معادلة سلامة الغذاء وسلامة الصناعة؟
لا تزال ترددات وتداعيات فضيحة المؤسسات والمطاعم غير مستوفية شروط السلامة الغذائية، التي فجرها وزير الصحة وائل أبو فاعور تتفاعل على الصعيد الوطني كما على صعيد الوزارات المعنية التي تابعت تفاعلاتها، إعلامياً، سياسياً، وقضائياً، بهدف الإلتزام بأفضل المعايير والمواصفات العالمية التي توفر سلامة الغذاء في لبنان الذي يصدّر ما قيمته 400 مليون دولار من الصناعات الغذائية، لا تزيد عن 1% النسبة المرتجعة منه سنوياً ، لأسباب تتعلق بملصق التعريف وليس بسبب فساد في الصناعة، خاصة وأن عدد المصانع العاملة في قطاع الصناعات الغذائية يبلغ حدود الألف مصنع في لبنان، وبالتالي إذا كان هناك عشرة أو عشرون مصنعاً مخالفاً فذلك لا يعد أمراً كارثياً.
الأوساط المتابعة للحملة استغربت التضخيم الكبير الذي جرى، في حين يجب العمل على إعطاء صورة حقيقية وجميلة عن لبنان وعن القطاع الصناعي الغذائي فيه، وليس اظهار صورة استثنائية تعكس بعض الأخطاء وبعض الفساد الذي لا تستثنى منه اجهزة وتجهيزات الدوائر الرسمية لا سيما ان عدد من الاعتذارات قد قدّم من الأجهزة لعدد من الصناعات اذ تبين وجود خطأ في نتائج الفحوصات المخبرية للإنتاج الصناعي اللبناني.
من الطبيعي القول إنه لا يمكن في واقع هذه الحملة للرقابة على الأغذية الاعتماد فقط على وزارة واحدة من دون تضافر جميع الوزارات المعنية في هذا الشأن الشديد الحساسية في لبنان. فبالإضافة إلى وزارة الصحة، شاركت وزارات الصناعة والزراعة والإقتصاد والمال في هذه الحملة، من دون أن يكون هناك أي لجنة مشتركة من قبلها لمتابعة هذا القطاع الهام في لبنان. وهنا لا يمكننا إلا التأكيد على أن المقاربة الاستراتيجية التي كانت قد اعتمدتها وزارة الصناعة بالتعاون مع كلية الزراعة والعلوم الغذائية في جامعة الروح القدس والهادفة إلى تقوية الصناعات الغذائية وإعطائها الإمكانات لتلبية متطلبات السلامة في ظل "أزمة سلامة الغذاء" التي يشهدها لبنان.
ولعل اللبنانيين وجدوا بعض العزاء في إقرار اللجان النيابية المشتركة، إقتراح قانون سلامة الغذاء (قانون د. باسل فليحان)، الذي جاء بعد التعديلات التي أدخلتها اللجنة الفرعية النيابية الخاصة بالقانون لتحديد شروط وإجراءات مراقبة تنفيذ أحكامه ونصوصه التطبيقية، وممارسة الصلاحيات المنصوص عليها في مواده، واتخاذ القرارات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ ضمن السياسة العامة لسلامة الغذاء، من خلال التنسيق في ما بين الوزارات المختصة والإدارات المعنية لتنفيذ أحكام القانون، والمشاركة في إعداد مشاريع المواصفات والقواعد الفنية المتعلقة بالغذاء، واقتراح إصدار أو تعديل هذه المواصفات والقواعد الفنية، والمشاركة في وضع المعايير المتعلقة بسلامة الغذاء بالاستناد إلى المعلومات العلمية وبعد تقييم المخاطر التي قد تنتج عن استهلاك غذاء معين أو استعمال المبيدات أو الأعلاف، بالإضافة إلى مهمات أساسية أخرى.
أليس الاجدر بنا ان نعمل على معادلة جديدة تحفظ سلامة الغذاء والمواطن وسلامة الصناعة والاقتصاد الوطني في بوتقة تقنية تمثل الوزارات المعنية وتضع الشروط المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة للمواطن والمصانع ومسؤوليات الوزارات المعنية من خلال تشكيل هيئة تتولى هذه المهمة، وتشكل ضمانة للمواطن وللقطاع الصناعي الذي يتعرض هذه الأيام لأزمات ومخاطر بالغة لا تحتمل كان آخرها اقفال الحدود السورية الآردنية الذي سيؤدي الى خسائر هائلة على القطاعات الزراعية والصناعية والإنتاجية. بهذا فقط، سنتمكن من حماية الصناعة من مزاجية المراقبة التي استغلت ثغرات ضئيلة في عمل بعض المؤسسات الصناعية. ولا بد من التأكيد في هذا الإطار، على ان هذه الثغرات ناتجة في معظمها عن اهمال كبير في عمل اجهزة الدولة لا يملك الصناعي اي قدره على تصحيحه.