كشف عن وجود طلبات لعمليات دمج لمصارف
حمود: حفظ مال المودعين هدفنا الأساسي
صدق من قال "مصداقية مصارفنا من مصداقية أجهزة وأنظمة الرقابة المصرفية، فليس خافياً على أحد دور المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف في تمتين القطاع وضمان استقراره.
الإيمان بأهمية دور المصرف المركزي والرقابة قاسم مشترك بين المصارف ولجنة الرقابة، فإذا كانت المصارف دون أي استثناء قد أثنت على دور الرقابة وأهميتها، فرئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود يعبّر عن إيمانه العميق بدور الرقابة التي تشكل العمود الثالث في القطاع إلى جانب المصارف والمصرف المركزي، في خلق قطاع مصرفي، حيوي، منظم وفاعل. ويشدد على انه "يخطئ من يظن أن الرقابة الشديدة تأتي على قطاع مصرفي ضعيف. فالرقابة الصحيحة والقوية لقطاع مصرفي صحيح وقوي". ولفت حمود في حديث مع "الصناعة والإقتصاد" إلى أن "هذه المعادلة تؤمن بها لجنة الرقابة، وتعمل باستمرار على تحقيقها لضمان متانة القطاع المصرفي وتأمين استمراريته.
وفي رد على سؤال حول طبيعة العلاقة بين اللجنة والمصارف، قال حمود: " بكل شفافية، نحن لا نؤدي دور "البوليس والحرامي"، نحن مؤمنون بحيوية القطاع المصرفي إذ استطاع أن يواجه أصعب المراحل والأزمات التي مر فيها لبنان. طبعاً، في مرحلة من المراحل كان هناك نوع من التشويه، حيث خرجت مؤسسات كثيرة نتيجة تصفية أو دمج وفقاً للقوانين الصادرة. لكن القطاع المصرفي اليوم وبشكل عام شوائبه بسيطة وهامشية، وهو قادر على التحكم بإدارته وتحمل مسؤولياته".
وأضاف: "رغم صحة القطاع المصرفي لا يمكن أن يترك من دون رقابة. فالمصارف هدفها الأرباح السنوية وهذا أمر مشرَع، ولجنة الرقابة تريد لهذه الأرباح أن تتحقق لكن ليس على حساب جودة الموجودات وسلامة أموال المودعين.
عمل اللجنة
وأوضح حمود أن "لجنة الرقابة تمارس دورها بالدرجة الأولى عبر ضمان سلامة القطاع المصرفي التي تتوقف على ثلاثة عناصر هي: سلامة سيولته، سلامة ملاءته، وسلامة ربحيته". وأشار إلى وجود عنصر رابع لا يقل أهمية عن العناصر الثلاثة المذكورة وهو درجة الحوكمة ومستوى الإدارة التي تدير هذه المصارف.
وقال: "على صعيد السيولة، هناك معايير فرضتها لجنة بازل نتابعها ونقوم برقابة صحيحة عليها لضمان صحة هذه السيولة بحيث لا يتعرض المصرف إلى أي خطر يبعده عن الإيفاء بإلتزاماته. أما على صعيد الملاءة والتي تعني حجم الرساميل مقارنة مع الموجودات فهناك أيضاً معايير فرضتها بازل نراقبها باستمرار. أما الربحية، فتحتل أهمية خاصة لدى المصارف كونها تؤمن استمرارية المصرف ونموه وترضي المساهمين."
وأضاف: "الهدف الأساسي للجنة الرقابة ليس المساهمين، إنما هو حفظ مال المودعين. لذلك هي بحاجة دائماً إلى التأكد من أن الموجودات التي تظهرها الميزانيات صحيحة وتضمن تغطية المطلوبات اي الودائع".
وتابع: "بصورة موازية، تمارس اللجنة نوعاً آخر من الرقابة على مستوى الحوكمة هذه المصارف. لذلك تسأل عن مستوى الإدارة في القطاع. هل هي إدارة حديثة، شابة، كفوءة، مثقفة؟ كما تسأل عن المعلوماتية التي تستخدمها المصارف".
شكلا الرقابة
وأكد حمود أنه "لا بد من فعالية الرقابة لضمان توازن القطاع المصرفي". ورأى أنه "لقطاع مصرفي حيوي، منظم وفاعل لا بد من رقابة ساهرة، ولا بد للرقابة من المحافظة على سمعتها عبر الاتصال والاحتكاك المباشر مع المصارف للتأكد من أن العمليات التي تقوم بها لا تشوبها شائبة".
واشار إلى أن هذه الرقابة تمارس عبر شكلين: الرقابة المستندية بحيث تطلب اللجنة معلومات من المصارف تأتيها بشكل دوري منها أسبوعي، شهري، فصلي، نصف سنوي، أو سنوي. وتأخذ هذه المعلومات وتحللها وتراقب وجود أي علامات إنذار مبكر من خلالها".
ولفت إلى أن "الشكل الثاني من الرقابة يتجلى بالرقابة الميدانية حيث يزور مراقبون يتمتعون بالكفاءة العالية المصارف للتأكد من صحة الأرقام المرسلة إلى اللجنة ولا سيما في إطار محفظة القروض والتسليفات. كما تطلع على اتباع المصرف للإدارة الرشيدة كما حددتها التعاميم. وتتأكد من وجود لجان وفصل للسلطات وتوزيع للمهام وللدوائر والأقسام".
