بقلم وسام سعد
لم يعد الغاز جوهر الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط موضع مناقشة، وذلك ضمن السياق الدولي الذي أعادنا منذ التسعينيات إلى مقولة كيسنجر: «إنه النفط يا غبي».
فمع إنجاز مد أنبوب الغاز الإيراني إلى العراق مع بداية تشرين الأول الجاري، تكون طهران قد أصبحت جاهزة بالكامل لضخ الغاز في آذار المقبل، من ضمن مشروعها الكبير لضخ الغاز إلى المتوسط عبر سورية ومنه إلى العالم.
وكانت طهران قد وقعت مع كل من بغداد ودمشق ما وصفته بأنه أكبر اتفاق في الشرق الأوسط لنقل الغاز. وينص الاتفاق على تدشين خط أنبوب يبلغ طوله 5 آلاف و600 كيلومتر، إذ يتم نقل 110 ملايين متر مكعب من الغاز الإيراني يومياً.
وتعتبر إيران ثاني أكبر منتج للغاز في العالم بعد روسيا، وهي تنتج حالياً أكثر من 4 تريليونات قدم مكعبة سنوياً من حقول الغاز، ويبلغ الاحتياطي المؤكد من الغاز نحو 974 تريليون قدم مكعبة سنوياً.
ومع إنجاز المرحلة الثالثة والأخيرة من أنبوب الغاز الإيراني، ستكون أسواق أوروبا قد أصبحت بين فكي كماشة الغاز الروسي ـ الإيراني وأولى الضحايا في الحرب الباردة القائمة بين الولايات المتحدة والناتو من جهة، وروسيا والصين وإيران من جهة ثانية.
ضربة إلى تركيا
ويشكل الاتفاق «الإيرانية -العراقية- السورية» ضربة كبيرة لتركيا، خصوصاً أن الاتفاق كان مقرراً إبرامه مع تركيا بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، على رغم وجود اتفاق مبدئي بين إيران والعراق وعبر الأراضي السورية وهو ما سيمكن الخزينة العامة السورية من الحصول على رسوم كبيرة، لعبور الغاز أراضيها وتصديره من خلال ميناء بانياس، هذا فضلاً عن تأمين ما تحتاجه من الغاز لمحطات توليد الكهرباء المزمع إنشاؤها خلال الأعوام المقبلة. إضافة إلى أنه سيربط الاقتصاد السوري والعراقي والإيراني - ويشغل الأيدي العاملة ويمتص البطالة ويدر الموارد المالية ويحسن اقتصاد البلدان الثلاثة.
جاء إعلان بناء خط الأنابيب العراقي- السوري- الإيراني، بعد الموافقة العراقية في شباط 2013 وفي سياق استراتيجية الطاقة الأوراسية ليوضّح الروابط بين كل من سورية وباكستان من جهة والصين من جهة أخرى، والتي تتم عبر إيران.
إن خط الأنابيب هذا- الذي يمر بلبنان أيضاً- يهدف إلى إيصال الغاز الإيراني إلى الشواطئ الشرقية للمتوسط، ويمكن بطبيعة الحال عكس اتجاه سيره. كما أن الغاز الموجود في السواحل السورية واللبنانية- وحتى سواحل مصر وغزة- يمكن أن يُرسل شرقاً عبر الخط المذكور باتجاه باكستان ومن ثم إلى الصين.
وهذا يفسّر مشاريع البنية التحتية الغازية العملاقة التي تعمل عليها إيران الساعية حالياً- وبغض النظر عن احتياطاها الهائلة من الغاز- لتصبح مركزاً دولياً لمعالجة الغاز الطبيعي وتجارته.
الموقع الجيوسياسي
ومع وجود شبكة الغاز الوطنية الإيرانية بإمكاناتها الكبيرة، وموقع إيران الجيوسياسي، وتوسطها بين مراكز الإنتاج ومنافذ التصدير، وبزيادة اعتماد باقي دول العالم على البترول والغاز، زادت أهمية خطوط نقل البترول والغاز في دول المنطقة لتتحول من مجرد وسيلة نقل وقود إلى شرايين حياة من شأنه أن يزيد من الكفاءة الاقتصادية لمشاريع الغاز الإيرانية، ووسائل ضغط ومساومة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية ويعزز من دور إيران الإقليمي.
