أخيراً.. سلكت الحكومة اللبنانية طريق حماية الصناعة عبر إقرارها وضع رسوم مقطوعة بنسبة 2% على كل المستوردات إضافة إلى رسوم نوعية تراوحت بين 5 و20% على 20 سلعة مستوردة.
في الواقع إن خطوة الحكومة هذه أبعد من مجرد فاعلية هذه المقررات، إذ إنها تؤشر إلى تغيير واضح في التعاطي مع القطاع الصناعي، إضافة إلى أنها تحمل دلالات واضحة على أن "اقتصاد الإنتاج لن يكون حلماً مستحيلاً على لبنان، بل قد يصبح حقيقة وواقعاً ملموساً في المستقبل القريب، على الرغم من بعض الاعتراضات التي رافقت هذه المقررات التي اعتبرت أن زيادة 2% ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين وستخلق تضخماً .
فعلياً، إن كل الهرطقات عن عدم جدوى وجود صناعات في لبنان واستحالة تحوّل لبنان إلى بلد صناعي لا بد من أن تسقط. فوفقاً لوزير الاقتصاد منصور بطيش "هناك انحياز تام وحازم إلى كل الإنتاج المحلي، وفي مقدمه، الصناعة الوطنية، وهو خيار سياسي واقتصادي، والأهم أنه خيار وطني. فلا قيامة لاقتصاد بلد، ولا استقرار اجتماعياً إلا من خلال النهوض بقطاعات الإنتاج وتعزيز قدراتها في كل المجالات: صناعة، زراعة، سياحة، خدمات، وأعمال حرفية واقتصاد معرفة.
قرارات الحكومة الداعمة للصناعة
أقرّ مجلس الوزراء وضعَ رسوم مقطوعة بنسبة 2 في المئة على كل المستوردات باستثناء الأدوية والسيارات الصديقة للبيئة وكل الآلات والمواد الأوّلية المستخدَمة في الصناعة.
كما تمّ إقرارُ فرض رسوم نوعية تراوح بين 5 و20 في المئة على 20 سلعة مستوردة يوجد لها مثيل في الصناعات اللبنانية، وذلك من أجل حماية المنتجات المحلية.
يشمل القرار سلعاً يتمّ استيرادُها من الدول التي لا يرتبط معها لبنان باتفاقات تجارية وهي: البسكويت والويفر، النسيج والملبوسات، ورق التخديد وورق التست لاينر، مواد التنظيف، البرغل، الطحين، أنابيب الحديد، الألمنيوم، البرادات والمجمّدات والأفران والغسالات، الأحذية والمصنوعات الجلدية ومستلزماتها.
كما يشمل القرار سلعاً يتمّ استيرادُها من كل الدول وهي:
الرخام والغرانيت، كرتون البيض، الأدوات الصحية، المفروشات، الكورن فليكس، المحارم المعطّرة، المأكولات المعلبة، الورق الصحي وصناديق الشاحنات.
مع الإشارة إلى أنّ الدول التي وقّع لبنان اتفاقيات تجارية معها لن تخضع السلع المستوردة منها إلى الرسم النوعي المفروض على المجموعة الأولى من السلع المشار إليها أعلاه.
الجميل
وكان قد عقد مؤتمر صحافي، عقب خطوات الحكومة هذه، في جمعية الصناعيين شارك فيه وزيرا الصناعة وائل أبو فاعور والاقتصاد والتجارة منصور بطيش ورئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، في حضور النواب: نعمة افرام، ميشال ضاهر، نزيه نجم وشوقي الدكاش ونقولا نحاس ومحمد سليمان وممثل عن النائب فؤاد مخزومي وأعضاء مجلس الإدرة في الجمعية ورؤساء تجمعات ونقابات صناعية.
