صدمة يوان التنين... هل هي حرب عملات جديدة؟
شكّل الخفض المفاجئ لليوان الصيني صدمة في الأسواق العالمية رغم تبريرات البنك المركزي (بنك الشعب) بأن ذلك يأتي كوسيلة لتحقيق الإصلاح في السوق، وقال البنك في بيان له: "بالنظر إلى الوضع الإقتصادي الدولي والمحلي، لا يوجد حاليا أساس للاتجاه نحو تخفيض دائم لقيمة اليوان"، غير أن المراقبين فسروا ذلك بأنه خطوة لزيادة الصادرات الصينية على المدى الطويل، وكان لافتاً أن هذا الانخفاض المفاجئ لليوان قابله طلب متزايد على الذهب!؟
وذكر البنك المركزي في بيان على موقعه الإلكتروني أن هذا التغيير في متوسط سعر اليوان هو تعديل غير متكرر يعكس حال السوق ووضع العملة الفعلي. وأضاف أن "السوق تحتاج إلى بعض الوقت لكي تعدّل أوضاعها بعد تغيير السعر المتوسط... والبنك المركزي سيراقب عن كثب السوق ويعمل على استقرار توقعات السوق".
ورغم المخاوف التي تسيطر على العديد من تجار العملة، فإن خبراء يقولون إن تطمينات السلطات النقدية الصينية تدعمها احتياطات بنك الصين المركزي التي تفوق 3 ترليونات كافية لإعادة الاستقرار لليوان.
وتضغط الصين منذ فترة طويلة لإدراج اليوان ضمن هذا السلة إلى جانب الدولار واليورو والين والجنيه الاسترليني. وسط مخاوف من حدوث حرب عملات.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك علاقة مباشرة بين تخفيض العملة وتحقيق النمو الإقتصادي، خصوصاً أن تخفيض اليوان سوف يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على البضائع الصينية وبالتالي إلى زيادة الصادرات، وهذا بدوره يؤدي إلى نمو إقتصادي على المدى الطويل وتأثير إيجابي على الدول الأسيوية المجاورة.
ويشير ما جون، وهو أهم الإقتصاديين في البنك المركزي الصيني، إلى توقعات بنمو الإقتصاد الصيني بمعدل 7 بالمئة إذا إستمر الإقتصاد على هذا النحو. كما أشار إلى أن البنك المركزي لن يقوم بأي تدخلات إلا في حال حصول تقلبات شديدة في السوق الصينية والتي تؤثر بدورها على قيمة العملة الصينية، وعلى تزعزع الإقتصاد الدولي كما أعرب عن ذلك البنك المركزي الألماني.
وقال صندوق النقد الدولي إن التحرك الذي يهدف لأن يكون سعر الصرف أكثر توجها نحو السوق "يبدو أنه خطوة موضع ترحيب". وأضاف "الصندوق" في بيان: "زيادة مرونة سعر الصرف يعد شيئا مهما للصين في إطار مساعيها لمنح قوى السوق دورا حاسما في الإقتصاد والاندماج بسرعة في الأسواق المالية العالمية". وتابع: "نعتقد أن الصين قادرة، ويجب عليها، تحقيق نظام لتعويم سعر الصرف بشكل فعّال في غضون فترة تمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام".
ومع ذلك، قال "الصندوق"، إن هذا القرار لن يؤثر على اعتباراته في ما يتعلق بسعي بكين لإدراج اليوان في سلة "حقوق السحب الخاصة" لصندوق النقد الدولي، وهي العملات التي تستخدمها الدول الأعضاء في الصندوق في المدفوعات في ما بينها، أو في التعامل بينها وبين الصندوق.
