قرار إيطاليا الالتحاق بالمشروع الصيني أعاد تسليط الضوء على أكبر مشروع بنية تحتية في العالم وفي التاريخ.
ففي أعوام سابقة، وأثناء إدارة الرئيس أوباما، أبدت الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً في استعادة دورها كلاعبٍ كبيرٍ في التجارة العالميَّة.
فدعمت خط أنابيب النفط من تركمانستان مروراً بأفغانستان والباكستان والهند.
وعبّر اوباما ذاته عن هدفه في تحويل أفغانستان إلى بلدٍ مستقلٍ اقتصادياً يعتمد على ذاته. وأنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على مشاريع بنية تحتية وطاقة واستعملت عضلاتها المالية والدبلوماسية في آسيا من خلال تأسيس وبناء تحالفات وروابط مع العديد من الدول.
وحسب تقرير أصدره مجلس العلاقات الخارجية الأميركية مؤخراً "تسعى الصين من خلال مشروع الحزام الواحد والطريق والواحد إلى إعادة التوازنات الدولية في العالم لمصلحتها".
أي أن هذا هو الرد الصيني مقابل تركيز إدارة أوباما على آسيا عام 2011. ويري الصينيون أنَّ محاولات أوباما تعدُّ جهوداً لاحتواء الصين من طريق توسيع النفوذ الأميركي والهيمنة الاقتصاديَّة في جنوب شرق آسيا.
طريق الحرير القديمة
حسب "مرجعية أوكسفورد" تمرُّ طريق الحرير عِبر آسيا من شرق الصين إلى البحر الأبيض المتوسط وقد باشرت الصين استعمال الطريق في القرن الثاني قبل الميلاد، إذ كانت الجِمال تنقل الحرير وبضائع مختلفة.
وبدأت الصين عام 2017 باستخدام المصطلح الجديد المعروف بـ"مبادرة الحزام الواحد والطريق الواحد" والتي تشمل سلسلة هائلة من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تربط الصين بالدول الآسيوية حتى الوصول إلى أوروبا من خلال بناء جسور وممرات بحريَّة وجويَّة وطرق فوق الأرض وشبكات طاقة وخطوط أنابيب وغيرها من المشاريع.
خبراء ومراقبون وناقدون يعدُّون المشروع خطة صينيَّة لبسط النفوذ الاقتصادي في العالم. وهذه أيضا وجهة النظر الأميركيَّة والاتحاد الأوروبي، باستثناء إيطاليا. هذه خطة شي جين بينغ الرئيس الصيني لتحديث طريق الحرير من خلال مشاريع بنية تحتية تربط الصين بأوروبا
وأفريقيا.
مؤسسات ماليَّة صينيَّة
لا توجد أرقامٌ دقيقةٌ للتكلفة الإجماليَّة لمشروع بهذه الضخامة. ولكن حتى 2027 وحسب بلومبيرغ ستصل التكلفة إلى 1.3 ترليون دولار. أما التمويل فسيأتي مبدئياً من مؤسسات مالية صينية والتي ستمنح قروضاً بقيمة 600 مليار دولار. فضلاً عن 199 مليار دولار ستأتي من "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" الذي تقوده الصين وسيقدم البنك الدولي 60 مليار دولار.
ولكن الذي يدعو إلى السخرية هو أنَّ الولايات المتحدة تضع العوائق لتقليص التجارة العالميَّة من خلال فرض تعرفات جمركية بينما الصين تقوم بخطوات لعالم منفتح وتجارة أوسع.
بالطبع إن الصين ترفض وتنكر أنها تريد فرض الهيمنة والنفوذ العسكريين من خلال هذه المشاريع. الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة تشكك في نوايا الصين. نظرياً سيكون المشروع مفيداً وسيفيد الدول المشاركة وسيؤدي إلى نمو اقتصادي. ولكنْ في الحقيقة ستكون هناك تحديات كبيرة جيوسياسيَّة ومسائل مثل الفساد وارتفاع التكلفة وعجز بلدان عن تنفيذ تعهداتها وعدم ترجمة التزاماتها إلى حقائق على الأرض والخطر من بناء ما يسمى "الأفيال البيضاء" أو مشاريع وهمية ذات تكلفة باهظة وبدون فائدة.
إيطاليا تريد أنْ تؤدي دوراً في مشروع القرن الصيني. تعدُّ إيطاليا سابع اقتصاد في العالم وستكون أول دولة في مجموعة الدول الصناعية السبع تعلن تأييدها للمشروع الصيني الطموح وستوقع إيطاليا مذكرة تفاهم مع الصين أواخر هذا الشهر أثناء تواجد الرئيس الصيني في إيطاليا. وهناك من يتساءل لماذا تريد إيطاليا التورط في مشروع مثير للجدل؟
إيطاليا عضو مؤسس في السوق الأوروبيَّة المشتركة ولها علاقات تجارية قوية مع دول الاتحاد الأوروبي. وقد بلغ حجم التجارة بين الصين وإيطاليا 45 مليار دولار عام 2017.
إيطاليا تستورد من الصين 29.2 مليار دولار من بضائع صينية وتصدر ما قيمته 15.2 مليار دولار إلى الصين. البيت الأبيض يعتقد أنَّ إيطاليا مخطئة وسوف لن تجني أي فوائد اقتصاديَّة من المشروع.
وأكبر أسواق التصدير الإيطالي هي ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة. وتستورد إيطاليا معظم احتياجاتها من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.