ترددات المسألة الأوكرانية تذكر بأهمية الأعتماد على روسيا
أزمة الغاز الأوروبية والبديل القَطَري غير المثالي
تعتبر روسيا اليوم أكبر دولة مصدرة لمصادر الطاقة من النفط والغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي. رغم ذلك، فإنَّ اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على روسيا بخصوص مصادر الطاقة جعل صنّاع السياسات غير مستقرين على قاعدة منتظمة. حيث أصدرت المفوضية الأوروبية في عام 2000 ورقةً خضراء ترمي إلى لفت الأنظار إلى المستويات المرتفعة للاعتماد الأوروبي على واردات الغاز.
لقد أدت الصدامات الروسية - الأوكرانية التي دارت في عام 2006 ثم في عام 2009 إلى الانقطاعات الأولى في إمداد أوروبا بالغاز الروسي، وأطلقت من جديد النقاش حول قضية تأمين إمدادات الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي. ولكن منذ ذلك الوقت، لم يشهد اعتماد أوروبا على واردات الغاز أي انخفاض يُذكر، بل إنه من المتوقع أن ترتفع الواردات من 40% في الوقت الحالي إلى 70%. لقد شكّلت الأزمة التي تشهدها أوكرانيا مؤخرًا صيحة إنذار مهمة لصنّاع القرار في دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث إنَّ 49% من صادرات الغاز الروسية تمر عبر أوكرانيا التي تعاني حاليًا من عجز في إمدادات الغاز. ففي أعقاب الصراع على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، لم تكتف روسيا برفع أسعار صادرات الغاز إلى أوكرانيا، بل هددت بوقف تام لتسليم الغاز إليها إن لم تسدد الديون المترتبة عليها.
من المرجح أن تقوم أوروبا بإعادة توجيه سياستها الطاقوية كنتيجة للأزمة الأوكرانية؛ وفي هذا بدأ الحديث عن الدور المحتمل لقطر في هذا المسعى، والذي من الممكن أن يضيف مزيدًا من التوتر إلى العلاقات القطرية - الروسية المتأزمة أصلاً بعدما كشفت الأزمة السورية عن مشروع قطري ـ أوروبي ـ إسرائيلي لتمرير أنابيب للغاز عبر الأراضي السورية، ولكن رفض دمشق للمشروع أطلق الدبابير التكفيرية من أعشاشها لتدمير سورية بغطاء من أصحاب المشروع وحلفائهم.
وتدرك قطر الآن أن استغلال الوقت الملائم أمرًا مهمًا، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية تستعد لتصبح دولة منافسة في تصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG) في غضون السنوات الخمس المقبلة، إلا أنها على أرض الواقع لا تزال تفتقر إلى إمكانية تصديره إلى أوروبا في ظل رفض سوريا لمرور الأنابيب عبر أراضيها، لذلك فإن بقاء قطر الآن في الساحة يُعد مكسبًا لابد من اغتنامه ريثما تنجلي الأزمة السورية.
أكبر مصدر
تمتعت العلاقات الطاقوية التي تجمع بين روسيا والاتحاد الأوروبي منذ فترة الحرب الباردة بنوع من الأمان، رغم كون الطرفين على خلاف في أغالبية الملفات عندما يتعلق الأمر بالسياسة.
وتعتبر روسيا اليوم أكبر دولة مصدرة لمصادر الطاقة من النفط والغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي؛ ففي عام 2012، كانت روسيا هي مصدر ما نسبته 25% من واردات الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما شكَّل قرابة الـ60% من صادرات الغاز الروسية. ويتم نقل أكثر من نصف هذه الصادرات من خلال خطوط الأنابيب الأوكرانية الخمسة، أما خطوط الأنابيب الثمانية المتبقية فإنها تمر من خلال الأراضي البيلاروسية لتتجه إلى بولندا وليتوانيا، أو لتتجه مباشرة إلى ألمانيا، وفنلندا، وأستونيا، ولاتفيا. ويذهب قرابة نصف واردات الغاز الأوروبية إلى كل من ألمانيا وإيطاليا في حين أن فرنسا، وهنغاريا، وجمهورية التشيك، وبولندا، والنمسا، وسلوفاكيا تستورد أكثر من 5 مليارات متر مكعب سنويًا.
