ماذا يجري في الفناء الخلفي للبيت الأبيض؟
وسام سعد
عندما بدا اهتمام العالم بمجموعة "بريكس" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) أطلق زعماء هذه الكتلة المكونة من كبري الاقتصاديات الصاعدة، نظاما ماليا بديلا عن منظومة "بريتون وودز" (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) وذلك خلال اجتماع غير مسبوق مع جميع قادة أميركا الجنوبية.
وعلي الرغم من تواضعه النسبي حتى الآن، بلور قرار تأسيس بنك التنمية الجديد وكذلك اتفاق احتياطي الطوارئ، إرادة هذه الدول الخمس في مواجهة أدوات العولمة بصيغة جديدة لا تعد الولايات المتحدة فيها القوة المهيمنة.
ولكن ربما كان أبرز ما يعنيه لواشنطن مؤتمر القمة السادس للرؤساء دول مجموعة "بريكس" الذي انعقد في الفترة 14-16 من الشهر الجاري في مدينة "فورتاليزا" شمال شرق البرازيل ثم في العاصمة "برازيليا"، هو الدلالة الواضحة على ما يحدث الآن في ما اعتبرته الولايات المتحدة الفناء الخلفي لها.
لقد وافق رؤساء دول "اتحاد دول أميركا الجنوبية" (يوناسور) على الدعوة للاجتماع مع نظرائهم من بلدان "بريكس: ديلما روسيف (البرازيل)، فلاديمير بوتين (روسيا)، ناريندرا مودي (الهند)، شي جين بينغ (الصين) و جاكوب زوما (جنوب أفريقيا).
ولكن كان رئيس أوروغواي، خوسيه موخيكا - الذي يحافظ على علاقة ودية وثيقة مع إدارة باراك أوباما- أفضل من أعرب عن التغيرات التي تحدث في أمريكا اللاتينية في علاقاتها مع العالم.
فبعد العشاء الذي جمعه مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين في بوينس آيرس، و الاجتماع المنعقد بينهما في برازيليا، قال موخيكا أن تواجد روسيا والصين يعتبر "طريقا جديدا يعكس أهمية المنطقة، وربما يبدأ العالم في تقييمنا بصورة أفضل".
لقد قوبل الرئيس بوتين - الذي هو على خلاف متصاعد مع واشنطن والذي طرد مؤخرا من "مجموعة الثماني دول الكبرى" بسبب دور روسيا في أوكرانيا - بترحيب حار في المنطقة، واستغل جولته أيضا لزيارة كوبا والأرجنتين، البلد الذي وقعت مع العديد من الاتفاقيات بما في ذلك اتفاقية بشأن التعاون النووي.
من المعروف أن الأرجنتين تواجه صعوبات متنامية في جذب رؤوس الأموال الدولية، وكانت بدأت تسعى لتوسيع مشاركة مؤسسة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" في حقل آبار "فاكا موريتا" الجنوبي، الذي يعتبر واحدا من أكبر احتياطيات الصخر الزيتي والغاز في العالم.
وصرح الرئيس الروسي أن الأرجنتين تعد "شريكنا الاستراتيجي الرئيسي في أمريكا اللاتينية"، علما بأن هذا البلد، من الناحية الاقتصادية، هو فقط رابع شريك تجاري لروسيا في المنطقة، فقد اقتصر التبادل بين البلدين على اكثر من 2 مليار دولار في عام 2013، لكنه نما بنسبة 30 في المئة في 2014.
وفي الوقت نفسه، تعتبر العلاقات بين واشنطن و بوينس آيرس باردة، وهي ليست جيدة مع برازيليا منذ اندلاع فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكي على البرازيل. فقد برزت شعارات ضد الامبريالية الامريكية لتصبح شائعة من قبل بعض الحكومات في المنطقة، مثل فنزويلا وبوليفيا و الاكوادور .
وبالإضافة إلى روسيا التي تربطها اتفاقيات اقتصادية مهمة مع فنزويلا، تقفز الصين على المسرح كقوة جذب كبيرة جديدة في أمريكا اللاتينية.
