المنتدى الاقتصادي السنوي يحذر من مخاطر اجتماعية واقتصادية تواجه العالم
دافوس: البوصلة الأخلاقية تغيب في التعاملات الدولية
مقدمة
في دورته لهذا العام، تركز الإهتمام في المنتدى الإقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس (سويسرا)، على البحث عن سبل ردم الهوة القائمة بين قادة العالم وشرائح مختلفة من مجتمعاتهم.
لكن هدوء القمم الثلجية التي يتمتع بها المشاركون في المنتدى، تناقض تماما التقلبات الناجمة عن احدى اخطر الازمات الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
عقد المنتدى دورته لعام 2012، على خلفية أزمة الديون السيادية الأوروبية، وتواصل الإضطرابات الاجتماعية في العديد من مناطق العالم، والأخطار المترتبة عن الإفراط في سرعة انتعاش الاقتصادات الناشئة.
وبحسب رأي مؤسس منتدى دافوس كلاوس شفاب، فأن إقامة نظم للتسيير الأعمال يُعد أمرا ملحا من أجل تحقيق إصلاح جذري. وقال كلاواس شفاب: "إن الرأسمالية بشكلها الحالي لم تعد مناسبة للعالم الذي يحيط بنا". وأضاف "لقد فشلنا في استخلاص الدروس من الأزمة المالية لعام 2009. لأن هناك ضرورة ملحة لإصلاحات شاملة، ويجب أن يبدأ ذلك بإعادة الشعور بالمسؤولية الإجتماعية على المستوى العالمي".
وكان تقرير المخاطر العالمية للعام 2012 التابع لمنتدى دافوس والذي نشر في 10 يناير/ كانون الثاني، قد أظهر أن التفاوت الحاد في الدخول والأوضاع المالية غير المستقرة للحكومات يشكلان أكبر تهديد اقتصادي يواجه العالم.
وأشار التقرير إلى أن العجز سيشكل تهديدا للنمو الاقتصادي العالمي، ولاسيما أنه سيجلب ظواهر مثل الحمائية والعنصرية والشعبوية، وبالتوازي سيكون العالم عرضة للاضطرابات المالية والاقتصادية والاجتماعية، التي يمكن أن تتحول إلى أزمة غذاء وماء.
أمام ذلك، أظهر مسح آخر، أن التوترات بين إيران والغرب دفعت التوقعات لمتوسط سعر النفط في 2012 إلى أكثر من 107 دولارات للبرميل.
هجوم النقابيين
وبالعودة إلى فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، شهد للمنتدى هجوما واضحا من النقابيين على الرأسمالية، بينما مال أصحاب البنوك إلى تحميل صناعة القرار السياسي مسؤولية الأخطاء.
وأعلنت شاران بورو، الأمينة العامة للاتحاد الدولي للنقابات في مداخلتها ''أن النظام الرأسمالي الذي ساد العالم في القرن العشرين لم يعد صالحا للتطبيق بعد أن أدى إلى هوة سحيقة بين دول العالم''، معززة موقفها بما يعيشه العالم الآن ''من أزمة طاحنة فاقت تلك التي شهدها قبل أزمة الثلاثينيات في القرن الماضي مثل ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وانتشار الفقر وضعف شبكة الضمان الاجتماعي''. وانتقدت محاولة بعض القوى المتمسكة بالنظم الرأسمالية إعادة هيكلتها مرة ثانية دون الاعتراف بالسلبيات.
في الوقت ذاته، طالبت النقابية البريطانية بضرورة إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي برمته من دون أن تستأثر الرأسمالية بذلك المهمة متهمة هذا التوجه بالجشع، وطالبت بأن يجلس الجميع من عمال وموظفين وحكومات وممثلي الشركات على طاولة واحدة. وأوضحت أن جشع الرأسمالية يتمثل في إخفاء 15 ألف مليار دولار في ودائع ''اوف شور''؛ ما يعني ضياع ضرائب سنوية قيمتها 15 مليارا، مؤكدة ''أن التهرب الضريبي أصبح رياضة يتبارى فيها كبار الأثرياء".