وكانت العلاقة في مجال الطاقة والتي تجمع بين روسيا والاتحاد الأوربي، قد نجت لغاية اليوم من عواصف عدة، ولكن اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على روسيا بخصوص مصادر الطاقة جعل صنّاع السياسات غير مستقرين على قاعدة منتظمة. ففي عام 2000، أصدرت المفوضية الأوروبية ورقةً خضراء ترمي إلى لفت الأنظار إلى المستويات المرتفعة للاعتماد الأوروبي على واردات الغاز. وفي عام 2004، قام المجلس الأوروبي بتبني أمر توجيهي تجلّت أهدافه في "ضمان مستوى كاف لتأمين إمدادات الغاز"، ولاسيما في حالة حدوث انقطاع كبير في الإمدادات، "والمساهمة في تحسين سير العمل في سوق الغاز الداخلية".
لقد أدت الصدامات الروسية - الأوكرانية التي دارت في عام 2006 ثم في عام 2009 إلى الانقطاعات الأولى في إمداد أوروبا بالغاز الروسي، وأطلقت من جديد النقاش حول قضية تأمين إمدادات الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي. ولكن منذ ذلك الوقت، لم يشهد اعتماد أوروبا على واردات الغاز أي انخفاض يُذكر، بل إنه من المتوقع أن ترتفع الواردات من 40% في الوقت الحالي إلى 70% .
لقد شكّلت الأزمة الأوكرانية صيحة إنذار مهمة لصنّاع القرار في أوروبا؛ حيث إن 49% من صادرات الغاز الروسية تمر عبر أوكرانيا التي تعاني حاليًا من عجز في إمدادات الغاز. ففي أعقاب الصراع على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، لم تكتف روسيا برفع أسعار صادرات الغاز إلى أوكرانيا فحسب، بل هددت بوقف تام لتسليم الغاز إليها إن لم تسدد الديون المترتبة عليها. ولعل الأمر الأكثر أهمية يتمثل في ترجيح انفصال ثلاث مناطق أخرى في شرقي أوكرانيا، وتشكّل تلك المناطق بالإضافة إلى جزيرة القرم ثلث صادرات أوكرانيا.
نقاش حيوي
لقد أثارت هذه التطورات نقاشًا حيويًا في أوروبا حول موضوع الطاقة؛ إذ صرَّح رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي مباشرة بعد الاستفتاء الذي تم إجراؤه حول مسألة انفصال شبه جزيرة القرم عن روسيا، قائلاً: "لقد أرسلنا اليوم إشارةً واضحةً مفادها أن أوروبا تسعى جاهدة إلى تخفيض اعتمادها على استيراد مصادر الطاقة، خصوصًا من روسيا"، وذلك بتنويع طرق الإمداد إلى أوروبا وداخلها". ولكن رومبوي لم يخبرنا كيف سيتم ذلك وما هي كلفته؟
من الجلي أن الأزمة الأوكرانية قد تركت أثرًا حادًا وفوريًا على واردات الطاقة الأوروبية، وخصوصًا على واردات الغاز؛ حيث يعتبر الغاز واحدًا من أنواع الوقود المفضّلة في إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي نظرًا لتأثيره المنخفض نسبيًا على البيئة، وقد ذهبت أزمة 2014 أبعد بكثير من الزلازل السياسية السابقة؛ إذ يرجح أن تؤدي إلى تنويع في إمدادات الغاز، خصوصًا وأنها محاصرة بحالة عدم الاستقرار السائدة في كل من ليبيا ومصر.
الحضور القطري
لا تؤدي دولة قطر حاليًا دورًا كبيرًا في وضع سياسات أو إمدادات الطاقة الأوروبية، ولكن هذا الأمر آخذٌ في التغيير نظراً إلى الدور الحيوي الذي تؤديه في صادرات الغاز العالمية، ولاسيما الغاز الطبيعي المسال (LNG)؛ إذ تعتبر هذه الدولة الخليجية في الوقت الراهن أكبر دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال (LNG) في العالم -85% من صادرات الغاز منها تكون بشكل سائل-، وهي ثاني مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، ورابع أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي الجاف في العالم، بعد كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران، وهي تملك كذلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز في العالم، أي ما يعادل قرابة ثلاثة أضعاف احتياطي الولايات المتحدة الأميركية.