وأكد الجميل أن "هذا التغيير بدأ القطاع يلمسه منذ مدة، وقد تم التعبير عنه بوضوح من قبل فخامة الرئيس ميشال عون، ودولة الرئيس نبيه بري، ودولة الرئيس سعد الدين الحريري، ومن مختلف الكتل النيابية، وتوج هذا الأمر بالرؤيا التي وضعتها شركة "ماكنزي" والتي أكدت وجوب إعطاء الأولوية للقطاعات الإنتاجية وخصوصاً القطاع الصناعي للنهوض بالاقتصاد الوطني".
وشدّد الجميل على أن الآثار التضخمية لرسم الـ2 في المئة على الاستيراد ستكون شبه معدومة، وأن التخويف من حصول زيادة في الأسعار على المستهلك ليس في محله على الإطلاق، وفي الوقت ذاته إن تخصيص الدولة 35 في المئة من الأموال التي يجبيها هذا الرسم لتحفيز الصناعة ودعم قطاع الإسكان والتي سنحصل عليها ابتداء من العام 2020، سيكون له مردود كبير على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك ستكون آثار الـ65 في المئة التي ستذهب للخزينة جلية للحفاظ على استدامة المالية العامة.
واعتبر الجميل أن إنقاذ الاقتصاد الوطني ووضعه على طريق التعافي والنهوض مهمة كبيرة لكنها ليست مستحيلة، خصوصاً أننا نمتلك الكثير من المقومات والقدرات التي ستساعد في ولوج هذا المسار إذا أحسنّا استخدامها، خصوصاً تحفيز واحتضان الصناعة الوطنية. وأعرب عن ثقته في أن تكون الصناعة من الأولويات في المرحلة المقبلة، خصوصاً لجهة الاستجابة لمتطلبات تقويتها وتحفيزها وزيادة صادراتها.
أبوفاعور
من جهته، وصف أبوفاعور القرارات بالاستراتيجية والتي تمثل رؤيا جديدة للاقتصاد، وأمل أن تشكل قطيعة مع النظرة الاقتصادية القديمة، وأن يؤسس قرار فرض الرسوم النوعية على المستوردات لمرحلة جديدة لكل القطاعات الإنتاجية. وقال: "نحن في هذا القرار إنما ننحاز إلى جانب الصناعة كقطاع أساسي يؤمن النهوض والنمو وفرص العمل. فالأزمة التي تواجه الصناعة ولا سيما على صعيد إغلاق بعض المصانع إنما لها انعكاسات سلبية وكارثية على الاقتصاد والمجتمع وعلى سوق العمل. إنحيازنا إذاً إلى فكرة الإنتاج وردم الهوة في الميزان التجاري وتأمين فرص التنمية الاجتماعية وكل ذلك عبر الصناعة. نشهد اليوم بروز عمالقة صناعيين في الدول المجاورة لأنها تؤمن حوافز جذابة جداً للاستثمار الصناعي، ولهذا السبب يذهب الصناعيون اللبنانيون إلى هذه الدول للاستفادة من هذه الفرص في ظل غياب الحوافز في لبنان فهذه البلدان ترفع القطاع الصناعي إلى الموقع الذي يستحقه، وهذا ما عملنا من أجله في هذه المرحلة."
وأضاف:" حكي أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى التضخم وإلى ارتفاع الأسعار وإلى الاحتكار. نردّ على ذلك بالقول إن هذا الأمر لن يحصل وهو غير صحيح. فقرار فرض رسوم نوعية على عشرين قطاعاً وسلعة مستوردة ينتج مثيل لها في لبنان إنما جاء نتيجة شكاوى تقدّم بها المعنيون إلى وزارة الاقتصاد والتجارة وبيّنوا فيها تعرّض منتجاتهم للإغراق والمنافسة غير الشرعية.
