يشير ملف التأمين في هذا العدد من مجلة "الصناعة والإقتصاد" إلى أن اللبنانيين يحتاجون فعلاً إلى ثقافة تأمينية قادرة على مواكبة الأفكار والمبادئ التي طرحها مسؤولو شركات التأمين حول واقع السوق التأمينية، وكيف يمكن التعامل مع الملفات التأمينية؟ ومنها ملفات تأمينية شائكة في ظل الظروف الراهنة، وما الصعوبات التي تعترض العمل الراهن؟ وهل لدى الإدارة خطة طموحة لنشر ثقافة التأمين؟.
بهذا التوجه حاول مسؤولو الشركات إيضاح تلك التساؤلات وإعطاء نظرة تفاؤلية للسوق التأمينية في لبنان للمرحلة المقبلة رغم ضيق السوق اللبنانية وغياب الاستثمارات في ضوء الوضع الراهن في المنطقة.
ويشهد قطاع التأمين تطوراً ملحوظاً في المجتمعات المتقدمة، وأصبح الارتقاء بعمل هذا القطاع - في ظل الظروف الصعبة وتداعيات أزمة إقتصادية فرضت شروطها على الجميع من أفراد ومؤسسات - عملية في غاية الصعوبة وتحتاج إلى مرونة كبيرة يجب أن يتميز به القطاع لاستيعاب الصدمات وتحويلها إلى منافع ومكاسب.
وإذا كان من الطبيعي لأي قطاع من قطاعات النشاط الإقتصادي وخاصة في ظل الانفتاح الإقتصادي الذي سبق الأزمة الحالية أن يتطور ويزدهر، فإن قطاع التأمين من خلال مرونته وقدرته على التحول والتأقلم مع الظروف الصعبة يستطيع أسقاط معادلة الأزمة الإقتصادية وفرض واقع جديد مضمونه أن التطور يمكن أن يستمر حتى في أصعب الظروف، ومن المؤكد أن هذا الواقع لا ينصبّ على جميع شركات التأمين في لبنان بل يتعلق بقدرة الشركة على التأقلم ومدى مرونتها وطبيعة عملها وقدرتها على التلاؤم مع الواقع الإقتصادي.
وهنا يأتي سؤال عن أسباب توصيات البنك الدولي الداعية إلى تقليص عدد شركات التأمين في لبنان، وتعديل القوانين المرتبطة بهذا القطاع وتطويرها، وضرورة توجيه القطاع نحو تبني استراتيجيات ومبادئ ترتكز على احتساب المخاطر، كما أوصى البنك الدولي بانتقال شركات التأمين إلى تطوير خدمات ومنتوجات جديدة، والدخول إلى أسواق جديدة.
لا شك أن أهم المنتجات التأمينية التي يجب أن تعمل على إنتاجها تتمثل من خلال منتج تأمين الممتلكات ضد أخطار العنف السياسي والأعمال الإرهابية ومنتج حماية الأسرة، وحماية طلاب المدارس ضد أخطار العنف السياسي والأعمال الإرهابية، وغيرها من المنتجات.
وهنا تقترح "الصناعة والإقتصاد" على الشركات أن تعمل على تطوير منتجات جديدة لكي تطرح تباعاً في عام 2016، على أن يتم اقتراح هذه المنتجات بعد دراسة السوق وحاجة المؤمن لها.
من المؤكد أن الثقافة التأمينية في لبنان لا تزال ضعيفة نوعاً ما رغم أن هذا القطاع التأميني هو الأقوى في المنطقة، ولا بد هنا من إحداث لجنة تواصل مع الجمهور من ضمن مهامها تنظيم محاضرات علمية وعملية للتواصل مع الجمهور والتوعية التأمينية، والعمل على المشاركة في المعارض والفعاليات الأخرى لنشر هذه الثقافة، والإشراف على برنامج تلفزيوني مستمر لشرح أهميه التأمين وإطار عمل التأمين وآلياته، وتأكيد أهميه الإعلام كذراع أساسي من أذرع نشر الوعي التأميني.
إن المزيد من العمل على نشر ثقافة التأمين باعتماد ذلك رسمياً سيضمن حياة كريمة للأفراد، ويحقّق مصلحة وطنية من خلال المبالغ المالية الكبيرة، التي تتجمع لدى التأمين، والتي يمكن استثمارها لمصلحة الكثير من فرص العمل، ما يستوجب تكاتف وتشاركية جميع الجهات الرسمية والخاصة والمواطنين لتحقيق ذلك، وما هو قائم في لبنان من إدارات رسمية ومنظمات ونقابات يؤمّن معطيات تؤهّل لتحقيق ذلك، بالمقابل، فإن التأمين على الحياة، الذي يعتبر المنتوج المالي الوحيد الذي يستفيد من الامتيازات، لم يلق، بعد، الإقبال المطلوب من قبل اللبنانيين من أجل توظيف مدخراتهم. ويمكن القول، على العموم، إن ثقافة التأمين وتغطية المخاطر من الحوادث التي يمكن أن نواجهها خلال حياتنا، ما تزال غير مترسخة بالشكل المطلوب في المجتمع اللبناني.