قوة أوروبية مشتركة لتتبع شبكات تهريب البشر وتفكيكها
وقائع موت معلن في البحار... والشاحنات
ستبقى الشموع تضيئ ساحات محطات قطارات الشرق في العديد من العواصم الأوروبية في وقفة تضامنية، قام بها المئات للتنديد بالمعاملة السيئة التي يتعرض لها اللاجئون خلال رحلتهم للوصول إلى الإلدورادو الأوروبي.
ما حدث في البحار وشاحنات الموت مروّع. بل لا توجد كلمات لوصفها. هناك الكثير من المسؤولين عمّا حدث وستطول القائمة مع مرور الأيام، ولكن في النهاية يجب أن نستخلص من هذه المأساة أنّ البحر المتوسط وشاحنات الموت ليس المكان الوحيد الذي يشهد غرق السفن وموت الآلاف، ولكن أيضا في البعد الإنساني المخاطر نفسها التي تهدد هؤلاء.
الشاهد أن الصور المروّعة التي تداولتها وكالات الأنباء خلال الأسابيع الماضية لمأساة غرق اللاجئين قبالة السواحل التركية واليونانية والليبية والمجرية والإيطالية واختناق العشرات في الحافلات أدت إلى الإسراع في فرض إجراءات سياسية لتشديد قوانين الهجرة، وأمنية لمنع المهاجرين من عبور الحدود بأي ثمن، بدلا من البحث في استراتيجية أكثر شمولا للأزمة. ومثال ذلك إعلان المجر عزمها تشديد 13 قانونا معتبرة أن «سياسات الاتحاد الأوروبي التي قال إنها تشجع تدفق المهاجرين بأنها "غير مسؤولة".
ومن اللافت أن دولا أوروبية مثل ألمانيا أصبحت تعتبر أن قضية الهجرة تجاوزت الأبعاد الأمنية والإقتصادية على أهميتها، وأصبحت تشكل «مسألة هوية» ما أدى إلى الهجمات العنصرية غير المسبوقة ضد المهاجرين في القسم الغربي من البلاد. وفي محاولة للجم تصاعد التطرف والعنف ضد المهاجرين، دعا الرئيس الألماني يوآخيم جاوك الألمان إلى تعريف جديد لمصطلح الأمة والقومية. وقال "أعتقد أن النقاش حول فرص الهجرة إلى ألمانيا سيزداد زخما عندما يتخلص عدد أكبر من المواطنين من الصورة التي تكونت لديهم عن الأمة حتى الآن، والتي تبدو متجانسة تماما وكل أبنائها يتحدثون الألمانية كلغة أم، ويدينون بالمسيحية في الأغلب الأعم ويكون لون بشرتهم أبيض".
ومع استمرار غياب استراتيجية أوروبية موحّدة لمعالجة هذه المأساة، ستعمل بعض الحكومات الأوروبية على استغلال مأساة الهجرة لتحقيق مكاسب انتخابية، فيما ستغلب الطبيعة الأمنية والعسكرية تلقائيا على مكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة في ظل قرار ضمني من المجتمع الدولي بغض النظر عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة بحق مهاجرين قد يكونون غير نظاميين لكن أغلبهم شرعيون بالنظر إلى المناطق التي هربوا منها.
الجديد الذي لم يشر إليه الإعلام العالمي، وهو يسلط أضواءه على قضية المهاجرين وتدفقاتهم المتزايدة، أن الدول الأوروبية تبحث جدياً فكرة التدخل واستخدام القوة لمواجهة عمليات الهجرة غير الشرعية. وبالتالي، تصبح الحملة الإعلامية الجارية عملية تمهيد للرأي العام، لكي يتقبل الإجراءات الأوروبية المحتملة. إلى هنا، ليس في الأمر ما يقلق، تسلسل منطقي يتم في كل الحالات، عندما تريد الدولة أو الدول اتخاذ إجراءات مهمة، سواء في التعامل مع شعوبها ومواطنيها، أو مع مواطني دول أخرى وشعوبها. لكن، لو توقف الأمر عند ذلك، لتركزت الأنباء التي تلح علينا يومياً بشأن زيادة أعداد المهاجرين بشكل يضعف قدرة الدول المستقبلة على استيعابهم. أو، مثلاً، السلبيات المرتبطة بسلوكيات المهاجرين، أو صعوبة اندماجهم مع المجتمعات الأوروبية، إلى غير ذلك من التداعيات المصاحبة لعمليات الهجرة غير الشرعية خصوصاً. غير أن ما يحدث منذ أسابيع هو تركيز وإلحاح إعلامي على ما يتعرض له المهاجرون من مشكلات في أثناء عمليات التسلل، خصوصاً ما يهدد حياتهم.
ويمكن بسهولة ملاحظة اقتصار نوعية ولغة الأخبار المتداولة في هذا الشأن على "مصرع" أو "غرق" أو "اختناق" أعداد متفاوتة من المهاجرين القادمين من ليبيا وسورية خصوصاً. ذلك الإلحاح والتكرار يخلق عند المتلقي ارتباطاً شرطياً بين عمليات الهجرة والموت. على خلاف الصورة الذهنية المتواترة حول ارتباط الهجرة، شرعية أو غير شرعية، بحياة جديدة ومستقبل طموح. لكن، بحكم الأوضاع السيئة للغاية في الدول المصدرة للمهاجرين، لا تمثل فكرة اقتران الهجرة غير الشرعية بالموت رادعاً، ولا تصلح بالضرورة فزاعة تدفع من يفكر في الهجرة إلى التراجع. فيصبح الأكثر منطقية هو ارتباط تلك الحملة الإعلامية باستعداد بعض الدول الأوروبية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه المهاجرين. وهو ما بدأت إرهاصاته بالفعل قبل يومين، بإعلان سويسرا وإيطاليا وألمانيا تشكيل "قوة مشتركة"، لتتبع شبكات تهريب البشر وتفكيكها. وبدأت القوة الجديدة عملها بالفعل مع بداية أيلول. ووفقاً لما أعلنته المتحدثة باسم الشرطة الاتحادية في سويسرا، فإن الخطوة كانت محل بحث وتحضير من الدول الثلاث في الأشهر الماضية.
تدخل الهجرة إلى أوروبا مرحلة جديدة مختلفة، وتشكيل قوة ثلاثية ليس سوى بداية خطوات أخرى، قد تشمل ما دعت إليه دول أوروبية قبل بضعة أشهر، طالبت بمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية بالقوة، وتكوين قوة بحرية لرصد زوارق المهاجرين في عرض البحر وإعادتهم إلى بلدانهم. ما أغفله الإعلام الغربي أن ثمة تناقضاً أوروبياً صارخاً بين استخدام للقوة واستئساد على هاربين من الموت والدمار في بلدانهم، في مقابل تغافل وصمت مخز تجاه حكومات وقوى محلية وإقليمية هي المتسببة في ذلك الدمار.