اعتبر أن "القطاع الصناعي" ضحية أساسية لتطبيق اتفاقيات التجارة الحرة
البساط: لتحويل "سلامة الغذاء" إلى ورشة عمل حقيقية
يتخبط قطاع الصناعات الغذائية منذ نشأته في كم هائل من المعوقات والمشاكل، تتنوع ما بين ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة التصدير وتشابك الصلاحيات بين الوزارات المعنية والإشكالات القانونية، إلا أن هذا الأمر لم يمنعه يوماً من التطور وغزو الأسواق الخارجية وتكريس أفضل سمعة عن المطبخ اللبناني.
"الصناعة والإقتصاد" سلطت الضوء في حديث مع نقيب أصحاب الصناعات الغذائية اللبنانية منير البساط على أهمية القطاع الذي يصدر إلى أكثر من 75 بلداً في العالم، لتكشف عن أبرز التحديات التي يواجهها والمعاناة التي عاشها من جراء الحملات الإعلامية التي رافقت حملة فساد الغذاء التي قامت بها وزارة الصحة مؤخراً.
واعتبر البساط، خلال اللقاء، أن "الصناعات الغذائية من أعرق وأقدم الصناعات في لبنان، حيث يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين". وإذ أعلن البساط أن "القطاع يحتل المرتبة الأولى بين القطاعات الصناعية الأخرى من حيث القيمة المضافة المحلية، والقوى العاملة والاستثمارات"، ورأى أن أهميته تكمن في تكامله مع القطاع الزراعي، المصدر الأول والأساسي للمواد الأولية المستخدمة من قبل هذا القطاع، مع ما يؤمن ذلك من استقرار وتنمية للمجتمعات الريفية والقروية، وتمسكها بأرضها وعاداتها وتقاليدها. وأضاف: "للقطاع علاقة مباشرة مع صناعات أخرى مكملة مثل قطاع التغليف بشتى أنواعه (كرتون، بلاستيك، زجاج،...)، بالإضافة إلى قطاعات كثيرة أخرى (التصميم، والتسويق، والشحن،...).
الإتفاقات الثنائية
ولفت إلى أن "القطاع الصناعي بشكل عام يعاني من خلل كبير في الميزان التجاري مع معظم شركاء لبنان التجاريين، وبسبب رئيسي يعود إلى انعدام تكافؤ المنافسة بين الطرفين، خاصة من ناحية الدعم التي تحظى به القطاعات الصناعية في الدول الأخرى، في مقابل شبه غياب رسمي كامل عن رسم أي سياسة صناعية واضحة المعالم، أو حتى أية محاولة دعم للصناعة اللبنانية للاستمرار والصمود.
وقال: " بشكل عام، القطاع الصناعي كان ضحية أساسية لدى بدء تطبيق إتفاقيات التجارة الحرة ، سواء العربية أو الثنائية، حيث أدى إغراق الأسواق إلى اضمحلال وضمور العديد من القطاعات الصناعية، وتدهور أعمالها، نظرا إلى الفرق الشاسع في الأكلاف التشغيلية بيننا وبين الدول الأخرى، من دون التغاضي عن حجم الدعم المباشر، وغير المباشر الذي تتمتع به إقتصادات هذه الدول على حساب الإقتصاد اللبناني.
وأضاف: "قد يكون قطاع الصناعات الغذائية من أقل القطاعات المتأثرة بهذا الواقع، إلا أننا لا بد أن نلاحظ أن بعض المنتجات اللبنانية لم يعد بالإمكان تصديرها لخسارتها للكثير من ميزاتها التفاضلية بالمقارنة مع المنافسين الإقليميين".
وتابع: "يطالب الصناعيون بدون كلل بإعادة النظر في معظم اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية الموقعة، خصوصاً في القطاعات التي تعتمد على الطاقة والمحروقات بشكل مكثف، سواء من طريق فرض رسوم لمنع الإغراق، أو إنشاء صندوق لدعم كلفة المحروقات التي يتكبدها الصناعي اللبناني، وإطلاق برامج فاعلة لدعم الصادرات اللبنانية وتعزيزها، بالإضافة إلى إنشاء وتحديد مناطق صناعية جديدة، تتمتع بالبنية التحتية اللازمة لإطلاق صناعات جديدة".
إرتفاع الصادرات
وإذ لفت البساط إلى أن "القطاع حقق أرقاماً قياسية العام الماضي مسجلاً نسبة 17% من مجمل الصادرات الصناعية بمجموع 520 مليون دولار وبنمو بلغ 13% مقارنة مع العام 2013، رد زيادة هذه الأرقام إلى عدة أسباب أهمها: المبادرة الفردية للصناعيين اللبنانيين في تحديث وتطوير مصانعهم وهذا تجلى أيضاً في حجم الآلات الصناعية المستوردة في الأعوام الأخيرة، والجودة والنوعية التي أصبحت ميزة معروفة للصناعات اللبنانية كالصناعات الغذائية والمجوهرات والطباعة على سبيل المثال، وانتشار الإغتراب اللبناني الذي كثيراً ما شكل المستهلك الأساسي والسفير الأفضل للتعريف بالمنتج اللبناني".
تحديات جدية
وشدّد على أن "القطاع يواجه أيضاً تحديات جدية تحول دون تقدمه وازدهاره، أهمها انعدام الاستقرار السياسي والأمني الداخلي ما يحول دون المزيد من الاستثمارات والتوسع، ومن دون أن ننسى الوضع الإقليمي غير المستقر، والذي كانت له انعكاساته المباشرة على القطاع، خصوصا في ما يتعلق بالشحن والتكاليف الإضافية التي يتكبدها الصناعي لتأمين سبل أكثر ضماناً واماناً لإيصال منتجاته إلى الأسواق التصديرية، ولا ننسى أيضاً المشاكل العضوية التي يعاني منها القطاع الصناعي بشكل عام من ارتفاع الأكلاف التشغيلية إلى مستويات قياسية".