وتولي أوروبا هذا الأمر أهمية متزايدة، فبالرغم من أن خليط الطاقة لم يشهد تغييرًا كبيرًا على مرّ العقدين الماضيين - ففي عام 2013، على سبيل المثال، كان 35 %من خليط الطاقة نابعًا من النفط، 24% من الغاز، 17% من الوقود الصلب، 14% من الحرارة النووية، 10 %من مصادر الطاقة المتجددة - فإن الاعتماد على الطاقة بشكل عام قد أضحى أكثر وضوحًا. وفي حين أن هذا ينطبق على كل المصادر الطاقوية المستوردة، فهو ينطبق أيضًا على واردات الغاز؛ حيث زاد الاعتماد على الغاز من 43.5% في عام 1995 إلى 67 % في عام 2011 (بالمقارنة مع الاعتماد على النفط الذي ارتفع من 73.2% إلى 85.6% فقط). إن الاعتماد على الغاز، يؤدي دوراً متزايد الأهمية في طرق التفكير المتعلقة بتأمين الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
بحلول عام 2020، يُتوقّع أن يشكل الغاز الطبيعي المسال ما نسبته 14% من واردات الغاز لأوروبا، وأن يزيد الاستهلاك ليصل إلى 815 مليار متر مكعب في عام 2030، بينما كان يقدر استهلاكها بـ 502 مليار متر مكعب في عام 2005.
وفي ضوء ذلك تعتبر أوروبا جنبًا إلى جنب مع آسيا عميلاً مهمًا لدولة قطر، يمتلك إمكانيات ضخمة للنمو، ولكن الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لتسهيل التحول من الغاز الروسي إلى الغاز القطري لا يصعب تخيله.
فبعد اغلاق الطريق البرية التي تمر عبر سوريا، فان طريق الشحن البحرية الرئيسة لقطر والمتجهة إلى أوروبا تمر عبر نقاط اختناق عديدة، كمضيق هرمز وباب المندب وكذلك قناة السويس. ويقع كل من هذه المواقع الثلاثة في مناطق مضطربة سياسيًا، وهي نقطة الضعف التي تثير قلق صنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي. ففي فترات سابقة، كانت قناة السويس على وجه الخصوص عرضةً للإغلاق نظرًا الى انعدام الاستقرار السياسي. وتتمثل الطريقة الوحيدة لتجنب حدوث ذلك في تفعيل خط الأنابيب المقترح بين قطر وتركيا والذي يمتد من حقول الغاز القطرية إلى تركيا ليتصل هناك مع خط أنابيب "نابوكو". لقد حظيت فكرة خط الأنابيب "نابوكو" بدعم الاتحاد الأوروبي سياسيًا وماديًا كونها تسعى إلى ربط أسواق الشرق الأوسط من تركيا إلى النمسا، ولكن الاتحاد الذي تقوده أذربيجان والذي يملك حقل غاز شاه دينيز2، والذي يعد المورّد الرئيس للغاز، قد عمل على إلغاء الفكرة في صيف عام 2013. وقد اختارت أذربيجان، بدلاً من ذلك، خط أنابيب أقصر يمر عبر البحر الأدرياتيكي والذي يمتد من اليونان إلى إيطاليا. وقد حلّ هذا الخيار محل فكرة إنشاء خط أنابيب للغاز يمتد من قطر إلى سوريا حيث يتم شحن الغاز الطبيعي المسال (LNG) في مرحلة لاحقة إلى أوروبا عبر الموانئ السورية، وهي فكرة دونها صعوبات؛ لأن سوريا لم تشجع الفكرة كونها ترمي إلى حماية المصالح الروسية المتعلقة بالغاز في أوروبا.
خاتمة
لقد عملت الأزمة الأوكرانية، للمرة الثالثة خلال عقد من الزمان، على تذكير أوروبا باعتمادها على روسيا بشأن الغاز، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه الطلب على الطاقة في أوروبا ازديادًا ملحوظًا. وفي الوقت الذي تبحث فيه أوروبا عن بدائل، يعتبر الغاز القطري، والغاز الطبيعي المسال على وجه الخصوص، بديلاً غير مثالي على الأطلاق ليحل محل الإمدادات الروسية.