وتشير النتائج البحثية للعديد من الأبحاث العابرة للحدود إلى أن حدوث تراجع كبير في سعر صرف عملة دولة ما، يرجع أساسا إلى وضع إقتصاد الدولة بعينها. وعادة تشهد الدول التي تتعرض إلى عجز في المشاريع الدائمة، وإرتفاع نسبة الدين الخارجي في الناتج الإجمالي، وانخفاض مستوى إحتياطي النقد الأجنبي والعجز المالي وإرتفاع مستوى الدين والركود الإقتصادي وإرتفاع مستوى التضخم وغيرها من المشاكل، أزمات في سعر الصرف.
لقد أوجدت حركة اليوان الجديدة بعض المخاوف التي بدأت تحوم حول إمكانية حدوث هجرة كبيرة لرؤوس الأموال مع شروع الصين في تحرير رؤوس الأموال تدريجيا، ماقد يؤدي إلى تراجع سعر صرف اليوان. لكن، في الحقيقة، فإن تحرير رؤوس الأموال بشكل تدريجي يمكنه أن يرفع من مستوى حرية وليونة المشاركين في السوق الصينية في إدارة الموارد المالية على المستوى الدولي، إلى جانب تمكين المزيد من الأجهزة والمستثمرين الصينيين من الإستثمار في الخارج، لكن من جهة أخرى، قد يعني تحرير رؤوس الأموال في الإتجاهين زيادة الإستثمارات الأجنبية في الصين. مثلا، تترنح نسبة الأرباح في العديد من الدول الأوروبية المستدانة على حافة الصفر، في حين تبلغ نسبة الفائدة بدون مخاطر في سوق الأوراق المالية الصينية قرابة 3.2% (مثلا سعر فائدة السندات الحكومية خلال 5 سنوات)، وتتراوح نسبة الفائدة على السندات المالية وسندات الشركات ضعيفة مستوى المخاطر بين 3.5% و4.5%، مايجعل السوق الصينية تتمتع بجاذبية كبيرة تجاه المستثمرين الأوروبيين.
على ضوء ما تقدم، يمكن القول إنه في حال حافظت الصين على تنسيق جيد بين خطوات الإنفتاح على الأسواق الأجنبية ومختلف الإجراءات، سيكون من السهل التحكم في مخاطر حركة رؤوس الأموال العابرة للحدود، ومن ثمّ، تجنيب سعر الصرف من التعرض إلى صدمة.
ومن الجدير بالذكر أن موجات الصدمة الناتجة من تخفيض قيمة اليوان الصيني بشكل مفاجئ كان لها صداها على إقتصاديات عدد من الدول الأفريقية؛ حيث أدت إلى تراجع قيمة عملاتها، وتنامي القلق من أن يفقد أكبر شريك تجاري شهيته لكل شيء في القارة السمراء بداية من الوقود وحتى النبيذ، وفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وأوضحت الصحيفة في تقريرها أن الطلب الصيني على النفط الأنغولي والنحاس الزامبي والذهب الجنوب أفريقي عزّز التجارة بين العملاق الإقتصادي الأسيوي (الصين) والقارة السمراء الغنية بالموارد الخام؛ ما أدى بالتالي إلى تسارع النمو في هذه الدول الأفريقية الثلاث، لكنه ترك إقتصادياتها في مهب رياح أية تحولات تجريها بكين على سياساتها.
وفي حزيران الماضي، قال «البنك الأفريقي للتنمية» إن قيمة التجارة الأفريقية مع الصين بلغت في عام 2013 نحو 211 مليار دولار، وهو رقم يزيد بنحو مثلي قيمة تجارة القارة السمراء مع الولايات المتحدة.
وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقريرها أن تراجع قيمة اليوان الصيني، حاليا، أثار تخوفات لدى وزارات الخزانة في أفريقيا من تراجع القوة الشرائية للصين، إضافة إلى قلق من أن يتباطأ ثاني أكبر إقتصاد في العالم بأكثر مما تتوقعه الأرقام الرسمية.
يذكر أن إقتصاد الصين كان قد سجل خلال العام الماضي نموا بمعدل 4،7% من إجمالي الناتج المحلي وهو أقل معدل نمو له منذ 24 عاما.