إضافة إلى ذلك صمّمت إيران على الاستفادة من الأنبوب جيوسياسياً فكان أنبوبها عبر العراق ليساهم بالحفاظ على وحدته، وعبر سورية لمنحها مردوداً مالياً كرسم عبور، وفي المستقبل لوصل خط الغاز الإيراني بخط الغاز المصري كنتيجة حتمية، ما يؤدي إلى تكبيل الكيان الصهيوني وجعل وجوده وحروبه تتناقض مع المصالح الأوروبية، وبالتالي خط الغاز الإيراني حوّل صراع الغاز كذلك إلى صراع كسر عظم ما بين سورية وإيران والعراق من جهة وتركيا و”إسرائيل” وقطر من جهة ثانية، وبالتالي الخسائر على المدار القريب للغرب كارثية، ولكنها على المدى البعيد أكثر كارثية وخصوصاً حين تصبح دول الخليج الحلقة الأضعف في إنتاج النفط في ظل تنامي استهلاك النفط ونفاذ كثير من الآبار على حد سواء، وبالتالي حين يصبح النفط في القطب الشمالي وبحر قزوين سيكون كل العالم خارج النفوذ الأميركي، ولهذا واشنطن في حوارها مع موسكو أقرّت بقدرات روسيا، وأقرّت بهزيمتها في سورية، وإن على مضض. ولكن لن تقبل بهزيمتها الاستراتيجية على المدى البعيد وهو مصادر الطاقة في القطب الشمالي ووسط آسيا.
ما زال العمل مستمراً منذ سنوات عدة في شرق إيران على مشروع أنبوب إيراني- باكستاني مشترك وكان هذا المشروع في البداية مصمماً لتشارك فيه الهند أيضاً. أما بالنسبة إلى الصين، فظاهرياً لم يكن لها أي دور فيه ولم يأت أحدٌ على ذكرها، إلا أن ملائكتها كانت دائماً حاضرة.
وإذا سألنا: لماذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إيقاف هذا المشروع ؟ فالإجابة هي: المصالح الصينية.
إن كلاً من الولايات المتحدة والناتو، ينظران– في سياق الخطط الاستراتيجية لنقل الطاقة- إلى خط الغاز الإيراني- الباكستاني- الهندي باعتباره تهديداً جدياً لمصالحهما في منطقة أوراسيا. وكما ذكرنا سابقاً فإن هناك احتمالاً قوياً بأن تنضم الصين لهذا المشروع، وهذا من شأنه أن يضر بالمخططات الأميركية الهادفة إلى احتواء الصين وعزل إيران عبر السيطرة على إمدادات الطاقة الصينية والتلاعب في وجهة صادرات الطاقة الإيرانية. وقد عرضت الصين- كسابقتيها إيران وروسيا- على باكستان المساعدة في تمويل بناء خط الأنابيب على أراضيها. ومن الجدير بالذكر أن الصينيين يعملون، ومنذ فترة، بشكلٍ غير معلن في مشاريع البنية التحتية في باكستان.
وتلخيصاً لما سبق، فإن كلاً من الخطين (السوري- العراقي- الإيراني)، و(الباكستاني- الإيراني) يعدّان أقساماً من خط الغاز الأوراسي العملاق.
يمكن اعتبار ما ناقشناه حتى الآن، بوصفه أحد الأسباب التي قام من أجلها الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات أحادية الجانب على قطاع الغاز في إيران قبيل بدء الأخيرة بتصدير غازها الطبيعي المُسال إلى الدول الأخرى. كما أنه يضيف سياقاً جديداً للصراع في سورية، حيث يَسهل من خلاله فهم خلفيات مواقف بعض الدول الساعية إلى إسقاط النظام السوري الحالي كقطر وتركيا والسعودية. لا سيما بعد اكتشاف الطاقة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط.
ويقدّر مسحٌ جيولوجي أميركي أجري من فترة، وجود حوالى 120 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج في الحوض الشرقي الذي يشمل سواحل لبنان وسورية وفلسطين وقبرص.
خلفيات المعركة السورية
إن لكل من إيران وروسيا- صاحبتي أكبر احتياطي للغاز الطبيعي عالمياً- مصالح في هذه الاحتياطات. إذ شارك كل منهما في مشاريع لمساعدة لبنان وسورية في عمليات التنقيب وتطوير العمل في حقولهما، وفي حال تمت السيطرة على سورية أو حتى أجزاء متفرقة منها، فإن هذه الحقول والاحتياطات ستصبح خاضغة لسلطة الحلفاء الأطلسيين، وبالتالي حرمان الروس والإيرانيين من العمل والاستثمار فيها، إلا أن الواقع الجيوسياسي السوري يسير بعكس تيار مصالح الأطلسيين.
وأخيراً لا آخراً، ماذا سيكون وضع “إسرائيل” وحلفائها العرب في هذه المعادلة كلها؟ تلك خلفيات معركة سورية. معركة الحرب العالمية الثالثة.