يؤدي العلم والبحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية دوراً مهماً في تطور ورفاهية المجتمع في أي دولة. ويمكن اعتبار إجراء البحوث العلمية مقياسا لتقدّم هذه الدول ونموّها الإجتماعي والإقتصادي. فالدول التي تعرف كيف تطبّق مخرجات البحث العلمي, نجدها دائما تحتلّ مكان الصدارة في مجالات علمية عديدة.
فمنذ عقود طويلة والحديث في العالم العربي لا يكاد ينقطع عن أهمية البحث العلمي وكونه المدخل الصحيح إلى التغييرالشامل ، والإصلاح الحقيقي المنشود ، والمتأمل لواقع البحث العلمي العربي والمؤسسات البحثية من المحيط إلى الخليج، يتبيّن له مدى الفجوة الواسعة بينه وبين المستوى البحثي والأكاديمي العالمي ، فالدول العربية بينها وبين الغرب في مجال البحث العلمي والصناعي والتكنولوجي، العديد من المعوقات التي تحول دون رقي العالم العربي إلى مستوى الحضارات والدول المتقدمة كما كانت في السابق.
حسب بعض الدراسات، ينفق العالم حوالى 2.1 بالمائة من مجمل دخله الوطني على مجالات البحث العلمي، أي ما يساوي حوالى 536 بليون دولار. ويعمل في مؤسسات البحث العلمي في العالم ما يقارب 3.4 ملايين باحث، أي بمعدل 1.3 باحث لكل ألف من القوى العاملة.
ويقدر إنفاق الولايات المتحدة الأميركية واليابان والاتحاد الأوروبي على البحث والتطوير بما يقارب 417 بليون دولار، وهو "ما يتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العالمي بأسره على البحث العلمي. والولايات المتحدة وحدها تنفق سنويا على البحث العلمي أكثر من 168 بليون دولار، أي حوالى 32 بالمائة من مجمل ما ينفقه العالم كله. وتأتي اليابان بعد الولايات المتحدة ب 130 بليون دولار، أي ما يوازي أكثر من 24 بالمائة من إنفاق دول العالم. ثم يتوالى بعد ذلك ترتيب دول العالم المتقدم: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا، ليكون مجموع ما تنفقه الدول السبع أكثر من 420 بليون دولار. ففي هذه الدول السبع مليونان و265 ألف باحث، يمثلون أكثر من 66بالمائة من مجموع الباحثين في العالم، ويكلّف كل باحث منهم حوالى 185 ألف دولار في السنة".
وتتصدر الدول الاسكندنافية قائمة الدول الأوروبية الداعمة للبحث والابتكارات، وذلك بالنسبة إلى نواتجها القومية، حيث إن النسب التي خصصتها تلك الدول للبحث والتطوير كالتالي: السويد 4.27 بالمائة, فنلندا 3.51 بالمائة والدانمارك 2.6 بالمائة.
وقد بلغت ميزانية الاتحاد الأوربي للبحث العلمي خلال الفترة من 2007 إلى 2010, حوالى 300 بليون يورو.
وتولي دول جنوب وشرق آسيا أهمية متزايدة للبحث والتطوير. فقد رفعت كوريا الجنوبية نسبة إنفاقها على البحث والتطوير من 0.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1980 إلى 2.89 بالمائة في العام 1997، "ووجّهت اهتمامها نحو الإلكترونيات، وعلوم البحار والمحيطات، وتقنيات البيئة، وتقنيات المعلومات، وأدوات التقييس، والمواد الجديدة، وعلوم الفضاء والطيران".
وقد ارتفعت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الصين مؤخرا إلى ما يقرب من 2.5 بالمائة من إجمالي الإنفاق القومي، حيث بلغت ميزانية الصين للبحث العلمي ما يقرب من 136 مليار دولار, في الوقت الذي لم تتجاوز فيه هذه الميزانية 30مليار دولار فقط في العام 2005.
أما باقي دول العالم (ومنها طبعا العرب)، "فلا يتجاوز إنفاقها على البحث العلمي أكثر من 116 بليون دولار. وهذا المبلغ ليس لأمة العرب فيه سوى 535 مليون دولار ، أي ما يساوي 11 في الألف من الدخل القومي لتلك البقية من العالم".