كما انتقدت بورو ''غياب البوصلة الأخلاقية في التعاملات الاقتصادية والخطط الداعمة لها؛ حتى تحول القطاع المالي إلى أشبه بأداة قتل موجهة ضد الجميع''، مشيرة إلى استقطاع أموال الضرائب لإنقاذ 29 بنكا عالميا تهمين على مسار الاقتصاد. في المقابل، دافع بريان موينيهان مدير بنك أوف أميركا في رده على ''النقابية'' عن سياسة البنوك واصفا إياها بأنها ''مرآة الحالة الاقتصادية العالمية وتسعى لتلبية احتياجات المجتمع من القروض والبطاقات الائتمانية''، لكنه اعترف بوجود تجاوزات في أداء بعض البنوك وتم القضاء عليها.
في الوقت ذاته، دافع دافيد روبنشتاين، رئيس مجموعة كارليل الأميركية للاستثمارات، في كلمته عن الرأسمالية باعتبارها أنها ''تفوقت على الشيوعية والاشتراكية وحققت فائضا في الثراء والإنتاج والوظائف أفضل من أي نظام اقتصادي آخر''. وأوضح ''أن الأزمة الاقتصادية العالمية والركود الذي تعانيه الكثير من الدول جعل النقائص والسلبيات أكثر وضوحا'' من دون أن يوضح كيفية معالجة الأمر الواقع أو تصوره في تطور الأوضاع مستقبلا.
احتجاجات
ورغم انتشار نحو خمسة الاف جندي سويسري يفتشون الداخلين الى دافوس والطائرات المقاتلات اف-ايه-18 التي تحلق في الاجواء، واجه المشاركون حركة احتجاج "احتلوا المنتدى الاقتصادي العالمي". وقد بنى ناشطو هذه الحركة منازل ثلجية في وسط القرية ويعتزمون التظاهر ضد من يقولون انهم "نخب معلنة من طرف واحد".
وشيدت الحركة بيوتا جليدية يقيم فيها أعضاؤها على بعد أمتار قليلة من مركز المؤتمرات الدولي الذي شهد فعاليات منتدى دافوس احتجاجا على فلسفة المنتدى برمته وتعامله مع الأزمة العالمية. وأعلنت الحركة فشل المنتدى في التحرك بما يخدم وضع الاقتصاد العالمي، منتقدين تشدق القائمين عليه بالديمقراطية.
ويقول لوارن مويري، أحد منسقي الحركة الاحتجاجية ''إن المنتدى يحاول أن ينصبّ نفسه متحدثا باسم الديمقراطية، لكن في ثياب الرأسمالية، إلا أن الواقع يشير إلى العكس؛ إذ يمثل المنتدى مصالح كبريات الشركات المستغلة فقط''. ويؤكد ''أن الرأي العام الدولي لا يعرف أن 109 شركات تدفع للمنتدى سنويا نصف مليون دولار كي تحشد هذا الكم الكبير من الخبراء والساسة وتمارس عملية غسل الأدمغة بالترويج لمبادئها وأفكارها، وهذا ليس من الديمقراطية في شيء''. ومن المتوقع أن تنظم حركة ''احتلوا'' ومعها منظمات غير حكومية مناهضة للعولمة وقفة احتجاجية يوم السبت تعبيرا عن تضامنها مع ضحايا العولمة، وتنديدا بسياسة الرأسمالية وما أفضت إليه من مشكلات.
ديون أوروبا
اجمع المسؤولون السياسيون والاقتصاديون في العالم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الذي يريد هذه السنة تغيير نموذج هزته الازمة اقتصادية غير مسبوقة.
وتناول نحو 2600 مشارك بينهم 1600 من اصحاب القرار في المجال الاقتصادي واربعين رئيس دولة او حكومة، في المنتجع الصغير في جبال الالب السويسرية، خلال خمسة ايام الوضع في العالم.