فقد قام الرئيس الصيني شي بجولة عبر المنطقة في الأرجنتين، بصحبة وفد من 250 من رجال الأعمال، وأعرب عن اهتمام الصين الخاص بالاستثمار في مجال الطاقة والنقل. ثم تابع جولته في أمريكا اللاتينية بزيارة فنزويلا وكوبا.
وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري للبرازيل وتشيلي وبيرو، والثاني في عدد متزايد من بلدان أمريكا اللاتينية.
وقال المدير المشارك لمركز البحوث الاقتصادية والسياسة مارك ايزبروت "من الواضح أن حكومة الولايات المتحدة لا تحب ذلك، وإن كانت لا تفصح عنه علنا". وأضاف ايزبروت أن الولايات المتحدة "جنبا إلى جنب مع عدد قليل من الحلفاء الأثرياء، هيمنت لـ 70 عاما على المؤسسات الاقتصادية الأكثر أهمية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومؤخرا أيضا علي مجموعة G-8 ومجموعة G-20، وهي من صاغت ووضعت قواعد منظمة التجارة العالمية".
ثم أشار في حديثه مع وكالة "انتر بريس سيرفس" الى أن بنك كتلة "بريكس" هو "البديل الأول الذي يمكن لبقية العالم أن يكون له صوتا فيه، واشنطن لا ترغب في المنافسة". لكن اهتمام الدبلوماسية الأميركية مركز الآن في أوروبا الشرقية وآسيا والشرق الأوسط.
أيا كان الأمر، فالواقع هو أن هناك قوى جديدة تلعب علي مسرح هذه المنطقة. فتواصل دول "سوق الجنوب" (ميركوسور) - الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي وفنزويلا - التوجه نحو المحيط الأطلسي، والتفاوض على اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي غضون ذلك، يتعزز أيضا تحالف المحيط الهادئ (كولومبيا وتشيلي والمكسيك وبيرو) بينما تنخرط الثلاثة الأخيرة في مفاوضات عبر المحيط الهادي.
في مثل هذا السيناريو، يمثل تواجد الصين وغيرها من أعضاء كتلة "بريكس" بأدوات مالية جديدة، تحديا للمنطقة للعثور على توجهات اقتصادية أخرى. لكن في الوقت الراهن، لا تزال العلاقات تركز على استغلال الموارد الطبيعية والمواد الخام في أميركا اللاتينية (المعادن و الهيدروكربونات، والزراعة) مقابل السلع المصنعة ورأس المال.
وللدلالة على التحولات التي ستواجه الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، توجه دول البريكس لإصلاح النظام المالي الدولي، حيث أعلنت هذه الدول في ختام قمتها السادسة التي عقدت في فورتاليزا في البرازيل، في منتصف شهر تموز، اتفاقيتين لإنشاء بنك للتنمية وصندوق للاحتياطيات النقدية، كمؤسستين ماليتين تابعتين لمجموعة «بريكس». ومن المعروف أن دول «بريكس» لا تخفي عدم ارتياحها لعرقلة واشنطن وحلفائها عملية إصلاح المنظومة المالية والنقدية الدولية. ولذلك، قد يُنظر إلى إنشاء المؤسستين الجديدتين كبديل محتمل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ومن المقرر أن يمنح بنك التنمية، الذي سيكون مقره في شنغهاي، قروضاً لتمويل المشاريع طويلة الأمد وفق شروط تتفق عليها الدول الخمس يُفترض أن تكون مغايرة لشروط الصندوق والبنك الدوليين. وسيرى البنك النور ويبدأ بتقديم القروض فعلياً في عام 2016، بعد إقراره على مستوى السلطات التشريعية في البلدان المعنية. ويقدر الاحتياطي المشترك على الأرجح بـ 240 مليار دولار يسمح لها بتفادي الاستعانة بصندوق النقد الدولي.