صندوق النقد ومراكز دراسات يطلقون توقعاتهم لـ 2016:
إنكماش الناتج المحلي العربي... وتفاؤل خليجي
بات واضحًا أن الإقتصادات العربية والعالمية لعام 2015 أضحت إرثًا ثقيلًا سيحمل الشعوب سنوات عجاف، بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وأعمال العنف والحروب طويلة الأجل التي بدأت ككرة الثلج من تونس مرورًا بمصر وليبيا واليمن وصولا إلى سوريا، بأوضاع مثقلة ومضطربة إن كان من ناحية الموارد أو توزيع مكتسبات الثروة.
يأتي العام الجديد في ظل تقارير دولية تؤكد أنه لا توجد مؤشرات لتحسن واضح في ظل الإرهاصات الأمنية الإرهابية التي أعقبت الأزمات التي وقعت في العالم العربي سواء في المشرق أو شمال أفريقيا.
تقييم الحصاد الإقتصادي
إن الاستقرار الأمني والسياسي هو أحد أهم المقومات الرئيسة للتنمية الإقتصادية فبدون الأمن لا توجد تنمية وبدون التنمية لاتوجد الدولة القوية ذات الأسس السليمة.
ومع غياب الاستقرار الأمني والصراع المسلح في العراق وسورية وليبيا واليمن، بينت دراسة أن معظم موازنات الدول العربية تعاني من عجز مزمن ما يؤكد تأثير الإيرادات النفطية.
من جهته أطلق صندوق النقد العربي تقريره السنوي تحت عنوان "آفاق الإقتصاد العربي" متضمناً تحديثاً لتوقعات النمو الإقتصادي والتضخم خلال عامي 2015 و2016.
أشار التقرير إلى أن النشاط الإقتصادي العالمي لم يشهد تحسناً ملحوظاً خلال النصف الأول من عام 2015 بخلاف ما كان متوقعاً من قبل عدد من المؤسسات الدولية، وهو ما يعزى إلى عدد من العوامل لعل من أهمها: الأداء الأقل من المتوقع للإقتصاد الأميركي، واستمرار المخاطر المحيطة بالنمو الإقتصادي في منطقة اليورو، كذلك انكماش الناتج في كومنولث الدول المستقلة نتيجة المخاطر الجيوسياسية، إضافة إلى تراجع وتيرة النمو في بعض الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة على رأسها الصين، وبعض دول أميركا الجنوبية والدول الرئيسية المصدرة للنفط.
على ضوء ما سبق خفّضت المؤسسات الدولية من توقعاتها لنمو الإقتصاد العالمي عن العام الحالي إلى 3.3 في المائة. في المقابل من المتوقع نمو الإقتصاد العالمي بنحو 3.8 في المائة عام 2016 في ظل التوقعات بتحسن معدل نمو الدول المتقدمة والدول النامية واقتصادات السوق الناشئة على حد سواء. على صعيد التجارة الدولية، من المتوقع نموها بنسبة 4.1 في المائة عام 2015، ومواصلتها الإرتفاع بنسبة 4.6 في المائة العام المقبل، وهو ما لا يزال أقل بكثير مقارنة بمعدلات نمو التجارة الدولية المسجلة قبل الأزمة المالية العالمية التي كانت تمثل ثلاثة أضعاف معدلات نمو التجارة الدولية المسجلة حالياً.
وتتوقع المؤسسات الدولية تراجع الأسعار العالمية للنفط بنحو 40 في المائة خلال عام 2015، وتعافيها بنسبة 9 في المائة عام 2016، مع تعزز مستويات النشاط الإقتصادي العالمي والتوقعات بتراجع مستويات المعروض من خارج دول أوبك.
إتجاهات النمو
أشار التقرير إلى أن التطورات السابق الإشارة إليها سوف تؤثر في مستويات الطلب العالمي، ومن ثم في أداء الإقتصادات العربية خلال عامي 2015 و2016 خاصة على ضوء مساهمة الصادرات العربية الإجمالية بنحو 53 في المائة من الطلب الكلي وارتفاع الأهمية النسبية للإيرادات النفطية إلى ما يشكل 68 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة للدول العربية كمجموعة.
في ما يتعلق باتجاهات النمو الإقتصادي في المنطقة العربية خلال عام 2015، وكنتيجة للإنعكاسات المحتملة للتطورات الإقتصادية العالمية، وعلى ضوء التطورات المحلية التي شهدتها الإقتصادات العربية خلال العام والإفتراضات الرئيسية للتقرير، توقع صندوق النقد العربي تحقيق الدول العربية كمجموعة معدل نمو يتراوح حوالى 2.8 في المائة عام 2015، بما يعكس تحسن آفاق النمو في بعض الدول العربية وتراجعها في دول عربية أخرى.