بطيش
بدوره، : كشف بطيش أن "الحكومة حاولت وضع خُطوطٍ عَريضَةٍ تُسهِمُ في تَحْفيزِ الصِناعَة عبرَ إجرائين وقائيين safeguard measures يُمكن اعتمادُهما في حالات مماثلة للبنان حيث ميزان المدفوعات في عجز مستدام منذ العام 2011:
- الأول فَرضُ نِسبَــــة 2 بالمئة على كُّلِ المُستورَدات ما عَدا الأدويَة والَسيـــــارات الصديقة للبيئة، والمواد الأوليّة التي تدخل في الصناعة والزراعة.
- والإجراء الثاني فَرضُ رَسم نَوعي عَلى عِشريــنَ مُنتَجٍ تَتعّرض لِلمنافَسَة غَير المَشروعَـــة والإغراق. فالاستيـــرادُ الإغراقيُ مَرفوضٌ عالميّاً، مَنعـــاً لِـزَعـــزَعَـــة اقتِـصــاد الدَولَة المَعنِيَّــــــــــة.
وشدّد على أن "هاجِسُنــا هو تَحفيزُ قِطاعاتِ الإنتاجِ المَحلِيَّةِ، والصِناعِيَّـــةِ مِنها بِشَكلٍ خاص، وتَحريكُ العَجَلَةِ الإقتصاديَّـة، وزيادَةُ حَجم الصـــــادِرات بما يخَلقُ فُرَصَ عَمَلٍ مُستدامَــة. وبَديهيٌ القَول، إن الصِناعَــةَ مُحَرِّكٌ لِعَشــراتِ القِطاعات الأُخرى والمِهَن الحُـــــرَّة والتِجـــــــــــارَة الداخِليَّـــــة والخارِجيَّــــــــــــة (استيــــــراداً وتَصديـــــــــــراً).
وقال: أَعـــــرِفُ عَزيمةَ معظَــمِ الصِناعييّـــن اللبنانييّـــــن وتَضحياتِهــم أحيانـــــاً للاستِثمــــــارِ والصُمــــود في أَحلــــــــــَكِ الظُــــــــــــــــروف. وحِرصاً مِنّي على هؤلاءِ الصناعيين، أتمَّنى ألا يَبقى بَين صُفوفِكُـــم مَن يَلتَحِفُ غَطاء الصِناعة فيأخُذَ مِنها ولا يُضيفُ إليها. ولَنا في القُروضِ المَدعومَة ومَصيرُ بَعضِها ومَسارُهـــا مِثالٌ غَيرُ مُشَّجِعٍ. كما لنا في تَخفيــضِ عَديد العَمالَــــة اللُــبنانيَّـــة مِثــــالٌ آخَـــــــــــــــــر.
النواب الصناعيون
ثم تحدث النائب نعمت افرام مؤكداً أننا عملنا على هذه القرارات منذ العام 2000 وتوصلنا إليها اليوم. وسيأخذ الاقتصاد حجمه ومكانته الطبيعية. وقال:" إن هذه القرارات أتت نتيجة رقمين الأول ارتفاع حجم الاستيراد إلى عشرين مليار دولار سنوياً بعدما كان ثلاثة عشر مليار دولار في العام 2010، والثاني بسبب ارتفاع العجز في الموازنة إلى سبعة مليارات دولار.
النائب نجم
وتحدث النائب نزيه نجم عن أن 19 نائباً صناعياً سيتابعون هذا الموضوع في المجلس النيابي على اعتبار أن الصناعة ستؤمن دورة اقتصادية متكاملة ونحن قبل أن نكون نواباً، كنا نناضل لتحقيق هذه المطالب.
كما تحدث النائب ميشال الضاهر عن الفرص التي ستؤمنها الصناعة في مجالات العمل خصوصاً بعد قرار وقف التوظيف في الدولة.
وأكد النائب شوقي الدكاش أهمية هذه القرارات، داعياً التجار إلى التكاتف مع الصناعيين يداً واحدة تنتج وتتعاون لمصلحة الاقتصاد والمواطنين.