"الإعلام نسف كل ما بنيناه من سمعة جيدة للمطبخ اللبناني"
نصراوي: أمام القطاع مستقبل مظلم
خبرته التي قاربت الـ 40 عاماً في قطاع الصناعات الغذائية جعلته عالماً بأمور القطاع وهواجسه، ليكون جورج نصراوي قد استحق لقب عميد الصناعات الغذائية عن جدارة.
عام 1975 بدأت رحلته في القطاع مع تأسيس مصنع الربيع لإنتاج الطحينة والحلاوة، ولأن السوق اللبنانية صغيرة وضع نصراوي آنذاك نصب عينيه هدف التصدير إلى الخارج، فجرت الرياح بما اشتهت سفنه. فالمصنع الذي بدأ بانتاج صنفين شهد تطوراً كبيراً، وينتج اليوم ما يزيد عن 120 منتجاً غذائياً، يصدّر إلى أسواق أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وأستراليا والخليج وإلى أي مكان يسكنه مستهلك للأكل اللبناني والشرق اوسطي.
خبرته ورؤيته الثاقبة، جعلته من أوائل المؤسسين لنقابة الصناعات الغذائية التي ترأسها لسنوات طويلة وأسس فيها لجنة المعارض التي كان لها دور بارز في زيادة حجم صادرات القطاع.
وفقاً لنصراوي، كانت المصانع اللبنانية السباقة في تصدير المنتج الغذائي المعلب إلى العالم العربي والدول المحيطة بلبنان. وتمكنت من التوسع نحو الدول الأوروبية والأميركية فأوصلت المنتج اللبناني إلى معظم الدول التي تتواجد فيها الجاليات اللبنانية.
وتحت إسم "المطبخ اللبناني" الذي ابتكرته نقابة الصناعات الغذائية كان عدد ضئيل من أصحاب مصانع الغذاء يزورون الأسواق الخارجية، وتمكنوا من خلال النقابة تعريف الأجانب إلى منتوجات المطبخ اللبناني عبر المشاركة في المعارض، والتواصل مع الجالية اللبنانية إضافة إلى انتشار المطاعم اللبنانية في دول العالم.
رفعت مساعي صناعيي الغذاء هذه الطلب على المنتجات اللبنانية، وساهمت في رفع حجم صادراتها إلى حد كبير. وفي حين كانت الصناعات الغذائية اللبنانية تسجل النجاح تلو الآخر، توجهت الدول العربية نحو اتباع سياسات دعم وتشجيع للصناعة ما مكنها من تصنيع منتجات غذائية شكلت منافساً للإنتاج اللبناني.
ويصف نصراوي في حديث مع "الصناعة والإقتصاد" هذه المنافسة "بالشرسة جداً، فإضافة إلى رؤوس الأموال الهائلة المستثمرة في القطاع، تعمل القوانين في الدول العربية على دعم القطاع وتنميته".
ورأى أن قطاع الصناعات الغذائية يعاني من التباطؤ في حجم الصادرات، في حين تشهد مصانع القطاع المزيد من التطور والتوسع ".
معوقات وتحديات
ولفت نصراوي إلى أن وجود العديد من المعوقات والتحديات الناتجة من القوانين في لبنان، والتي كان آخرها حملة سلامة الغذاء. وشدّد على أن النقابة تطالب منذ سنوات بهذه الحملة وتطالب بوضع نظام موحد لإنتاج سليم تتبعه كل المصانع، إذ إن غياب الرقابة على مر السنوات فتح المجال أمام عدد من المصانع للعمل من دون مراقبة وضوابط، ما أثّر سلبياً على سمعة الإنتاج.
وقال: " وزير الصحة وائل أبوفاعور مشكور على حملته التي من شأنها تحسين نوعية الإنتاج ورفع الصادرات. لكن الفساد اليوم موجود في أكبر الدول الصناعية وليس فقط في لبنان، ويحارب من خلال القوانين من دون الإعلام. يحق للوزارة الكشف على أي مصنع كان ومراقبته واتخاذ إجراءات صارمة بحقه وحتى إصدار أحكام يشرف على تنفيذها القضاء. وما حصل هو أن الحملة أتت أشبة بحملة إعلامية نسفت كل ما بنيناه خلال عشرات السنوات على صعيد تكريس صورة مشعة وسمعة جيدة للمطبخ اللبناني".
وأضاف: " بدا في الإعلام وكأن القطاع كله فاسد، وفي الواقع تلقت النقابة العديد من ردود الفعل من الخارج، وتباطأت المسحوبات إلى الخارج. طبعاً، النقابة وجمعية الصناعيين زارتا الوزير أبوفاعور، واطلعتاه على هذا الواقع، وإذ شددتا على أهمية مضيه في الحملة، أكدتا ضرورة إبعاد الإعلام عن هذه القضية".
واعتبر أن ارتفاع كلفة الإنتاج في الصناعة من التحديات الكبرى التي تواجه الصناعيين، ورأى أن استمرار لبنان في التصدير على الرغم من ارتفاع أسعار منتجاته يعود إلى الإسم الذي بناه الصناعيون في الأسواق على مر سنوات طويلة". وأوضح أن كلفة الإنتاج في لبنان هي الأعلى بين الدول العربية والدول المحيطة. فإضافة إلى كلفة اليد العاملة المرتفعة، هناك تكلفة المحروقات حيث يضطر الصناعي إلى أن يولد الكهرباء لمصنعه إضافة إلى كهرباء الدولة. كما أن هناك الكثير من المنتجات التي تستورد بهدف إعادة التصنيع وتكون غير معفية من الرسوم الجمركية على عكس الدول العربية".