ودفع تراكم الديون العامة في اوروبا والولايات المتحدة الى الازمة حتى اقدمت وكالات التصنيف الانتمائي في خطوة غير مسبوقة على خفض تصينف عدة بلدان من منطقة اليورو بما فيها فرنسا اثر الولايات المتحدة.
وهذا الوضع دفع البنك الدولي الى التحذير من تباطؤ الاقتصاد الذي قد يطال، على حد قوله، بشدة الدول النامية.
وتراهن هذه التوقعات الاقتصادية العالمية الجديدة على ارتفاع في اجمالي الناتج الداخلي في العالم بنحو 2,5% خلال 2012 بعد نمو يقدر بنحو 2,7% خلال 2011.
واعتبر رئيس المنتدى الاقتصادي في دافوس كلاوس شواب "قد نفقد تماما ثقة الاجيال القادمة" بسبب تراكم الديون وقلة الاستثمار في الاجيال القادمة وازمة الاخلاق. واضاف استاذ الاقتصاد الذي بادر بهذا المنتدى قبل اربعين سنة ان "تسوية المشاكل بطرق تجاوزها الزمن (...) سيزيد في اغراقنا".
ويرى شواب (73 سنة) ان العالم في مرحلة "تغيير عميق يقتضي طرق جديدة في التفكير".
انتقاد ميركل
وألقت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الاربعاء خطاب الافتتاح في المنتدى يرافقها وزير ماليتها فولفغانغ شوبل. وقد استغنت ميركل عن رفيق دربها في الكفاح ضد الازمة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي حضر السنة الماضية لكن لم يدرج اسمه على لائحة المشاركين في هذه الدورة الثانية والاربعين للمنتدى.
واستحوذ خطاب المستشارة ميركل في حفل الافتتاح على اهتمام وتقييم أروقة المنتدى بين مؤيد ورافض للأفكار التي طرحتها، حيث رد الملياردير الاميركي جورج سوروس على توجهات ميركل وقال: ان ألمانيا تريد فرض التقشف على دول منطقة اليورو وهو الأمر الذي سيدخل اوروبا في دوامة الإنكماش. وأضاف سوروس ان تدابير القروض طويلة الأجل التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي في كانون الأول حلت مشكلة السيولة في المصارف الأوروبية، لكنها في المقابل لم تعالج مشاكل التمويل التي تعاني منها الدول المثقلة بالديون.
وأشار الملياردير الاميركي ذو الاصول الهنغارية الى ان ألمانيا باتت تتصرف نيابة عن صندوق النقد الدولي عن طريق فرض قواعد صعبة للإنضباط المالي، والذي سيولد التوترات الإقتصادية والسياسية التي يمكن ان تدمر الإتحاد الأوروبي. وتابع قائلاً ان البلدان الأضعف في منطقة اليورو تقترض بالعملات الأجنبية مثل دول العالم الثالث".
أزمة الرأسمالية
وبرز الحديث في المنتدى عن المخاوف من فشل النموذج الغربي للرأسمالية في ضوء الأزمات الحالية ومع صعود نجم قوى اقتصادية صاعدة.
ففي كل سنة كان انعقاد دافوس بأحد المنتجعات الجبلية في سويسرا يعد رمزا لتقدم نموذج الغرب اقتصاد السوق، ولكن الوضع مختلف هذا العام، فوفود الدول المشاركة تعترف بأن الرأسمالية على النموذج الصيني هي الصاعدة.
واعترف قادة سياسيون من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه حان الوقت لإعادة التفكير من لدن صناع القرار بأوروبا.
وقال خبراء ماليون إن الأزمة الاقتصادية الممتدة منذ أربع سنوات وسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء، وهو ما يضع نموذج الرأسمالية الغربية في وضع خطر.
ويوافق العديد من النخبة الاقتصادية المشاركة في المنتدى أنه سيكون من الصعب إقناع منتقدي الرأسمالية الغربية بأن لهذه الأخيرة مستقبلا وبأنه يمكن أن تصحح جوانب فشلها.