واعتبر أن "ردة الفعل الأولى لأي صناعي لبناني تجاه المصاعب التي يواجهها لا بد أن تكون خطوة إلى الأمام، مع المزيد من المثابرة والإصرار على تعزيز المكاسب التي تحققت من اتساع الأسواق وارتفاع حجم الأعمال، لذا، فالخطط اللازمة للتوسع وزيادة الإنتاجية جاهزة بانتظار الظروف الملائمة لتنفيذها".
ترويج المنتج
وأشار إلى أن "اللبنانيين يتبعون عدة طرق للتعريف عن منتجاتهم وتأتي في مقدمها الاشتراك في المعارض الدولية، والتي تشكل محطة أساسية في التعريف بالمنتجات اللبنانية بشكل عام، و منتجاتنا بشكل خاص. إذ إننا نشارك، و بشكل فاعل وأساسي، سواء كعارض أو كزائر في 3 محطات رئيسية: معرض GULFOOD في دبي، الإمارات العربية المتحدة، HORECA في بيروت،لبنان، و SIALأو ANUGA في مدينة باريس، فرنسا، أو مدينة كولونيا، ألمانيا، حيث يتم اللقاء خلال هذه المعارض، مع جميع المصدرين والموزعين الأساسيين في معظم بلدان العالم، والاطلاع على المستجدات والإبتكارات المتقدمة في هذه الصناعة.
وفي رد على سؤال عن الدور الذي تؤديه مؤسسات التعبئة والتغليف في تحسين وتطوير المنتج الصناعي على مختلف الصعد الإنتاجية والتسويقية، قال البساط: "الأرقام تتحدث عن نفسها في هذا المجال، فكون قطاع الصناعات الغذائية اللبنانية يحتل المرتبة الأولى من حيث القيمة المضافة، يعود بالدرجة الأولى إلى أن معظم المواد الأولية المستخدمة هي نتاج القطاع الزراعي اللبناني، ما يجعل هذا القطاع عاملا أساسيا في تنمية القطاع الزراعي وتحسين نوعية إنتاجه وتنافسيته. والمبدأ نفسه ينطبق على الآلات الصناعية، حيث احتل أيضا قطاع الصناعات الغذائية المرتبة الأولى في الاستثمار بالآلات الصناعية الجديدة لزيادة الإنتاجية وتحسين نوعيتها. أما بخصوص مواد التعبئة والتغليف، فمما لا شك فيه أن للعبوة قيمة مضافة كبيرة في ترويج المنتج الغذائي، وهنا، لا بد من التنويه بجهود المركز اللبناني للتغليف LIBANPACK، في هذا المجال، حيث ساهم مع العديد من الصناعيين اللبنانيين في إعادة رسم وصياغة العبوات المستخدمة، ما كان له انعكاس إيجابي في زيادة مبيعات هذه المنتجات بشكل كبير.
سلامة الغذاء
وتطرق البساط إلى حملة سلامة الغذاء التي قامت بها وزارة الصحة مؤخراً، فأكد أن التزام النقابة بشروط سلامة الغذاء التزام قديم وجدي منذ تأسيس النقابة عام 1996، وأعلن عن تطلعات النقابة إلى توقيع مذكرات تفاهم واتفاقات دولية ومحلية لتنظيم ورشات وحلقات تدريب ومؤتمرات حول سلامة الغذاء.
وقال: " في هذا الإطار، وقعت نقابة أصحاب الصناعات الغذائية اللبنانية و"مؤسسة التميّز للتعلّم والريادة" مذكرة تفاهم. ومن شأن هذه المذكرة فتح الباب واسعاً أمام الإرتقاء بقدرات الصناعات الغذائية اللبنانية لمواكبة التطورات والمستجدات العالمية في مجال جودة وسلامة الغذاء".
ولفت إلى أنها "ترتكز على إدارة مسبقة للمخاطر وعلى إيجاد حلول تمنع استمرار حصول الأخطاء وحالات عدم المطابقة، بحيث تتكامل من خلاله جهود أصحاب الصناعات الغذائية مع جهود وزارة الصحة من أجل ضمان صحة وسلامة المستهلكين وأمنهم الغذائي بطريقة مسؤولة وقابلة للقياس".
وشجع أصحاب الصناعات الغذائية اللبنانية على المبادرة الفورية إلى طلب الإفادة من خدمات التدقيق والتقييم الخارجي على أنظمتها وفقاً للشروط والمتطلبات القانونية والتنظيمية والفنية والصحية الخاصة بعملهم، والتي ستشكل أساس وجوهر المعايير التي ستعتمد في عملية التدقيق والتقييم على أنظمة جودة وسلامة الغذاء النافذة لديهم. كما طلب منهم التواصل والإتصال الشفاف مع مورّديهم وموزعيهم ومع جميع المتدخلين في سلسلة الإمداد والتوريد لضمان سلامة تلك السلسلة وتنقيتها من أي شوائب تضرّ بصحة المستهلك، وتنعكس بالتالي سلباً على أصحاب الصناعات الغذائية أنفسهم.
وتمنى البساط على وزير الصناعة حسين الحاج حسن المبادرة إلى إكمال مسيرة حملة سلامة الغذاء وتحويلها إلى ورشة عمل حقيقية ينخرط جميع الفرقاء المعنيون في غمارها.