في هذا السياق من المتوقع انخفاض معدل نمو الناتج بالأسعار الثابتة للدول العربية المصدرة للنفط إلى 2.7 في المائة خلال عام 2015 مقارنة بنحو 3 في المائة للنمو المسجل عام 2014، مع استمرار التباين في وتيرة النمو المحققة داخل المجموعة.
وفي ما يتعلق بالدول العربية المستوردة للنفط - التي كانت قد شهدت خلال السنوات السابقة تطورات غير مواتية على صعيد النمو الإقتصادي - فمن المتوقع استفادتها عام 2015 من الاستقرار النسبي المُحقق في بعضها، ومن الأثر الإيجابي الناتج عن تنفيذ عدد من الإصلاحات الإقتصادية إضافة إلى استفادة بعضها نسبياً من تراجع الأسعار العالمية للنفط. عليه، من المتوقع ارتفاع معدل نمو دول المجموعة إلى 3.4 في المائة لعام 2015، مقارنة بنحو 2.5 في المائة للنمو المسجل العام الماضي.
أما في ما يتعلق بتوقعات النمو للدول العربية خلال عام 2016، من المتوقع ارتفاع وتيرة النمو الإقتصادي في الدول العربية كمجموعة إلى نحو 3.5 في المائة عام 2016 في ظل التحسن المرتقب للأنشطة الإقتصادية في كل من مجموعتي الدول العربية المصدرة للنفط والمستوردة له على حد سواء.
وعلى مستوى مجموعات الدول العربية، من المتوقع أن تشهد مجموعة الدول العربية المصدرة الرئيسية للنفط ارتفاعاً في معدل التضخم إلى نحو 4 في المائة عام 2015 مع تباين اتجاهات تطور الأسعار المحلية داخل دول المجموعة. أما في ما يتعلق بمعدل التضخم المتوقع في الدول العربية كمجموعة لعام 2016، فمن المتوقع ارتفاعه إلى 7.8 في المائة خلال العام المقبل بما يعكس تأثير الارتفاع المتوقع في الأسعار العالمية للنفط، وبعض الضغوط التضخمية المحتملة نتيجة تسارع مستويات الطلب المحلي في ظل التحسن المتوقع في النشاط الإقتصادي في عدد من الدول العربية وتسارع وتيرة تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية الضخمة في بعضها.
معدلات البطالة
على صعيد مجموعات الدول العربية، من المتوقع عام 2016 ارتفاع المستوى العام للأسعار في الدول العربية المصدرة للنفط ليصل إلى نحو 4.3 في المائة، في ظل التوقعات بارتفاع التضخم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى 2.8 في المائة، ومواصلته الإرتفاع في الدول العربية الأخرى المصدرة للنفط إلى 4.6 في المائة. كذلك يتوقع ارتفاع معدل التضخم في الدول العربية المستوردة للنفط إلى نحو 11.4 في المائة عام 2016.
وعلى الجانب الأخر، ارتفعت معدلات البطالة في عدد من الدول العربية في نهاية العام 2015 لتصل إلى نحو 23 مليون عاطل عربي، ومن المتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل العام 2025 إلى نحو 80 مليون عاطل، حسب ما أوضح تقرير إقتصادي صادر عن "المركز الديبلوماسي للدراسات الاستراتيجية".
وذكر التقرير، إن "هذه الأرقام جاءت وفق بيانات رسمية ودولية"، مشيراً إلى أن "غالبية الدول العربية تشهد في الوقت الراهن تراجعاً في أداء إقتصاداتها".
وأضاف أن "مشكلة البطالة تضاف إلى التحديات التنموية التي تواجه الدول العربية كون معدلات البطالة فيها هي الأعلى في العالم ولأن قوة العمل العربية تنمو بمعدل أسرع مقارنة بأقاليم العالم الأخرى ما يتطلب إيجاد حلول سريعة وناجعة لمشكلة البطالة في الدول العربية".
من المتوقع أن تلقي الأزمات الإقتصادية بظلالها على العام الجديد 2016 رغم بعض التفائل، لتصبح الاستحقاقات المالية وإقرار الموازنات ومواجهة أسعار النفط من أهم التحديات التي قد تواجهها المنطقة العربية، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط على خلفية حرب التحالفات الدولية ضد الأرهاب والتي قد تدفع باتجاه استنزاف موارد الدول عربيًا ودوليًا.