32.1 % حصة قطاع الصناعات الغذائية من ناتج القطاع الصناعي العام
نعم لسلامة الغذاء .. نعم لتميّز الصناعات الغذائية
حل قطاع الصناعات الغذائية في أواخر عام 2014 نجماً على كل شاشات التلفزة وتصدر عناوين الصحف، ليس لأهمية الإنجازات التي سجلها صناعيوه بإبداعاتهم التي حملت شهرة المطبخ اللبناني إلى مختلف بلدان العالم، بل نتيجة لحملة شنتها وزارة الصحة للكشف على المصانع عرفت بـ"حملة سلامة الغذاء".
تعامل الإعلام مع هذه الحملة بطريقة قاسية جداً، وصفها المتابعون لشؤون القطاع بـ"الوحشية"، حيث أظهرت أن الفساد يعشّش في كل زاوية من زواياه، وأن المواد التي يستهلكها الشعب اللبناني جلّها تالفة وغير صالحة للاستخدام.
شغلت الحملة الأوساط الإقتصادية عامة والمعنيين بالشؤون الصناعية خاصة، ليطرح السؤال: لماذا نقدّم صورة مشوّهة عن إنتاجنا اللبناني؟ المعلومات التي تم تداولها وصفها وزير الصناعة حسين الحاج حسن بغير الصحيحة وغير المنطقية، مؤكداً أن القطاع يصدّر منتجات غدائية مصنّعة بقيمة 400 مليون دولار، لا تتعدى نسبة المرتجعات منها الـ1% لسبب لا يتعلق بالجودة إنما لشروط تتعلق بالعلامة التجارية. وسأل الحاج حسن: "كيف للبنان تصدير منتجات غير مطابقة للمواصفات ويشتريها المستهلكون في الخارج".
تأثيرات الحملة السلبية على القطاع كبيرة وفقاً لما لحظته مجلة "الصناعة والإقتصاد" في لقاءاتها الكثيرة مع الصناعيين، الذين يجهدون للملمة هذه التداعيات محاولين استعادة ثقة كبار مستوردي العالم في القطاع.
الصناعيون ليسوا ضد الحملة على الإطلاق بل يرونها أكثر من ضرورية لإعادة تنظيم القطاع، وتحفظاتهم كلها تنصب على لوم الإعلام لطريقته في التعاطي مع الملف، لتبقى كلمة حق تقال: نعم لسلامة الغذاء، ونعم لتميز الصناعات الغذائية.
أهمية القطاع
يحظى قطاع الصناعات الغذائية باهتمام دول العالم المتقدمة كافة لما يوفره من الفائدة التي تتكامل مع القطاع الزراعي بالإضافة إلى أهميته على الصعيد الإستراتيجي والأمن الغذائي ومساهمته في الإكتفاء الذاتي للدول.
وقائع أرقام أساسية
ويعتبر قطاع الصناعات الغذائية من المساهمين الأساسيين في الإقتصاد اللبناني. ففي العام 2010، ووفقا لأحدث الإحصائيات المتوافرة، بلغت حصة هذا القطاع حوالى 32.1 % من ناتج القطاع الصناعي، وحوالى 3 % من إجمالي الناتج المحلي بحسب الإحصاءات الوطنية.
يوفر القطاع نحو 20,607 فرصة عمل، أي ما يوازي نسبة 24,9 % من اليد العاملة الصناعية، وبذلك يعتبر من القطاعات الأكثر توفيراً لفرص العمل من ضمن القطاع الصناعي.
وتعتبر النسبة الأكبر من المصانع في لبنان مؤسسات صناعات غذائية، وهي تشكل نسبة 18,2% من إجمالي عدد المصانع. يتألف هذا القطاع بشكل رئيسي من مؤسسات عائلية صغيرة الحجم، توظف ستة عمال كمعدل وسطي.
تشكل صادرات القطاع نسبة 13,73% من مجموع الصادرات اللبنانية، وقد نما حجمها بمعدل سنوي بلغ 12,13% من العام 2008 وحتى العام 2013. وتتجه النسبة الأكبر من صادرات الصناعات الغذائية نحو البلدان العربية (باستثناء بلدان الخليج) بنسبة 51% من مجموع الصادرات. وقد حلت سوريا والعراق ومصر في المراتب الأولى على التوالي بالنسبة إلى استقطاب صادرات الصناعات الغذائية اللبنانية. وأتت دول مجلس التعاون الخليجي في المرتبة الثانية واستحوذت على 21,3 % من مجموع هذه الصادرات، وشكلت كل من السعودية والإمارات الوجهة الأبرز بين هذه الدول. وحلت أفريقيا في المرتبة الثالثة بحصّة وصلت إلى 12,2 % مع تصدّر أنغولا قائمة الدول الأفريقية المستوردة لمنتجات الصناعات الغذائية اللبنانية. وأتت أوروبا الغربية في المرتبة الرابعة، في حين استحوذت أميركا الشمالية وآسيا وأستراليا على جزء ضئيل من الصادرات.
