكعب سنويا" وهو ما قد يمثل كارثة بالنسبة إلى مصر التى تصنف كإحدى الدول الفقيرة مائيا حيث حصة الفرد أقل من 650 متراً مكعباً من الماء سنويا أي أقل من ثلثى المعدل العالمي "1000 متر مكعب للفرد" ، كما أنه في مقابل كل مليار متر مكعب تناقص من حصة مصر المائية فإنه من المتوقع أن تخسر مصر 200 ألف فدان زراعي.
الخطر الثانى المؤكد هو أن نقص مخزون المياه خلف السد العالي سيؤثر سلبا على الطاقة الكهربائية المتولدة منه بما يتراوح بين 20 و40%، بحسب خبراء في مجال المياه ما سيعمق من أزمة الكهرباء التي تعيشها مصر.
الخطر المحتمل يتمثل في استخدام جزء من هذه المياه للزراعة بما يعني أن حصة من مياه الخزان سيتم تفريغها لأغراض زراعية بما يعني الحاجة إلى إعادة ملئها وساعتها لن تكون الأزمة متعلقة بفترة ملء الخزان فقط ولكن بتناقص دائم في حصة مصر السنوية في مياه النيل.
والخطر الأكبر يكمن في الاستهداف العسكري للسد لأي سبب أو توظيفه لأغراض عسكرية أو حتى وجود احتمالية لانهياره بسبب أي أخطاء في التصميم أو لطبيعة المنطقة التي أقيم فيها كما يزعم بعض الخبراء ما يؤدي في حال انهيارخزاناته إلى تدفق مفاجىء للمياه الأمر الذى ينذر بفيضانات هائلة وغرق لمساحات شاسعة في السودان ومصر وإلحاق أضرار بالغة بالسد الحالي قد تصل إلى تدميره كاملا في حالات معينة.