من جانب آخر، نبه الأستاذ بجامعة شيكاغو راغورام راجان إلى أن الاقتصادات الغربية القوية خلال القرن الماضي فشلت في الوفاء بوعودها بالرفاهية التي قطعتها لعمال العالم، حيث قدمت الحكومات الكثير من الوعود خلال ستينيات القرن الماضي عندما كان النمو الاقتصادي مرتفعا جدا، وتحققت الرفاهية في الدول الصناعية.
ولكن النمو بدأ بالتراجع – يقول راجان - في السبعينيات والثمانينيات، وحاولت دول كبريطانيا والولايات المتحدة إنعاش وتيرة النمو من خلال تحرير الاقتصاد وحققت نتائج لبعض الوقت ولكن المنحنى العام للنمو كان في تباطؤ بالدول الصناعية.
الاقتصادات الناشئة
لا شك أن العالم في السنوات المقبلة سيعول على الاقتصادات الناشئة. فهذه الاقتصادات بحسب آراء عديدة هي مراكز النمو التي سيستمد منها الاقتصاد العالمي عافيته من داء الأزمة. بيد أن هناك آراءا ترى وجهاً آخر للنمو الاقتصادي السريع، مما قد يشكل خطراً لا يستهان به.ويشير الخبراء الى أن الأزمة قلبت الموازين وربطت تعافي الاقتصاد العالمي بنمو اقتصادات الدول الناشئة، التي ارتفعت حصتها في سوق الرأسمال العالمية بـ10 أضعاف خلال 10 سنوات، وباتت محط أنظار المستثمرين.
ويتوقع ديفيد أم روبينشتاين مدير مجموعة "كارلايل" الاستثمارية أن نمو الأسواق الناشئة في السنوات الـ10 المقبلة سيفوق كثيرا نمو الأسواق المتطورة، مشيرا الى أن "معدلات النمو في روسيا على سبيل المثال كانت مرتفعة جدا في السنوات الأخيرة. وأعتقد أن أداء الأسواق الناشئة الأخرى في السنوات المقبلة سيكون جيدا جدا. وأعتقد أن روسيا والصين والبرازيل هي أسواق جذابة جدا مع أن لكل بلدخصوصياته وبالطبع لا يوجد بلد مثالي".
ومن هذه الخصوصيات التي مازال من الواجب على الاقتصادات الناشئة معالجتها، مسائل مثل انخفاض دخل المواطن الصيني إذ تحتل الصين المرتبة المئة في العالم من حيث متوسط دخل الفرد. بينما تحتاج روسيا والهند لاستثمار عشرات مليارات الدولارات في تطوير البنى التحتية.. بالاضافة إلى هذه العوامل فإن النمو الاقتصادي السريع قد يحمل أبعاداً سلبية بحسب بعض الخبراء.
أزمة اليورو
أشاع المنتدى بصيص أمل بأن منطقة اليورو بدأت تبتعد عن حافة الهاوية لكن قادة الاعمال يقولون ان متاعب أوروبا مازالت تقوض الانتعاش العالمي.
وتعتبر استراتيجية النمو هي العامل الذي ينقص مزيج السياسات الذي يعده زعماء منطقة اليورو لحماية منطقتهم التي تضم 17 دولة من التفكك. وبدون انتعاش اقتصادي سيكون من الصعب اعادة انتخاب رؤساء في أوروبا وغيرها هذا العام.
وتتشبث اليونان بالامل في التوصل لاتفاق لمقايضة الديون لتجنب تعثر عن السداد بالرغم من صعوبة ابرام هذا الاتفاق. لكن الاسواق تبدو غير قلقة نسبيا من احتمال تخلف اليونان عن السداد وتعتبر الامر مجرد مشكلة عارضة لا ترتبط بالتطورات الاخرى في منطقة العملة الموحدة.
وقال جيلس كيتينج رئيس وحدة الابحاث المصرفية الخاصة في كريدي سويس قبل اليوم الاول من أعمال المنتدى "هناك احساس متزايد بأن اليونان مختلفة عن الاخرين وبأنه يمكن احتواء العدوى في أماكن أخرى." وأضاف "هناك شعور بتوافر ارادة سياسية وقدرة على تنفيذ ذلك."