أما "إسرائيل" فقد أنفقت على البحث العلمي حوالى 9 مليارات دولار سنة 2008, وهو ما يوازي 4.7 بالمائة من إنتاجها القومي. و"تفيد المصادر بوجود حوالى 90 ألف عالم ومهندس في "إسرائيل" يعملون في البحث العلمي وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة, خاصة الإليكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية. وتقدر تكلفة الباحث الواحد 162 ألف دولار في السنة (أي أكثر من أربعة أضعاف تكلفة الباحث العربي)".
وفي المجمل يبلغ إنفاق الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير تقريبا نصف ما تنفقه إسرائيل, على الرغم من أن الناتج القومي العربي يبلغ 11ضعفا للناتج القومي في إسرائيل, والمساحة هي 649 ضعفا.
وتحتل "إسرائيل" المرتبة الأولى عالميا من حيث نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي, وجاءت بعدها الولايات المتحدة الأميركية ثم اليابان، أما الدول العربية، في هذا المجال من المقارنة، فهي مائة مرة أقل من "إسرائيل".
ويؤكد تقرير اليونسكو ( المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ) للعام 2010 أنه على الرغم من الثروة التي تتمتع بها الدول العربية، فإن هذه البلدان تفتقر إلى قاعدة متينة في مجال العلوم والتكنولوجيا، كما أن كفاءة نظمها وأداءها الخاص بالتعليم العالي لا يزال ضعيفا في ما يتعلق بشكل خاص بتوليد المعرفة، علما أن التراجع المؤقت الذي شهدته أسعار النفط عام 2008 كان بمثابة إنذار للدول العربية، تاركا انطباعه القوي عما سيكون عليه المستقبل من دون عائدات نفطية، وشجّع التقرير هذه الدول على الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا. ويضيف التقرير أنه على الرغم من وجود الجامعات المرموقة في المنطقة العربية فإن الدول العربية تعد ما لا يزيد على 136 باحث لكل مليون نسمة، علما أن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحثا. علما أن اليونسكو في دراسة سابقة عام 2006 أكدت أن عدد الباحثين في "إسرائيل" يبلغ لكل مليون من السكان 1395 وفي الاتحاد الأوربي بلغ 2439 وفي أميركا بلغ 4374 باحثا. كما أن حجم مساهمات العالم العربي في البحث العالمي هو الآخر ضعيف جدا، حيث قدّرت نسبة المنشورات العلمية العربية إلى المنشورات العلمية العالمية على الرغم من جهود العلماء والباحثين العرب ما مقداره 1،1% ) (حسب تقرير المعرفة العربي لعام 2009). كما أن المساهمة العالمية في البحوث المنشورة في المجلات العلمية في البلدان العربية تتراوح بين (0،008 إلى 0،3%) مقارنة مع "إسرائيل" 1،1% وألمانيا 7،9% واليابان 8،2% والولايات المتحدة الأميركية 30،8%.
ولعل حقيقة وخطورة هجرة العقول العربية وانعكاساتها على الأوضاع العلمية وعلى البحث العلمي بشكل خاص هي ما ورد من معطيات إحصائية أصدرتها الجامعة العربية في عام 2009 في تقريرها بعنوان (هجرة الكفاءات.. نزيف أم فرص)، وفيه من الحقائق المؤلمة التي تعكس حجم الإهدار للعقول العربية، حيث يؤكد التقرير ما يأتي:
ـ ارتفعت نسبة المهاجرين من حاملي الدرجات العلمية إلى 50% من مجموع المهاجرين في الفترة من 1950 ـ 2000، وارتفع عددهم خلال الفترة نفسها من 9،4 ملايبن إلى 19،7 ملايين.
ـ زاد في الفترة نفسها معدل المهاجرين بين ثلاثة إلى تسعة أضعاف في دول مثل اليمن وجيبوتي والسودان وموريتانيا.
ـ تستقبل فرنسا 40% من العقول العربية المهاجرة، والولايات المتحدة 23% وكندا 10%.
ـ نسبة الأطباء العرب في دول الاتحاد الأوربي بلغت 18،2%.
ـ كما أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى البلد الأم.
ـ تساهم البلدان العربية بنسبة 31% من مجموع هجرة الكفاءات من الدول النامية.
ـ أما الخسارة المالية الواقعة على الدول العربية الناتجة من هجرة الكفاءات فتبلغ بحدود 200 مليار دولار.