مدافئ جبل الشيخ... قمة في الإبداع
محمود: مصنعٍ جديد بمواصفات عالميّة قريباً
مع بدايات القرن الماضي، وفي منتصف العقد الثالث منه، وفي سبيل مواجهة شتاء مدينة راشيا القارس، بدأ بعض أبناء راشيا بتصنيع ما يمكن أن يكسر جليد شتائهم، محاولين الاستفادة ممّا توفّر من مواد أوليّة في ذلك الزمن الصعب، ومن الوقود المتوفّر آنداك ألا وهو الحطب؛ فكانت المدفأة أو الوجاق.
خلال تلك المرحلة، أسّس المرحوم الشيخ أبو جمال الدين حسن أبو إبراهيم مصنعًا متواضعًا لإنتاج المدافئ في راشيا يُعرف باسم مدافئ جبل الشيخ، مستخدمًا عدّةً متواضعةً وبسيطةً، ومعتمدًا العمل اليدويّ بشكل كامل في قَصّ صفائح الحديد، وطيّها وجمعها، وزخرفتها؛ حتّى إذا ما انقضت أيّام وأسابيع خرجت المدفأة من بين يديه في أبهى حلّة من حيث الإتقان والجمال.
وأشار مدير المؤسسة ريدان محمود في حديث مع "الصناعة والإقتصاد" إلى أن "عمليّة تطوير صناعة المدافئ بدأت مع دخول الكهرباء إلى قرى راشيا. فأدخلت آلة التلحيم الكهربائية والمخرطة، وأضيفت منتجات إضافيّة مثل "الصوبيات" التي تعمل على المازوت/ الغاز". ولفت إلى أنه "بعد إنتهاء الحرب اللبنانيّة، وانفتاح المناطق اللبنانيّة على بعضها البعض، وعودة الأمن والسلام، بدأت مرحلة جديدة في صناعة المدافئ بحيث كانت أبرز مقوّماتها إقبال الجيل الجديد على هذه الحرفة".
مكامن القوى
وكشف محمود أنه "بالثبات والتصميم والطموح، تحوّل هذا الإرث البسيط من حرفة محليّة إكتفائيّة تهتمّ بتأمين “صوبيات” التدفئة لمنطقة باردة تكاد تكون معزولة، إلى مؤسّسة قادرة أن تصمد في سوق تنافسيّة، وأن تنموَ وتكبر لتدفئ منازل اللبنانيّين على امتداد مساحة الوطن".
وقال: "تمثّلت مكامن القوى في المؤسّسة بأنّها انطلقت من قاعدة إنتاجيّة ثابتة قوامها بضع عشرات من العمال المهرة المتمكّنين المخلصين لعملهم. كما شكلت مراكمة الخبرات بالعلم، والمعرفة، والتجارب، والاختبارات، والاستفادة من كلّ تطوّر جديد في الصناعة، ولا سيّما في شراء معدّات جديدة تساعد في تسريع عمليّة الإنتاج وخفض الكلفة، الإضافة إلى الإدارة الحذقة التوّاقة، والسعي الدائم لتحقيق قيمة مضافة لسلعة تمكنت من اختراق الأسواق العربيّة المجاورة، ولا سيما الباردة منها مثل: سوريا والاْردن، وبعض الأسواق الأجنبيّة مثل الولايات المتحدة الأميركيّة".
عصر ذهبي
واعتبر محمود أن "المؤسّسة دخلت عصرها الذهبيّ بعد اندحار العدوّ الإسرائيليّ من جنوب لبنان في عام 2000 ونيلها الرخصة القانونيّة لمصنع مدافئ جبل الشيخ في العام 2002، من قبل وزارة الصناعة الأمر الذي شكّل نقطة تحوّل أساس، وجسّدت هذه الانطلاقة الجديدة مشروعًا نهض بالمجتمع الريفيّ في راشيا خالقًا فرص عمل إضافية لعدد من العمّال الدائمين والمياومين ".
وأوضح أنه "على الرغم من كلّ ما تواجهه الصناعة اللبنانيّة بشكل عامّ وصناعة المدافئ في الريف اللبنانيّ على وجه الخصوص آثر القيمون على المؤسسة الصمود والبقاء، لا بل كان لهم الشرف في أن يكونوا من المؤسّسات التي شاركت في إعادة أبناء القرى المهجرة إلى منازلهم على أثر عدوان تمّوز 2006، وذلك بتأمين “صوبيات” التدفئة المنزلية بالتعاون مع المنظّمات الدوليّة".
ورأى أن عمل المؤسسة "تطوّر مع ازدياد الطلب عليه، سواء في السوق اللبنانيّة أم في الأسواق الخارجيّة حتى نشوء الأزمة السوريّة في عام 2011 بحيث عملت المؤسسة مع منظّمة الأمم المتحدة (UNHCR) بتحدٍّ و إصرار وتصميمٍ ورهانٍ بأنّ الصناعة اللبنانيّة ناجحة ومؤهّلة لأن تكون في مصاف الصناعات الأجنبية، ونجحت في تحقيق ذلك، فقد أنجزت أكثر من مشروع مع ال (UNHCR) في سرعة قياسيّة وذات مواصفات تقنية عالية جدًّا".
وإذ اعتبر محمود أن "المؤسسة غدت إحدى أهمّ المؤسّسات الصناعيّة في مجال صناعة التدفئة"، أعرب عن تفاؤله بالمستقبل، إذ تعمل المؤسسة على بناء مصنعٍ جديدٍ بمواصفات عالميّة وتقنيات تتفق مع معايير الجودة الأوروبيّة، وسوف يتم ادخال صناعات جديدة اقتصادية صديقة للبيئة مثل Wood Pellet Stoves وWood Boiler Stoves.