وشدد نصراوي على " أن الاضطرابات التي تشهدها الدول العربية أثرت سلباً على حجم الصادرات إليها، لكن الصناعيين عوّضوا هذا التراجع بالانفتاح على الدول الأجنبية، حيث أصبح هناك طلب على المنتج اللبناني في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وكندا والعديد من الدول الأوروبية".
صورة المنتج اللبناني
وكشف نصراوي أن النقابة وجمعية الصناعيين لا تقفان مكتوفةي الأيدي تجاه هذا الواقع. وقال: " ندرك أننا اليوم بحاجة إلى القيام بصدمة إيجابية لنستطيع المحافظة وتحسين صورة المنتج الغذائي اللبناني. وفي هذا الإطار، أخذت جمعية الصناعيين مبادرة عبر دعوة، على حسابها الخاص، كبار المستوردين في العالم لزيارة معرض الصناعات الغذائية في لبنان ليطلعوا على الوجه الإيجابي للصناعات الغذائية اللبنانية. كما ستنظم لقاءات لهم مع الوزراء المعنيين بموضوع سلامة الغذاء، وزيارات إلى المصانع بهدف استعادة ثقتهم".
وأضاف: " كما نعمل مع الحكومة على إقرار بعض القوانين التي من شأنها تخفيض كلفة الإنتاج عبر تقليص الرسوم الجمركية بهدف رفع الصادرات".
وتابع: "جهودنا لرفع صادراتنا لن تلقى النجاح المطلوب إذا لم تقابل بتجاوب من الدولة. وأتمنى ألا يحصل هذا، فعدم تجاوب الدولة يعني المزيد من تراجع الصادرات والمزيد من تراجع القطاع الذي يعتبر من أكثر القطاعات حيوية إذ إنه يرتبط بشكل مباشر بالقطاع الزراعي وبالتالي يشغل عدداً كبيراً من اليد العاملة في لبنان. على الدولة أن تأخذ بعين الإعتبار هذا الأمر وتعطي القطاع المزيد من التسهيلات. فالقطاع يعاني باستمرار نتيجة التعاطي غير المناسب في الكثير من الأمور وكان آخرها خضوع كل المستوعبات الداخلة الى لبنان للخط الأحمر فكان من جراء هذا التدبير تأخير المستوعبات في حرم الجمرك لفترات تصل الى اكثر من 25 يوم مما تسبب بإنقطاع المواد الأولية لعدد من المصانع وزذاد من كلفة الإنتاج".
تطور دائم
ولفت نصراوي إلى أن القطاع كان في تطور دائم ولا يزال، إذ إن الصناعيين وكونهم من المصدرين قد تابعوا على مر السنوات تطور المواصفات العالمية للغذاء إضافة إلى التطور الحاصل في عمليات التصنيع، وتمكنوا من تسجيل نجاحات عديدة. فمتابعتهم هذه للمواصفات وتجديد الآلات مكنتهم من تصنيع إنتاج ذي جودة عالية، ما أكسب منتجاتهم قدرات تنافسية عالية".
واعتبر أن مشاركة الصناعيين في المعارض شرعت أمامهم أبواب الأسواق الخارجية كونها تختصر الطريق بينهم وبين المستوردين. فهذه المعارض مركز لقاء يتعرف فيها المستوردون إلى المنتج عن كثب ويتمكن الصناعي عبر التواصل المباشر من خلق شبكة اتصالات مع الزبائن".
ورأى نصراوي أن "الصناعيين اللبنانيين يدركون جيداً اهمية هذه المعارض، إذ شارك في معرض غلف فود الأخير في دبي 47 صناعياً في حين لم يتمكن آخرون من المشاركة بسبب ضيق المساحة في الجناح اللبناني". وقال: "هذه المشاركة الكبيرة تدل على وعي الصناعيين وسعيهم نحو تطوير عملهم، ففي عام 1978 كنت أمثل لبنان وحدي في المعارض العالمية المتخصصة ولأنها كانت تجربة ناجحة إذ تمكنت من خلق شبكة زبائن في الأسواق الخارجية، عملت بعد استلامي للنقابة على تأسيس لجنة المعارض وبدأنا نأخذ زملاءنا الصناعيين إليها. أذكر جيداً أننا كنا 4 صناعيين فقط في اول مرة شاركنا في معرض، ولكن مع مرور الوقت وتحقيق النجاحات ارتفع حجم المشاركة وهذا طبعاً كان له انعكاس مباشر على حجم صادرات القطاع. مع العلم ان أكثر دول العالم تتحمّل نفقات المشاركة دعماً وتشجيعاً للصناعة مما ينعكس ايجاباً على زيادة الصادرات".
مستقبل القطاع
وفي رد على سؤال حول تفاؤله بمستقبل القطاع، قال نصراوي: " لسنوات خلت كنا متفائلين جداً، إنما اليوم وبعد تداخل السياسة بالإقتصاد وما له من انعكاسات على طريقة إدارة الأمور في البلد أصبح لدينا علامة استفهام".
وأضاف: " التصدير عبر البر مكلف جداً وأشبه بمعجزة في بعض الأحيان، في حين يواجه التصدير عبر البحر مشاكل". هذه الأمور تعيق مجيء المستثمرين كما تدفع المستثمرين اللبنانيين إلى التروي قبل وضع أي استثمار في القطاع. نأمل أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتصبح طريقة التعاطي مع الأمور أكثر سلاسة، ويسود جو من الثقة بين المسؤولين والصناعيين. إذا حصل هذا التقارب في وجهات النظر طبعاً سيقوى القطاع، ولكن حتى هذه اللحظة برأيي أمام القطاع مستقبل مظلم".