ولفت حمود إلى وجود مسائل أخرى تأخذها لجنة الرقابة أثناء ممارستها دورها وأهمها تحليل كفاية رأس المال ومعاييره، فتتأكد ليس فقط من حجمه إنما من نوعيته، فليس المهم حجم رأس المال في الوقت الحاضر إنما ما يمكن أن يتطلبه نمو المصارف من حاجة إلى رساميل إضافية خلال الفترات المقبلة وما هي جهوزية المصارف لمواجهة هذه المتطلبات وزيادة الرأسمال".
منافسة حرة
وفي إطار حديثه عن المنافسة القائمة بين المصارف العاملة في القطاع، أكد حمود أن " لجنة الرقابة تؤمن بالمنافسة الحرة كونها أمر صحي وطبيعي، وترفض أي شكل من أشكال الاحتكار". وأشار إلى أن "اللجنة فرحة بوجود المنافسة لا بل تسعى إليها، باعتبار أن السوق مفتوحة أمام المصارف مهما كانت كبيرة أو صغيرة".
وردّ "المنافسة الشديدة في لبنان إلى كبر حجم الكتلة النقدية الموجودة في القطاع المصرفي والتي تفوق حجم لبنان الإقتصادي إذ إنها توازي أربع مرات قيمة الناتج القومي". ورأى أنه "لولا وجود مدين كبير إسمه الدولة اللبنانية لكانت المنافسة أشد وأقوى".
واعتبر أن "شدة المنافسة في القطاع، دفعت بعض المصارف إلى التوجه نحو الأسواق الخارجية إذ إنها رأت ضرورة لضمان استمرارية النمو والربحية عبر التفتيش عن أسواق جديدة".
وتوقّع "أن تؤدي هذه المنافسة الشديدة إلى خلق صعوبات لبعض المصارف قد تعيق استمرارها، ما سيؤدي إلى بعض عمليات الدمج أو عمليات اكتساب الملكية". وكشف عن "وجود طلبات لعمليات دمج لمصارف، لأن كلفة الأعمال المصرفية اليوم ارتفعت بشكل ملحوظ". وأوضح أن "هذه التكلفة لا تضم فقط الكلفة المباشرة، بل هناك كلفة غير مباشرة منها كلفة الإمتثال، إدارة المخاطر، إدارة التدقيق وإدارة الموارد البشرية والمعلوماتية. وهذه تكاليف مرتفعة لا تستطيع مصارف بأحجام صغيرة تحملها بسهولة".
وفي رد على سؤال حول كيفية تصويب هذه المنافسة إذا انحرفت عن طريقها الصحيح، أعلن حمود عن وجود توجه واضح لدى سعادة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعدم السماح بالاندماج لمصرفين كبيرين أو للمصارف الأولى في السوق حتى لا تنعدم معها المنافسة". وشدّد على أنه "من غير المسموح نشوء منافسة بين مصرف وآخر لا تتمتع بالشفافية، فاللجنة تراقب باستمر المنافسات وتحرص على أن تكون ضمن ضوابط، فلا يستطيع أي مصرف أن يخرج عن المألوف في تسعير الودائع أو القروض، أو التوسع في تنمية محفظة القروض".
واعتبر أن "هذه المراقبة تجعل المنافسة عاقلة وشفافة وتجعل المصارف تأخذ مخاطر مقبولة ومدروسة".
واقع القطاع
وفي إطار حديثه عن واقع القطاع المصرفي، لفت حمود إلى أن الوضع النقدي في لبنان أكثر من عظيم، لكن المشكلة الأساسية تكمن في المالية العامة التي تعاني من أزمة حقيقية، فالدولة تشهد أسوأ حالات الاستدانة، موجوداتها تتآكل ومديونيتها ترتفع. وشدّد على أن "الدولة لا تستطيع أن تعيش في ارتياح طويل على هذا النمط، فالقطاع المصرفي يحمل مالية الدولة على أكتافه، وهذا واقع خطر وينذر بعواقب وخيمة ويضعف قدرة القطاع المصرفي على تنمية الإقتصاد وضخ أمواله في شرايينه".
وإذ دعا حمود الحكومة إلى تدارك الأمر والقيام بخلق توازن في ماليتها والحد من تفاقم أزمتها، قال: "القطاع المصرفي قادر على تحمل كل الأوضاع مهما ساءت لكن ضمن فترة، ويستطيع أن يتحمل الأوضاع مهما طالت إن لم تسؤ. لا يستطيع القطاع أن يتحمّل الاحتمالين: مهما ساءت ومهما طالت. هذه المعادلة غير ممكنة".
واعتبر أنه "لا بد من إعادة التوازن إلى المالية العامة، ولا بد من سياسة ضريبية صحيحة وجباية صحيحة تتوازن مع النفقات وخدمة الدين". ورأى أن "السوق المالية لا يمكن أن تكتمل إلا ببورصة وهنا يسلط الضوء على ضرورة خصخصة بورصة بيروت لتكون هناك أدوات مالية طويلة الأجل وتداول لأسهم الشركات القائمة حالياً ولأسهم الشركات التي يمكن أن تنشأ مستقبلاً، ما يفتح مجالاً للإستثمار أمام المودعين".