ارتفع حجم الصادرات من الصناعات الغذائية بنسبة 36 % بين عامي 2012 و2013. وكان اللافت حجم هذه الصادرات إلى الدول العربية غير الخليجية الذي ارتفع بنسبة 68 % بشكل عام. وشهدت هذه الصادرات زيادة بنسبة 50 % إلى سوريا، وباتت هذه النسبة تشكل اليوم 52 % من مجموع صادرات الصناعات الغذائية إلى الدول العربية غير الخليجية. كذلك، ارتفعت هذه الصادرات إلى العراق بنسبة 242% ، وإلى مصر بنسبة 134 %، وإلى الأردن بنسبة 18 %. وهذا يدلّ على أنه، ورغم تأثير الأزمة السورية على الإقتصاد اللبناني، ارتفع الطلب على المنتجات اللبنانية من أجل تعويض التراجع في الصادرات السورية إلى هذه الأسواق.
أبرز التحديات
ويتميز قطاع الصناعات الغذائية في لبنان بمميزات تنافسية عالية تعود إلى الشهرة التي يكتسبها المطبخ اللبناني عالمياً، وذوق الصناعيين اللبنانيين وقدرتهم على الانفتاح على الأسواق الخارجية. إلا أنه في الوقت نفسه يعاني القطاع منذ عام 1990 من عدة مشكلات شلّت بمجموعها قدرته على المنافسة وبالتالي قدرته على التطور. ويشكل ارتفاع تكاليف الإنتاج أبرز هذه المشكلات، إذ تعد اليوم هذه الكلفة الأعلى بين الدول العربية، وهي في معظمها أن لم يكن كلها مفروضة من الحكومة اللبنانية وتتمثل بالتكاليف التالية :
- كلفة الطاقة الكهربائية تزيد عن ضعف كلفتها للمنتجين في مصر وسوريا والسعودية والإمارات العربية المتحدة
- كلفة المحروقات تصل إلى ثمانية أضعاف كلفتها في مصر والسعودية والإمارات وضعف كلفتها في سوريا
- اليد العاملة وهي أربعة أضعاف ما هي في مصر وضعفين ما هي في سوريا
- الضمان الإجتماعي وهو ضعفا ما هو في مصر وسوريا
- القيمة المضافة على مستلزمات الإنتاج وقد أصابت عديداً من مدخلات الإنتاج للصناعات الغذائية بينما هي معفاة في معظم الدول العربية التي اعتمدت القيمة المضافة
- الرسوم الجمركية على بعض مدخلات الإنتاج وهي معفاة منها في معظم الدول العربية
- الرسوم غير المباشرة على المصانع وهي متعددة وتتراكم بحيث تؤثر تأثيراً ملحوظاً في كلفة الإنتاج
وتشكل اتفاقات التبادل التجاري الحر الثنائية والجماعية إحدى المشاكل التي يعاني منها القطاع، حيث اعتمدت الحكومات المتعاقبة منذ 1990 وحتى الآن مبدأ الانفتاح المطلق فأخذت تسارع إلى عقد اتفاقات التبادل التجاري الحر مع دول أخرى ومع الدول الأوروبية ومع الجامعة العربية كل ذلك على أثر حرب أهلية دمرت إقتصاد لبنان ووضعت أصحاب كل الصناعات وفي مقدمتهم أصحاب الصناعات الغذائية في وضع صعب للغاية بدلاً من أن تتريث وتنكب على دراسة مصلحة المواطن المنتج أولاً. إن هذه الحكومات وقعت في خطأ اعتماد الاتفاقات التجارية هدفاً بحد ذاته بدلا من أن تكون وسيلة تخدم مصالح المنتجين في لبنان، ما أفاد الدول المصدرة إلى لبنان ولم تفد صادرات لبنان إليها بشيء.
وتندرج أيضاً ضمن مشاكل القطاع إجراءات التقيد بالمواصفات، وغياب استعدادات الحكومة اللبنانية لمساعدة المصدرين، إذ يبدو أن الحكومات المتعاقبة كانت تجهل الاستعدادات المطلوبة منها لتسهيل عمليات التصدير ومنها وجود مختبرات معتمدة (accredited) من مؤسسات اعتماد معترف بها دولياً (accreditation bodies) كي تعترف الدول المستوردة وخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا بالشهادات الصادرة عنها.
دور الدولة
المطلوب اليوم من الدولة السير جنباً إلى جنب مع الصناعيين ودعمهم عبر فتح الباب على مصراعيه لتفعيل الصناعات الغذائية في لبنان لاستعادة دورها في توفير الغذاء السليم للمواطنين وإحلال هذه المنتجات محل المستورد منها والذي أصبح يناهز العشرة أضعاف المنتج المحلي .
ويستوجب هذ الأمر من الحكومة إعادة النظرفي كل اتفاقات التبادل التجاري الحر الثنائية منها والجماعية حتى تخدم مصلحة المنتج اللبناني، إلغاء الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على كل مستلزمات الإنتاج ، توفير تسعيرة خاصة للمحروقات للقطاعات الصناعية والزراعية تعتمد الكلفة الفعلية يصل إلى حدود أسعار الدول المجاورة كسوريا ومصر، إعادة النظر في الرسوم الجمركية على كل المنتجات الغذائية المستوردة ورفعها إلى درجات تحمي الصناعات الغذائية المحلية حماية كافية خاصة في ظل ارتفاع سعر الطاقة الكهربائية والأيدي العاملة ورسوم الضمان الإجتماعي والرسوم المختلفة الأخرى في لبنان مقارنة مع الدول الأخرى ، إضافة إلى الاستعجال في تجهيز المختبرات المحلية بالعدة والخبراء حتى تصبح معتمدة من مؤسسات اعتماد دولية .